أفكار وآراء

التسلح «العسكري».. و«الطبي» ضرورة في مواجهة المخاطر

19 أبريل 2020
19 أبريل 2020

فتحي مصطفى -

لم يعد شبح الحرب العالمية الثالثة الذي لاح في الأفق خلال الشهور الماضية أمرا مقلقا اليوم، حتى ولو بصورة مؤقتة، نتيجة خوض دول العالم حربا أخرى شرسة مع عدو غير نظامي، لا يراه أحد إلا تحت المجهر داخل المعامل المتخصصة، فهو في واقع الحال.. فيروس، وإذا قارنا وقع كلمة «حرب» و«فيروس» على المسامع، فسنجد أن الأولى تعني دمارا وخرابا وضحايا وأمواتا، أما الثانية فهي مجرد «فيروس» قد يصاب به البعض، وقد ينجو آخرون.

إلا أن ما جرى بعد انتشار فيروس «كورونا» غيّر هذه النظرية، ووضع كلمة «فيروس» في مكانة لا تقل عن كلمة «حرب».

فضحايا الأولى بالمئات وربما الآلاف، والثانية أيضا كذلك، ولكل منهما تدابير واحتياطات، ففي الحرب يلجأ الناس إلى تأمين أموالهم بشراء عقارات ـ على سبيل المثال ـ واستثمارها فيها خشية حدوث انهيارات اقتصادية يتوقعها الخبراء وقتها، وآخرون يفكرون في الهجرة إلى دول بعيدة عن الصراعات، وغيرها من وسائل تأمين الذات، ومع فيروس «كورونا»، سعى الجميع إلى تأمين أنفسهم عبر شراء وتخزين السلع والمؤن خوفا من تكرار الخروج والإصابة بالعدوى وربما الموت، وهو ما يخالف مبدأ مراعاة الآخرين، فيسهم في رفع الأسعار على الفقراء نتيجة الطلب المتزايد.

إذن فللحربين خسائر وضحايا وتداعيات خطيرة، يجب على الجميع الانتباه إليها والعمل على إيجاد وسائل لمكافحتها، وليس فقط الاهتمام بسباقات التسلح العسكري، فالاستفادة من هذه التجربة تجنب الجميع مخاطر ما قد يستجد من فيروسات، فـ«كورونا» لم يكن الأول، ولن يكون الأخير.

ولقد أثبتت التجربة أن التسلح «الطبي» أمر لا يقل أهمية عن الطائرات والبوارج والدبابات، أو حتى حروب الكواكب، فهذه أمريكا أكبر دول العالم في عقد صفقات الأسلحة وبيعها للدول الأخرى، تستنجد بالعالم لإرسال معونات طبية عاجلة لمواجهة تداعيات فيروس «كورونا» الذي أصاب أكثر من مليون شخص، وبلغت وفياته عشرات الآلاف.

فالقيمة الحقيقية هي العلم النافع للبشرية ويجب تقدير العلماء ووضعهم في مكانة أفضل، وتوجيه الدعم الكامل لهم، وتوسيع دوائر البحث العلمي في جميع المجالات لاسيما «الطب»، والاستماع إلى معاناتهم وتذليلها، وتقديمهم على المجالات الأخرى مثل الفن والرياضة وغيرها.

فالتجربة أثبتت أن قيمة العالم الواحد تساوي مئات من البشر، لأن ما قد يتوصل إليه من اكتشافات يمثل سبل نجاة لآلاف وربما ملايين منهم، فهم حقاً يستحقون اللقب الذي أطلق عليهم وهو «الجيش الأبيض».

ولا أقصد بهذا الكلام التقليل من شأن الفنانين أو الرياضيين أو غيرهم، فلكل منهم أهميته تجاه المجتمع، ولكني أتحدث انطلاقا من مبدأ «الأهم ثم المهم»، لأنه في محنة كالتي نمر بها الآن لم يستطع نجوم الفن أو الرياضة تقديم شيء للناس إلا توجيه نصائح لهم بالبقاء في المنازل وضرورة اتباع التعليمات.

وأجد أنه من الضروري العمل على نشر التوعية الصحية بين المجتمعات بصورة أوسع، إذ رغم ما تطلقه وزارات الصحة في مختلف البلدان، من نصائح وتوصيات لتجنيب الشعوب خطر الإصابة بالفيروس، فضلا عن بيانات منظمة الصحة العالمية، واضطرار بعض الدول إلى فرض قيود وإجراءات تحد من التحرك والنزول من المنازل، نجد أن هناك إصرارا من البعض على كسر هذه التعليمات والتوجيهات، مع الترويج بأنه أمر قدري، فضلا عن إطلاق شائعات كثيرة أبرزها أن ما يحدث مجرد كذبة !!

حتى لو كانت نسب هؤلاء قليلة، إلا أنهم يشكلون خطراً حقيقياً وداهما على المخالطين لهم، فعند إصابتهم سيكونون بؤرة لنشر المرض بعشوائيتهم.

فضلا عن الأخطاء الكثيرة في تطبيق النصائح والتعليمات من قبل البعض ممن يبحثون عن السلامة والنجاة، لاسيما البسطاء، فنجد من يرتدي الكمامة بغية الحماية، إلا أنه يضع نفسه في مواجهة العدوى، بخلعها وارتداؤها لمرات متعددة طوال اليوم، والإمساك بها من أي مكان ووضعها في جيبه ومن ثم ارتداؤها مرة أخرى، بالإضافة إلى عادة البصق على الأرض، ودخول المنزل والتجول فيه بالأحذية والنعال، ما يخالف إجراءات الحماية، لأن الفيروس يبقى على الأرض لفترة طويلة.

وأجد أيضا من يبيع المواد الغذائية مرتديا القفازات ويحصل النقود في نفس الوقت، وبذلك تكون العدوى مؤكدة في حال توافرها نظرا لانتقالها عبر النقود، وتصرفات أخرى كثيرة يستهين بها البعض وربما لا ينتبهون إليها، إلا أنها تضيع جهود الحكومات في مواجهة مثل هذه الأوبئة.

ومن هنا تبرز الحاجة الملحة إلى اللجوء لتطبيق نظام المسؤولية المطلقة أو نظرية توخي المخاطر، وإشعار الناس بالمسؤولية الوقائية تجاه أنفسهم وتجاه الآخرين، حتى يتحقق مبدأ مهم نعرفه ونردده كثيرا، ولكن قليل من يعمل به وهو (الوقاية خير من العلاج).