أفكار وآراء

هل ستعيد اتفاقية أوبك الأخيرة التوازن لسوق النفط وأسعاره؟

20 أبريل 2020
20 أبريل 2020

صلاح أبونار -

في التاسع من أبريل تلقت أسواق النفط الخبر السعيد الذي كان ينتظره الجميع، مع إعلان أوبك الوصول إلى اتفاق جديد لتخفيض الإنتاج ونهاية حرب الأسعار المشتعلة منذ السابع من مارس.

وكان الجميع في انتظار الحدث على أحر من الجمر، سواء الذين أطلقوا رياح الحرب وأداروها من داخل تحالف أوبك، أو الذين توهموا لفترة ما إمكانية الاستفادة منها من خارج هذا التحالف. ويدفعنا هذا لطرح التساؤلات التالية: ما الذي انتهت إليه الاتفاقية؟

وما هي العوامل التي شكلتها؟

وإلى أي حد ستنجح في تحقيق المنتظر منها؟

اجتمعت أوبك في فيينا في 5 مارس للاتفاق على إطلاق المرحلة الجديدة لاتفاق 2016 لتخفيض العرض النفطي بمقدار 1.5 مليون برميل يوميا. ولكن التفاوض مع روسيا الحليف الأكبر لأوبك، انتهى برفضها لمواصلة التزامها للخطة المتفق عليها. وعندما أعلن وزير النفط الروسي أن كل دولة يمكنها طرح ما تريده في السوق من أول أبريل، شكل هذا إعلانًا لحرب أسعار وجدت السعودية ودول أخرى نفسها مجبرة عليها.

ومع التدفق الهائل في العرض النفطي، مصحوبا بتخفيض بعض المنتجين للأسعار بمعدل 4 - 6 دولارات للبرميل، وتراجع الطلب المتواصل، تهاوى خام برنت من 51.31 دولار في 4 مارس إلى 45.60 في 6 مارس، ليصل انحداره إلى 26.71 في 19 مارس، ثم تباطؤ معدل انخفاضه ليصبح 22.76 في أول أبريل، والخلاصة فقد سعر البرميل 28.55 دولار فيما بين 4 مارس وأول أبريل.

وكان من المستحيل مواصلة حرب من هذا النمط، فلا أحد من المتصارعين يمكنه تحمل خسائرها المتصاعدة طويلا، كما أنها لم تكن حربا بين أوبك وحليفها الروسي، بل بين بعض قوى أوبك وروسيا، وبالتالي لم تدخلها أوبك ككتلة منظمة.

ولقد كان من ضمن أهداف من أطلقوها مواجهة تداعيات أزمة كورونا، في فترة كانت خطورة الأزمة الاقتصادية واضحة، لكن لم تنكشف فيها بعد قدرتها على التوسع الجغرافي القاتل والامتداد الزمني، وبالتالي أصبح من الضروري إعادة حسابات الصراع. وإلى جوار تلك العوامل ظهر عاملان شديدا الأهمية، لعبا دورا حاسما في فرض التوافق على المتصارعين. الأول دور واشنطن في الدفع للاتفاق. خلال شهر مارس اتفق المحللون أن حربا من هذا النمط يستحيل استمرارها، وأن طرفي الصراع يمارسان عملية اختبار إرادات وإعادة تشكيل للتوازنات، تمهيدًا للعودة للمفاوضات. وبالفعل خلال مسيرة الحرب صدرت منهما تصريحات تفيد استعدادهما للتفاوض. والحاصل أن التدخل الأمريكي حدث في سياق حرب، أُطلقت كأداة من أدوات التفاوض بمعزل عن حكمنا على مدى ضرورتها وعقلانية إدارتها، وبالتالي كان الجميع سيعودون للتفاوض ويصلون لاتفاق حتى مع غياب التدخل. لعبت واشنطن دورها الذي لا نعرف حدوده تحت تأثير عاملين. أولهما الرغبة في إنهاء الحرب سريعًا لتجنيب النفط الأمريكي خسائر ضخمة مؤكدة. ذلك أن هذا النفط رغم انخفاض تكلفته خلال السنوات الأخيرة، سيبدأ في الخسارة عند سعر أقل من 30 دولارًا ويفقد ما بين نصف مليون ومليون برميل يوميا.

