Screen Shot 2020-04-21 at 5.24.37 PM
Screen Shot 2020-04-21 at 5.24.37 PM
أعمدة

الأوراق

21 أبريل 2020
21 أبريل 2020

عادل محمود

موظف الأمن يكتب أسئلته وأجوبتي، بتذمر وضجر من يعمل في مهنة مملة ومكررة ونمطية.

بعد الأسئلة الأولى: الاسم والكنية وبقية التعاريف العائلية وصل إلى سؤال: ماذا تعمل؟ قلت "كاتب" فنظر إليّ بغضب واستهجان: "إذن بتعرف تكتب" خذ هذه الأوراق املأها، واكتب اعترافاتك.

تركني وأغلق الباب وأقفله. وصرت وحيداً أستحضر كل هذه السنوات الخمسين، وما جدواها، ما دامت المادة 42 من الدستور السوري، التي تبيح حرية التعبير بكل الوسائل، عرضة للتهكم الماغوطي (نسبة للشاعر محمد الماغوط) عليها حين يقول: تدخل إلى فرع الأمن، ونمرة قدميك 42 وتخرج ونمرتها 45 ( ويعني التورم بسبب الفلق ـ ضرب القدمين بكابلات الكهرباء).

أمسكت الأوراق، ولفرط شدة قرفي مما أنا فيه ’ كتبت ضارباً عرض الحائط بكل خيارات النجاة:

"هل تعلم من نحن؟ ماهي صفاتنا ووصفنا ؟

نحن مصابون بفيروس الفكرة المغشوشة عن الذات (الأمبيديا). نحن طغاة صغار حين نصبح مسؤولين، ومتسولون صغار للاهتمام بنا عندما تستغني عنا الوظيفة، وتصبح مخالبنا أظافر.

نحن أولاد نرجسية وطنية مغشوشة، لأننا عند الامتحان، نعود إلى الصنف الخسيس من المرايا... العشيرة والقبيلة والعائلة، وحيّز الحيوان الجغرافي.

نحن مصابون بدهاء الفرد وغباء الجماعة، وتشوهات "زواج العقارب". ومصابون بمرض "الذل عن بعد" حيث ينتصر علينا من يشاء بالحرب النفسية، ويختمها بالحرب العسكرية، ويحصدها بالنتائج الاقتصادية.

نحن شعوب تمنح نصر العدو مكافأة أكبر من هزيمتها. نحن من يعتبر "الهزيمة والوليمة" من جذر لغوي واحد. نحن مصابون بمرض "إيدز" الخلاف على التسمية: هل الإيدز مرض المناعة المكتسبة؟ أم مرض الوصال العابر؟ نحن في حاجة لتعلم الحب، لا لكي يزداد السكان بل لكي يتحسّن وجه الحياة.

نحن في حاجة إلى الغش في الامتحانات، بالهاتف النقال، كي يزداد عدد العباقرة في بلادنا، فنصبح يابانيين في الصناعة، وصينيين في الزراعة، وتايوانيين في الإلكترونيات، وإسرائيليين في المفاوضات.

نحن في حاجة إلى إسلام ما بعد الكارثة، وليس إسلام ما قبل التاريخ. إسلام بسيط: جامع صغير، وجمعة حزينة. وحوله سوق وشرفات بيوت تطلّ على التجارة والشطارة وعودة الأزواج، عصراً، سالمين.

نحن في حاجة إلى حاضر نصنعه، وليس إلى ماضٍ نستعيده.

نحن في حاجة إلى قلة أدب في وصف الواقع المظلم، وإلى أدب في وصف الصباح المترنم بالضوء والمضيء بالضوضاء.

نحن.

وهنا دخل موظف الأمن وأمسك بهذه الأوراق... قرأ سطراً منها وبدا عليه استغراب فعلتي، أخذها، وخرج . أغلق الباب وأقفله... ولم يعد.

وأنا ، حتى هذه اللحظة ، أنتظره ... لا ليطلق سراحي، وإنما ليعيد إليّ تلك الأوراق.