Screen Shot 2020-04-14 at 1.14.24 PM
Screen Shot 2020-04-14 at 1.14.24 PM
أعمدة

نوافذ: "المال بقي في المنزل"

21 أبريل 2020
21 أبريل 2020

أحمد بن سالم الفلاحي

[email protected]

كثيرة هي القصص التي تروى عن أناس غادروا هذه الحياة، وقد تركوا أموالا كثيرة، تتجاوز قدرة من يخلفهم على حملها، أو كيفية التصرف فيها، إلى درجة أن تحدث فيهم ردة فعل غير طبيعية، بحيث تنقلهم من حالة السكون والهدوء، إلى حالة الصخب والارتباك، فلا يجدون مخرجا من هذا الارتباك إلا بتبذير هذه الأموال، بطرق مشروعة أو غير مشروعة، حتى يجدون أنفسهم يوما ما، وقد رجعوا إلى مربعهم الأول في حالة من الذهول، وعدم الاتزان.

هي حالة إنسانية بامتياز، ينسى من خلالها الإنسان نفسه، وقدراته الذهنية والمادية، في القدرة على تصريف الأموال على الوجه الذي يرضيه قبل أي واحد كان، وهذا الرضا ليس معناه اكتناز أكبر قدر من هذا المال، ولكن توظيفه بما يعود عليه؛ هو قبل أي شخص آخر بالخير العميم، الخير في الصحة الممتدة، والمعيشة الرضية والأمان النفسي والاطمئنان الحقيقي، فالمال في حالة خروجه عن هذه السياقات الفردية في توظيفه، لن يكون إلا عبئا مقلقا، فالمال كما يوصف دائما بأنه "سيد سيئ" إذا استحوذ على النفس أهلكها، وأخرجها من حالتها الإنسانية الرضية، إلى حالتها "الأمارة بالسوء" حيث تقضي على الأخضر واليابس، دون أي اعتبار إنساني، أو خلقي، أو ديني، أو اجتماعي، وهذه من المواقف المزعجة المحسوبة على تأثيرات المال على النفوس، حيث يضحي الفرد بأقرب الناس إليه، فالمهم أن يبقى "المال في المنزل" كما جاء في العنوان، وهي الجملة المقتبسة من نص تغريدة تم تداولها الأسبوع الماضي، والتي نصت على: "الملياردير البرتغالي أنطونيو بييرا مونطييرو رئيس بنك سانتاندير بالبرتقال توفي بسبب عدوى فيروس كورونا الأربعاء الماضي".

ابنته كتبت في إحدى وسائل التواصل الاجتماعي: "نحن عائلة ثرية لكن والدي توفي وحيدا ومختنقا يبحث عن شيء مجاني هو الهواء. المال بقي في المنزل" (voir la traduction)" – وفق ما تم تداوله.

يذهب الحديث هنا أكثر أننا – كمجتمع – مقبلون على رمضان المبارك، أفضل الشهور وأقدسها، مع تزامنه مع جائحة العصر (كورونا – كوفيد19) التي تحل على العالم ضيفا ثقيلا، بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، فتداعياتها المخيفة تثقل السمع، وتدمع العين، وتقبض القلب، وأقربها حالة الكفاف التي حلت بالجميع، وفي هذا الـ "جميع" هناك أسر وأفراد تقف فقط عند وجبتها الواحدة في اليوم الواحد، حيث ضاعفت الجائحة من معاناة كثير من الأسر، ولكن مع ذلك فهناك أصحاب الأموال الكثر، ويقينا آياديهم بيضاء مخضبة بالعطاء، لا ترى في الإنفاق على الضعيف والمسكين لومة لائم من أنفس الشح والبخل، حيث تتسامى على مظانها الخاصة، وترى في كل ضعيف ومحتاج مقصدها الآمن (وما تنفقوا من خير فلأنفسكم، وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله، وما تنفقوا من خير يوفى إليكم وأنتم لا تظلمون) – الآية (272) من سورة البقرة.

وحتى لا يبقى "المال في المنزل" حيث أعمارنا القصيرة، فهي فرصة لأن ندخر جزءا من هذا المال لأنفسنا المتصالحين معها كما نريد، لا كما تريد لنا أنفسنا "الأمارة بالسوء" ولنا في المقولة الذهبية أبلغ الأثر: "يقول الإنسان مالي مالي؛ وليس من ماله إلا ثلاث: ما أكل فأفنى، وما لبس فأبلى، وما أعطى فأقنى" أما إنفاق المال في غير هذه الأوجه الثلاثة، فيبقى ضياعا، وعلى الإنسان أن لا يؤمل نفسه فيه كثيرا، وليعي أنه خسر المال والعمر والصحة في جمعه فقط، وهذه من الحالات التي عليها كثير من الناس للأسف الشديد.

هناك اليوم؛ وفي أحضان هذا المجتمع النبيل؛ شباب يبذلون الجهد الصادق، في تكوين فرق للخير، تسعى جاهدة في توصيل لقمة العيش هذه إلى مستحقيها، فتناصروا معهم، وأملؤوا أفواه الجوعى، وأعيدوا الابتسامة إلى من فقد عائله من الثكالى، والأرامل واليتامى، وما ذلك عنكم ببعيد.