US-HEALTH-VIRUS-POLITICS-POST
US-HEALTH-VIRUS-POLITICS-POST
أفكار وآراء

هل تشفى الولايات المتحدة من صدمة فيروس كورونا؟

17 أبريل 2020
17 أبريل 2020

إميل امين

يبدو زمان الصدمة مخيم على الولايات المتحدة الأمريكية في الآونة الأخيرة، من جراء ما فعله فيروس كورونا على أراضيها، ولا يزال يفعل، وعلامة الاستفهام: كيف آلت الأخوال إلى هذا النحو غير المصدق؟

فيما التساؤل الجوهري الذي يطرحه البعض: هل يمكن أن يكون كورونا أداة من بين أدوات مختلفة تعجل من نهاية القوة الامبراطورية الأمريكية، بوصفها قوة منفردة حتى الساعة، أو في اضعف الأخوال، صعود قوى دولية أخرى لتشاركها قطبية العالم، سواء كانت تلك القوة الصين أو روسيا كل منهما منفردا، أو من خلال نوع من أنواع الاتحاد المقصود أو غير المقصود.

أسئلة كثيرة تتقاطع مع تفكير الباحث في الشأن الأمريكي، فما فعله كورونا في الأمريكيين، ربما فاق اثره المباشر سواء من حيث تعريض القوة الأمريكية لاهتزاز بالغ أو لعدد الضحايا، ما حدث في بيرل هاربور خلال الحرب العالمية الثانية من جهة، أو أحداث الحادي عشر من سبتمبر من جهة ثانية.

لا يمكن لاحد أن يدعي أن الولايات المتحدة الأمريكية، نمر من ورق، ذلك لان لديها من القواعد العلمية والاقتصادية، الطبية والتعليمية، العسكرية والاستخباراتية، ما يدفع عنها مثل هذا الاتهام، ومع ذلك يبقى السؤال: كيف وقعت فريسة وبهذه السرعة الشديدة لفيروس كورونا؟

الجواب في واقع الأمر يأخذنا جهة اكثر من سياق، الأول هو الخاص بقدراتها الاستشرافية علميا، وتنبؤاتها الاستخبارية، وهنا يضحى من الطبيعي مساءلة قدرات الولايات المتحدة الأمريكية، وهل اخفق مجمع استخباراتها، والذي يعد نحو ستة عشر جهازا معلنا عنها، غير ما هو خفي، في توقع تسرب فيروس إلى الداخل الأمريكي، لا سيما إذا كان منشأه الصين؟

أمر آخر يضع مسألة الصعود الأمريكي المنفرد حول العالم موضع الشك، ذاك المتعلق بالأوضاع الطبية الأمريكية في الداخل، فهل قصرت الامبراطورية الأمريكية المنفلتة على حد تعبير المؤرخ الأمريكي الكبير بول كيندي على القيام بواجباتها الطبية تجاه شعبها في الأزمة الأخيرة، وأين هي إذن مقدراتها العلمية البحثية، وأدواتها الاستنقاذية إن جاز التعبير العاملة من اجل الحفاظ على حياة الأمريكيين؟

الجزئية الثالثة التي لابد لها وان تتقاطع مع أزمة كورونا العالمية، هي الاقتصاد، والمعلوم للجميع أن الرئيس ترامب قد نجح في الأعوام الثلاثة الماضية في دفع عجلة الاقتصاد الأمريكي إلى الأمام، غير أن تبعات كورونا حكما سوف تؤثر سلبا على مقدرات واشنطن في البقاء على قمة الهرم الاقتصادي العالمي، بل إن اقتصاديين كبار يتساءلون الآن وفي وسط معمعة الأحداث المتضاربة: من أين للرئيس ترامب مثل هذه التريليونات من الدولارات، والتي يتم استخدامها في الداخل الأمريكي من اجل محاول استنهاض القوى الداخلية، وحتى لا يدخل الاقتصاد الأمريكي في دوامة ركود، تعادل تلك التي غرقت فيها البلاد خلال أزمة الاقتصاد العالمي في أوائل ثلاثينات القرن الماضي؟

هنا فان الخبراء يحذرون من انه إذا كان الرئيس ترامب يعمد إلى طباعة دولارات ورقية من غير رصيد حقيقي ليس من الذهب فقط، بل أيضا من السلع والمنتجات، فان التضخم سوف يهوي بالاقتصاد الأمريكي، ومن أسف بالاقتصاد العالمي تاليا، الأمر الذي لا يتمناه احد داخل أمريكا أو خارجها، فقد اصبح العالم قرية صغيرة، وما يحدث في أدناه يؤثر بالقطع على أقصاه، وواشنطن تبقى حتى الساعة الشريك الأكبر في الاقتصاد العالمي.

