١٢٣١٢٣
١٢٣١٢٣
المنوعات

تأملات في الجائحة والحجر المنزلي

20 أبريل 2020
20 أبريل 2020

ملف تأملات في العزلة المنزلية ومآلات الكون

يحيى سلام المنذري

(1)

كورونا والحجر المنزلي والصمت في الخارج مدعاة للتأمل والتفكير.

جاء الفيروس محاولا القتل وتلقين الدروس. سنتعلم ولكن لن ندعه يفترسنا. هو ليس الأول وليس الأخير. نتسلح بالتفاؤل والحب. نحارب الأخبار السيئة والمحبطة.. وجوده لن يستمر طويلا، لن يبقى طالما العلم موجود، وطالما العقول تعمل وتفكر.

العلم والصحة سيطردان كابوس كورونا.

(2)

في ظل الأزمة الحالية وانتشار الخوف من المدعو كوفيد 19 نجد الأطباء والممرضين والعلماء والباحثين يقفون في الصفوف الأولى بهدف حماية البشر من المرض والموت.

فهذا الوباء يؤكد للجميع بأن التعليم والصحة هما أهم شيء للإنسان. هما أساسيين لازدهار ونمو السياسة والاقتصاد والصناعة والأمن وغيرها من القطاعات الحيوية، لذا لا بد من التركيز أكثر على تجويدهما وتطويرهما. وهذه الحقيقة يعرفها الجميع ولكن يبدو أنها بحاجة إلى مزيد من الكشف والتقصي. وربما هي مخفية، وكأنها تشبه تلك التنبؤات التي عرفها العالم بحدوث الوباء ولم تجد أدنى إهتمام.

(3)

بعد أن لبس الجمهور الكمامات أخذ يترقب المسرحية. دخل فيروس كورونا بهيئته الشيطانية وفتح الستارة. انكشفت خشبة المسرح.

المشهد الأول: ظهرت الكرة الأرضية. ضئيلة ومتعبة وعابسة.. كانت تربت على رؤوس بعض الدول التي انكشفت حقيقتها.. وكانت تكورها وتقذف بها من النافذة، وبعد أن انتهت احتفلت. فقد استطاعت أن تتنفس هواء نقيا بابتعاد الناس وحجرهم في بيوتهم، وانعدام ملوثات المصانع ووسائل النقل. واصلت احتفالها، وربما أجلت كوارث أخرى. تقدمت من الجمهور وصرخت: " كنت أظن بأن الإنسان قوي وقادر على حماية نفسه وحمايتي.. أنا بيته". بعد أن انتهت من دورها تدحرجت إلى أن توارت خلف الكواليس.

المشهد الثاني: دخلت مجموعة من الحيوانات. وجدت طريقها في الشوارع الخالية لتركض وربما تعلن حريتها وتنشر رسائل تعبر عن مدى قساوة الإنسان. الحيوانات تركض كما لم تفعل من قبل، تحاول إيقاف الوقت، لكن الإنسان ما يزال لها بالمرصاد، فقط مسألة وقت.

المشهد الثالث: صوت من بعيد: ماذا يحدث في هذا العالم؟ هل ظل أحد يفكر بالإنسان؟ إنهم يفكرون بالمال؟ إلى متى يهيمن الشر على البشر؟ وفجأة خرج طائر من خلف الكواليس، ورفرف فوق رؤوس الجمهور، وأكمل ما قاله: هل تحولت بيوتكم إلى سجون؟ من عنده بيت يحمد الله. تتنعمون بدفء البيت.. هناك الكثير من المشردين بلا مأوى، وهم ضحايا الشر. ضحايا الوحوش الذين يمزقون الخير والإنسانية. رجع الطائر وحط على الخشبة. وقف مواجها الجمهور وأكمل: رجال ونساء وأطفال شردتهم الأطماع البشرية والمادية والحروب والفتن، وأصبحوا بلا جدران تأويهم، يتجرعون الغربة والجوع في أصقاع العالم، فهل يأبهون بهذا الفيروس الخبيث؟ أم صاروا محصنين ضد الكوارث؟ ليت الإنسان تشبث بإنسانيته. لكن مع الأسف تلطخ بالشر.

خرج الطائر من النافذة وهو يردد: تلطخ بالشر.. تلطخ بالشر.

انتهى المشهد وظلت الستارة مفتوحة. وكورونا جلس على كرسي يراقب مغادرة الجمهور.

(4)

الآن البيت هو عالمنا. محتوياته صارت أكثر حميمية، نعم نعترف بأنه تحول إلى سجن، ولكنه ضروري، ونوقن بأنه سجن مؤقت، صنع لحمايتنا، جدرانه هي الأمان، وصبرنا عليه هو الملجأ، فكان لا بد لنا من التشبث بالأشياء داخل هذه الجدران، تلك التي تجلب السعادة والفائدة: عمل، قراءة، كتابة، رياضة، تعلم عن بعد، حلم، تفكر، تأمل، أفلام ومسلسلات، طبخ، تبادل الأحاديث، ألعاب، تطبيقات التواصل الإجتماعي وغيرها.

وصار الإنترنت هو البطل الأساس لهذا العالم الصغير، فلولاه لانطفأت نسبة كبيرة من السعادة.

(5)

تفشى الفيروس. أغلقت حدود الدول. اشتعل الشوق إلى الوطن والأهل والأصدقاء، فرغم التواصل الاجتماعي عبر الانترنت، إلا أنه لا يغني أبدا عن التجمعات العائلية، ودفء الوالدين، والضحك وتبادل الأحاديث مع الأخوة والأخوات والأقرباء والأصدقاء، ومن يشعر بذلك أكثر هم من ساقتهم الظروف للغربة والابتعاد عن الوطن لأسباب مختلفة كالعلم والعمل والعلاج.

(6)

"الموت لا يوجع الموتى، الموت يوجع الأحياء." محمود درويش.

نرسل تعازينا عبر تطبيق الواتس أب، إنحلت مجالس العزاء. هكذا بين ليلة وضحاها تغير الوضع، إنه زمن كورونا. توالت الوفيات. الأخبار توجع. الآن القرب والبعد الجغرافي كلاهما سيان، يزيدان الوجع.

وداعا لمن رحلوا. تعازينا ومواساتنا لأحبابهم.

وداعا الكاتب والشاعر مبارك العامري، الصديق الوفي والمخلص لأصدقائه وللكتابة والكتاب، لن أنسى صداقتنا وأيامنا الجميلة.

وداعا للعزيز سعود الدرمكي، الفنان المبتسم الذي ترك أثرا لا ينسى في الدراما العمانية، وترك أثر طيبته وإنسانيته على أحبابه.

الرحمة لجميع من رحلوا في شتى بقاع العالم، والبقاء والدوام لله.

16 أبريل 2020