salim
salim
أعمدة

نوافذ : الجانب المشرق

13 أبريل 2020
13 أبريل 2020

سالم بن حمد الجهوري  -

[email protected] -

أعادنا كورونا إلى البيت ككل العالم الذي وجد نفسه فجأة لا يستطيع الذهاب كل صباح إلى العمل ، ولا إنجاز أعماله ومصالحه ، ولا يستطيع الالتقاء بأصدقائه والخروج في رحلات معهم نهاية الأسبوع ولا طلعات البحر ولا الذهاب إلى البلد ولا السفر إلى الخارج ولا العودة إلى الدولة ، وجعلك تصاب بالخوف وانت تستلم نقودك من آلة الصرافة ولا تطالب بالباقي من المبالغ التي دفعتها للمحاسب في المركز التجاري وصاحب محطة الوقود وأمثالهم، ولا القدرة على الذهاب إلى الحلاق الذي لم يعجبك طيلة السنوات الماضية وتتمنى أقلهم كفاءة اليوم ولا صاحب الورشة لإصلاح مركبتك أو تغيير إطارها.

أعادنا إلى البيت ولم يترك لنا الفرصة في التنقل من محافظة إلى أخرى ، وأغلق أعمالنا ومنع علينا حتى أن نمارس رياضة الجري في الحي ولا الذهاب إلى المسجد ولا القدرة على الذهاب إلى العمرة أو التطلع إلى الحج، وأفرغ الكعبة من معتمريها، وقد لا نستطيع الصوم في بداية رمضان إذا لم تتحسن الأمور الصحية ، قبل أن يتسطح المنحنى ، ولا نذهب إلى جيراننا ولا إلى جلساتنا مع الأصدقاء ، وأفرغ الطرقات من مستخدميها وألغى تجمعات الأفراح والأتراح وأقفل الأندية والملاهي والتسالي .

كان عادلا كورنا فساوى بين الجميع على هذا الكوكب ،لا سفر للجميع الفقير والغني ، ولا تواصل للجميع ولا ذهاب إلى العمل للجميع ، ولا تعليم في المدارس والجامعات للجميع ، وأقفل الأعمال التجارية للجميع ، وأصاب بالهلع الجميع ، وضرب ضربته في أقوى الدول التي تخطت وفياتهم وإصاباتهم عشرات آلاف ، وكذا الدول الأقل إمكانيات منهم وترك الجميع في حيرة مطاردته كشبح قد يظهر في أي مكان.

فيروس صغير لا يرى بالعين أرعب العالم وكل من على هذا الكوكب وتحد الجميع في إعادتهم إلى بيوتهم وقد يدفعهم إلى الكهوف اذا ما اشتدت الأزمة ، وقد يخفي أجيالا من البشر ويعيق الحياة لشهور أو سنين، لا أحد يعلم بمدة بقائه إلا الله .

أعادتنا إلى بيوتنا لنكتشف بعضنا البعض في العائلة إلى آبائنا وأمهاتنا وأخواتنا وإخواننا ، وأتاح لنا الفرصة لنتعرف إلى احتياجاتنا ومدى حاجة أبنائنا لنا ، وإلى مراجعة سلوكياتنا مع أنفسنا والآخرين وإلى التخلي عن العادات والأنماط الاستهلاكية التي طغت علينا في السنوات الأخيرة التي اعتبرناها مباهاة أمام الآخرين ومن مستلزمات العادات والتقاليد في المجتمع ، أعادنا إلى ذواتنا وأنفسنا وجعلنا نعيد النظر من زاوية أخرى لهذه الحياة التي أخذتنا كطاحونة لا تتوقف ، من فلذات أكبادنا وأحبابنا ، وساهمت بتعميق الغربة بيننا طيلة السنوات الماضية ، أعادتنا لكي نعرف أن هناك أشياء أولى وأهم من التي نراها ضرورة في اليوم ونعتبرها أولويات وهي خلاف ذلك.

أعادنا كرونا إلى قياس الأشياء بحجمها الطبيعي ، وإلى أنها لا تستحق أكثر من ذلك ، وأننا لم نكن نرى كل شيء من حولنا ،أعادنا إلى مرحلة تقييم مهمة ، والى ترتيب أولوياتنا في الحياة ، والى تحديد أهدافنا بشكل أوضح فيها ، أعادنا إلى بداياتنا كدرس لن تنساه البشرية .