قبل عالم كورونا، كان هناك من يرفض فكرة تدهور أمريكا اقتصاديا، ويعتبر الأمر أسطورة، من نوعية الاقتصادي الأمريكي "دانيال جروس"، ويقدم بديلا عن التنبؤات المتشائمة التي تشير إلى مستقبل أقوى وافضل وعلى خلاف "جروس" ورؤيته المتفائلة قدم الخبير البريطاني في الشؤون الأمريكية "ادوارد لوس"، صورة غاية في الإزعاج عن حالة المجتمع الأمريكي، والفشل الكامل للنخبة الأمريكية في أن يدركوا المشكلات الحقيقية التي تواجه أمريكا.

ما الذي تواجهه أمريكا اليوم وهل الأمر مجرد اضطراب اقتصادي اعتيادي يمكن تجاوزه في بضع سنين ومن خلال إجراءات اقتصادية لن تعجز عنها العقول الأمريكية؟

الشاهد أن كورونا قد كشف الجزء غير المضيء من الحلم الأمريكي، فلطالما اعتبر الكثيرون حول العالم، الحلم الأمريكي، هو تمام التجلي أو النبوءة إن جاز استعارة مفردات اليمين الأمريكي بنوع خاص، ذاك الذي حاجج طويلا بان "أمريكا تشبه مدينة فوق جبل"، تنير للعالم بنظامها الديمقراطي والحقوقي، ووصل الأمر بالمفكر الأمريكي الجنسية الياباني الأصل فرانسيس فوكاياما، إلى حد اعتبار النموذج الأمريكي، لا سيما في جانبه الديمقراطي والليبرالي، نهاية التاريخ، ومشتهى الأجيال، واكتمال الشوق الإنساني، والرغبة في الترقي، وهذه في حقيقتها مفاهيم شمولية بعيدة كل البعد عن السياقات الديمقراطية، واقرب ما تكون على سبيل المثال من مفهوم الرايخ الثالث عند اودلف هتلر.

يتطلع العالم الآن إلى الولايات المتحدة الأمريكية والى النظام الرأسمالي، ذاك الذي تلقى ضربة ساحقة قوية لنظامه الطبي، إلى الدرجة التي لم يستطع معها أن يجاري دول متواضعة الإمكانات مثل كوبا، التي شاركت في إنقاذ حياة الإيطاليين بصورة خاصة.

هنا يضحى السؤال أين الخطأ في النموذج الأمريكي، وهل أضحت النيوليبرالية الاقتصادية بنوع خاص ارث من الماضي؟

المتابعين لشأن الانتخابات الرئاسية الأمريكية بنوع خاص، يدركون أن هناك تيار مثير كان يتصاعد بقوة في الداخل الأمريكي، ونعني به الاشتراكية الديمقراطية، وقد كان السيناتور الأمريكي بيرني ساندرز أيقونتها، ولا يزال، حتى بعد انسحابه من سباق الانتخابات الرئاسية الأمريكية.

ما الذي سيفعله فيروس كورونا في الداخل الأمريكي بعد أن تضع الأزمة أوزارها؟

ينفتح المستقبل الأمريكي على العديد من السيناريوهات، السياسية بداية، والتوقف سيكون مع الرئيس ترامب بنوع خاص، ومن ثم الحكم على مقدرته في قيادة الولايات المتحدة الأمريكية في هذا الظرف العصيب، وهل سيقدر لكاتب سير الزعماء الأمريكيين، البريطاني الشهير "نايجل هاميلتون"، أن يصفه بانه الرئيس الذي بلغ مستوى كبيرا من العظمة لاحقا، أم الرئيس الذي اخفق في قيادة شعبه إلى بر الأمان، وهو الأمر الذي يمكن أن يكلفه ولايته الرئاسية الثانية.

السيناريوهات متعددة ومنها الوضع العسكري الأمريكي، وهناك حديث كبير متصل حول القوات المسلحة الأمريكية، والمساحة الكبيرة التي اكتسبتها في الفضاء العام الأمريكي على حساب الحياة المدنية السياسية والحزبية.

أما الاقتصاد فهو اهم ما يهم المواطن الأمريكي، وعليه فان أمريكا سوف يكتب كورونا خطوط طولها وعرضها في قابل الأيام، والليالي حبلى بالمفاجآت.