Ahmed
Ahmed
أعمدة

نوافذ : 30 عاما في الوظيفة

17 أبريل 2020
17 أبريل 2020

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

جل أفراد المجتمع مشغولون اليوم، أكثر من أي وقت مضى، بقصة «الإحالة إلى التقاعد لكل من أمضى أكثر من (30) عاما في الوظيفة» - وفق التوجيه- لأن هناك الكثيرين ممن ترتعد فرائصهم من هذا المصير المحتوم، مع أن المسألة لا تحتاج إلى كل هذا التهويل، وهذا الخوف، فـ (30) عاما كافية لتحقيق الأحلام والطموحات، سواء المادية أو المهنية، ومعنى ذلك أن من لم يستطع أن يحقق الكثير مما يحلم به خلال السنوات الـ (30) في حياته الوظيفية، لا يتوقع أن ينجز أكثر بعد هذا العمر، سواء العمر البيولوجي، أو العمر الوظيفي، فالمسألة مرتبطة بالعمر «السن» والصحة، والقدرات الذهنية المختلفة، وهذه كلها خاضعة لمقياس مهم وهو النسبة والتناسب، فكلما راكمت من السنين في عمرك الجميل، وفق قدر الله عليك، تضاءل في المقابل مستويات الصحة، والقدرات الذهنية، ومخطئ من يظن أنه كلما تقدم في السن، زادت عنده هذه المحفزات الذهنية للبقاء في الحياة بالصورة التي يريدها، ويمكن أن تحفزه بأن يأتي «بما لم تأت به الأوائل» فالتوقعات غير ذلك تماما، وقد نص القرآن الكريم على المراحل الثلاث لحياة الناس، التي يبدأها بالضعف، ثم القوة، ثم يعود إلى حالة الضعف - تسلسل هرمي رائع - استعداد لمغادرة الحياة.

نعم؛ تتكون عند الإنسان مجموعة من الخبرات الحياتية للسنوات التي مضت من عمره، وهذه الخبرات ليس معناها أن تكون جسر عبور لما هو قادم، لأن القادم يأتي بأدوات جديدة، ورؤى مختلفة، وأفكار إبداعية خلاقة، لا يمكن لمن قطع من العمر عتيا أن يستوعبها أو يضيف عليها، وإنما تبقى مسؤولية ذلك على الجيل الذي ولدت في عصره، ومن يعتقد بخلاف ذلك، فذلك نوعا من الخرافة المبتذلة؛ حتى؛ وإلا لتموضعت الحياة في سلمها الأول منذ بدء الخليقة، ولم نكن لنشهد هذه التحولات النوعية الضخمة في كافة شؤون الحياة على امتداد سني العمر الذي يعيشه كل فرد فينا، وبالتالي فالبناء على ما هو قائم يحتاج إلى رؤى وقوى فاعلة لأفراد هم أبناء الجيل المتحقق حاليا، والآتي مستقبلا، وبالتالي فمن تجاوز مرحلة العطاء؛ وهي مرحلة موقوته في السن لما دون الخمسين؛ فعليه أن يكون أكثر سرورا في تلقي مثل هذا الخبر «الأمر» لكي يلتفت إلى ترميم ما تبقى من حياته الحقيقية، بعيدا عن الأضواء، والتصادم، والتقاطع مع الآخرين، خاصة إذا كان هؤلاء الآخرون من هم الأصغر سنا، لأنه سيكون في حالة نشاز دائما.

في عهد مضى كان آباؤنا؛ ومن قبلهم؛ رحمهم الله، يغرسون فسائل صغيرة بجانب كل نخلة كبيرة، ومتى بدأت هذه الفسيلة «جديدة العهد بالحياة» فإذا هم يقتلعون هذه النخلة الكبيرة من جذورها، ولا يبقون لها أثرا، وإن تركوها ستقتلعها الرياح، لقناعتهم أنها لم تعد تعطي ذلك الثمر، كما هو الحال المتوقع من الفسيلة الصغيرة القادمة بكل عنفوانها، ونشاطها، وشبوبيتها، وتعلقها بالحياة، يمارسون ذلك دون أن تكون حاضرة في أذهانهم ثقافة السن التقاعدية، لقناعتهم أن لكل شيء عمرا محددا للعطاء، وكانت هذه الممارسة ليست مقتصرة على الأشجار، سواء النخيل أو غيرها من الأشجار المعمرة، ولكن حتى في التعامل مع الحيوانات، وهذا السلوك الفطري «الطبيعي» يعبر بامتياز عن معنى التحولات التي تعيشها الكائنات الحياة في الحياة، ومنها الإنسان؛ بلا منازع.

فيا أيها المقبلون على التقاعد، لا تحزنوا كثيرا، فبريق الوظيفة «سحابة صيف» لا تكاد تمطر قطرات من الماء، فإذا بحرارة الشمس تجعلها يبابا، وعيشوا حياتكم ببساطة المنشأ، فذلك ما تبقى لكم من سعادة (ولا تقنطوا من رحمة الله).