ومن جهة أخرى تعاني شركاته ضعفا ماليا، نتيجة لكثافة قروضها وخسائرها بعد أزمة 2014 وتراجع الاستثمارات فيها، وبالتالي غير مؤهلة لمواجهة حرب ممتدة من هذا النمط. وثانيهما انطلاق الحرب في سياق غير مناسب للرئيس الأمريكي. فلم تشتعل فقط بينما تفصله شهور قليلة عن انتخابات الرئاسة، بل انطلقت أيضا في ظل إظهار ترامب قدرًا كبيرًا من التخبط وسوء الإدارة في مواجهة الوباء، وبالتالي أصبح في أمس الحاجة لإنجاز سياسي خارجي.

وسنجد العامل الثاني في تراجع الطلب على النفط. قدرت دراسة لمؤسسة ريستاد للطاقة، حجم انخفاض الطلب العالمي على النفط نتيجة لتداعيات كورونا بحوالي 17 مليون برميل يوميا في مارس الماضي، سيرتفع إلى 28 مليونا في أبريل. وفي الشهور التالية سيتواصل الانخفاض ولكن بنسب أقل، على النحو التالي: 20 مليونا في مايو، و15 مليونا في يونيو، و12 مليونا في يوليو، و9 ملايين في أغسطس، و7 ملايين في سبتمبر.

على أي أساس إذن أطلق المتحاربون العرض النفطي وخفضوا الأسعار؟ رهانا على استغلال المستوردين لهذا الفيضان منخفض السعر وشراء النفط وتخزينه. ولم يكن هذا الرهان خاطئا تماما. ولكن المشكلة التي ظهرت أن طاقة التخزين العالمية الراهنة ستصل بالضرورة في وقت ما إلى نهايتها. قدرت دراسة لشركة «آي إتش إس ماركت للأبحاث» طاقة التخزين العالمية بحوالي 1.2 بليون برميل في أوائل الربع الأول من العام، سيكتمل شغلها خلال الأشهر من أبريل إلى يونيو، الأمر الذي سيقود إلى توقف تام لإنتاج النفط للعجز عن تصديره وتخزينه.

وهل كان الفريق الذي أطلق الحرب لا يدرك ذلك؟

قطعا كان يدرك. والأرجح أنه راهن علي أنها حرب سيخسر الجميع فيها، لكن تبعًا لضخامة خسائرها لن يتمكن أحد من مواصلتها طويلا وستكون قصيرة المدى، وعندما تأتي لحظة الهدنة والمفاوضات الحتمية سيجد الطرف الأقل قدرة على مواصلة تحمل الخسائر نفسه مجبرا على تقديم تنازلات، وبالتالي يتم الوصول لاتفاق جيد يخفض الإنتاج ويطلق الأسعار عاليا ويعوض الخسائر.

إلى ماذا انتهى الرهان المفترض؟

لو جعلنا من المواقف المعلنة في 7 مارس مرجعية قياسنا ستكون روسيا هي الطرف المستسلم. ولكن لو جعلنا المرجعية مجمل السياق والنتائج يمكننا القول إن الطرفين استسلما معًا. لماذا؟

ربما تحت وطأة تجاوز الخسائر للتوقعات، وربما تحت وطأة الخوف من امتداد الحرب زمنيا بما لا يطيقه أحد، وربما تحت وطأة معارضة حادة ومكتومة داخل أوبك باتت تهدد بانهيارها وتصدعات أوسع في تحالفها، وربما تحت وطأة ضعف الإجماع السياسي داخل النخب الوطنية الحاكمة داخل بعض الدول، وربما تحت وطأة الضغوط الخارجية. والأرجح تحت وطأة كل هذه العوامل بنسب تأثير متفاوتة.

