Screen Shot 2020-04-14 at 1.14.24 PM
Screen Shot 2020-04-14 at 1.14.24 PM
أعمدة

نوافذ: الفرد والمجتمع .. علاقة عضوية

14 أبريل 2020
14 أبريل 2020

أحمد بن سالم الفلاحي

[email protected]

من يعيش هذا التكاتف المجتمعي اليوم في شأن مواجهة هذا الوباء الكوني الذي يشل حركة الحياة على امتداد الكرة الأرضية – ولنضرب ببلدنا الحبيب عمان؛ مثالا – ربما قد يأخذه الحماس على أن هذا الإلتفاف سابقة في حد ذاتها تلعب فيها العاطفة دورا مهما في تفعيلها على أرض الواقع، وقد يقيمها البعض على أنها حالات نادرة في زمن لعبت فيه المادة "المصلحة" دورا أكبر لتنازع الاختصاصات، وكثرة المسؤوليات، وتعدد الاتجاهات، واختلاف الثقافات، والصورة بهذا التعميم مقبولة بتفاصيلها الكثيرة، وبعمومياتها المختلفة، وفي ظل هذه النزعة الإنسانية المتسيّدة على المشهد الإجتماعي بوجود حدث الـ "جائحة" (كرونا – كوفيد19) لن تختلف هذه التقييمات في كل بقعة جغرافية، ولذلك نرى نفس هذا التعاضد والتكاتف في كل بقاع العالم، فالإنسانية تشترك كثيرا في مناخاتها الذاهبة نحو احتواء الآخر، وعدم تركه يئن لوحده، منتظرا مصيره الختامي، ويكون الإستثناء عن هذه القاعدة في الفهم السياسي فقط.

الحديث يذهب هنا إلى كلية المشهد، وليس تجزئته، فالفرد هو واحد من المجتمع، والمجتمع هو مجموع هؤلاء الأفراد، إذن والصورة بهذا الواقع، فالكل متداخل في الآخر، ولذلك عندما تحل جائحة كونية بهذا المستوى، تصبح المسألة ذاتية التعاضد، حتى دون تحفييز، فالكل يرى نفسه أنه معني بالآخر، قرب هذا الآخر منه؛ نسبا، صداقة، جنسية؛ أو لم يقترب يظل هو قريب، بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى القرابة، حيث تتوارى كل معاني الإقصاء، أو التحرر من الإلتزام الجمعي، أو حتى الدولي، أو حسب المعنى الظاهري للمثل المحلي: "إذا سلمت ناقتي، ما علي من رفاقتي" فلا قرصنة، ولا استغلال مواقف، وبالتالي من يخرج عن هذه الصورة التكاملية؛ بدءا من الفرد، وانتهاء بالمجتمع؛ فإنه بذلك يقيّم، وبلا تردد يحتاج لأن يزور أقرب مصحة نفسية.

لا نضع هذا التقييم جزافا، أو مغالبة لحقيقة واقعة، بل نستل ذلك كله من ثقافة المجتمع الذي نعيشه، كما هو حال المجتعات الإنسانية كلها، عندما تتكامل فيها القوى الفاعلة بين الفرد والمجتمع، والفرد هنا يتغذى بما يفضيه إليه المجتمع كل سنوات العمر، حيث البداية من الحاضنة الأولى، وهي الأسرة، مرورا بالمدرسة؛ بمناهجها التقويمية والتربوية، بالإضافة إلى محاضن داعمة أخرى للسلوك الإيجابي للمجتمع، المسجد، ومؤسسات المتجتمع المدني، وقادة الرأي في المجتمع، وصولا إلى المجتمع، وهو الحاضنة الكبرى للوعي والممارسة لجميع السلوكيات الإيجابية منها والسلبية، وطبعا في خضم المجتمع يتم إنتقاء السلوك الإيجابي والبناء عليه، بصورة مباشرة؛ وغير مباشرة، وبالتالي فمتى عايش الفرد هذا السلوك الإيجابي منذ نعومة أظفاره إلى أن تصبح له القدرة على توظيف على الواقع، استطاع أن يفضي بممارسات كثيرة في ذات السياق، وأصبح فردا صالحا، وجل ما يبديه من سلوك بين أحضان المجتمع، لن يخرج عن هذا الصلاح في جوانبه المختلفة.

ربما قد يحدث نشازا ما، لهذه القاعدة الاجتماعية، وقد يكون مرد هذا النشاز هو ضخامة المجتمع وتعقد أدواته، ويمكن قياس هذه الصورة على مجتعي القرية والمدينة، فمجتمع المدينة؛ على سبيل المثال؛ واقع تحت اتهام، ربما يؤول إلى صورة نمطية، لا أكثر، من حيث تباعد أفراد مجتمعه، بخلاف مجتمع القرية الذي لا يزال يحظى بالثناء، وهذه ليست قاعدة كذلك، لتقارب نسق الممارسات القائمة بين الأفراد في مجتمع المدينة، ومجتمع القرية، وما تظهره صور التعاضد المجتمعي في المدينة يدحض كل القناعات في اتهام مجتمع المدينة على أنه مجتمع غير مترابط، ووفق هذه الصورة الإيجابية يبقى الفرد جزء لا يتجزأ من المجتمع الكبير، وهذه مساحة إنسانية رائعة تحظى بالتأييد والمباركة.