نصت الاتفاقية النهائية المعلنة في 12 أبريل على تخفيض في عرض أوبك وحلفائها بمقدار 9.7 مليون برميل يوميا من بداية مايو، أي ما يساوي 10% من مستوى إنتاج أوبك حاليا. ويستمر هذا المعدل حتى 30 يونيو، ثم ينخفض إلى 8 ملايين برميل من أول يوليو إلى آخر ديسمبر 2020، يتلو ذلك مرحلة تخفيض تتواصل لنهاية أبريل 2022 بمعدل 6 ملايين برميل. ولكن تلك هي التخفيضات الرسمية المُلزمة فقط. وإلى جوارها هناك تخفيضات ودية توافقت أوبك عليها مع أعضائها والقوى النفطية العالمية.

وفقًا لرويترز صرح وزير النفط السعودي بأن حجم تخفيض أوبك الفعلي سيصل إلى 12.5 مليون برميل يوميا، نتيجة لتطبيق السعودية والإمارات والكويت لمعدل أعلى من الملزم رسميا. ووفقًا لرويترز أيضا توافقت أوبك مع الولايات المتحدة وكندا والبرازيل والنرويج على تخفيضات ودية تصل إلى 3.7 مليون برميل يوميا.

تصل الالتزامات الودية إلى 6.50 مليون برميل أي 67% من الالتزامات الرسمية، المؤكد منها التعهدات الخليجية أي 2.8 مليون برميل فقط والبقية احتمالية، وبالتالي يصبح حجم التخفيض الفعلي المؤكد لأوبك هو ما ذكره وزير النفط السعودي أي 12.5 مليون برميل. ومع ذلك يظل هذا الاتفاق مخيبًا للآمال إلى حد كبير. ويظهر هذا بوضح في تفاوت رد فعل الأسواق عن الاتفاق. عندما أعلن ترامب في 2 أبريل أن أوبك على وشك الوصول لتخفيض كبير في العرض، وبعدها مباشرة أيدت روسيا الخبر، ارتفع سعر برنت من 24.74 دولار في 1 أبريل إلى 29.94 يوم الإعلان ثم 34.11 في 3 أبريل، وظل محافظا على ارتفاعه مسجلا في 8 أبريل 32.84 دولار. وشكل هذا رد فعل السوق الإيجابي تجاه خبر مؤكد لكنه خالٍ من التحديد لمقدار التخفيض، وبالتالي مثير لموجة تفاؤل.

وفي 9 أبريل جاء الإعلان الرسمي الأول لحجم التخفيض، وهكذا تلاشت التوقعات الوردية وبدلا من أن يواصل السعر ارتفاعه انخفض في اليوم نفسه إلى 31.74 دولار مواصلا الهبوط إلى 28.02 في 15 أبريل، ويتوقع كثير من المحللين تواصل الهبوط. فما هي الأسباب؟

هناك العامل الأساسي وهو الفجوة التي ذكرناها، بين التراجع الحاد للطلب العالمي وضخامة العرض النفطي، مقرونا بتناقص طاقة التخزين واقترابها من ذروتها. ولكن هناك عوامل أخرى ذات دور مؤكد. منها:

أولا: العوامل النفسية المعترف بدورها القوى في السوق النفطي. كانت الأسواق تتوقع تخفيضات أعلى تتوافق مع ضخامة الأزمة وضراوة حرب الأسعار وخسائرها، وهذا ما يفسر ارتفاع الأسعار بعد 2 أبريل حينما كان حجم التخفيضات لا يزال مفتوحًا للتوقعات المتفائلة.

ثانيا: إن الالتزامات الودية غير مؤكدة. تخبرنا الخبرة التاريخية أن أعضاء أوبك يلتزمون بتعهداتهم ويضيفون إليها، بينما لا يفي حلفاؤها وأولهم روسيا بكامل تعهداتهم. وفي يناير 2020 حقق الأعضاء التزاماتهم بنسبة 136%، ولم تتخط التزمات الحلفاء 55%.

ثالثا: غياب درجة معقولة من التوقعات المؤكدة أو المرجحة بشأن مسار الإغلاق الاقتصادي وتداعياته، وهكذا أخذت كل المؤسسات الدولية تراجع حساباتها لحجم الخسائر ومعدلات النمو وموعد عودة الاقتصاد للعمل، والحاصل إذا كانت صورة نقطة النهاية مبهمة فالمؤكد أن الحل الأمثل يجب أن يضع في اعتباره أسوأ الاحتمالات.