أفكار وآراء

أبعد من مجرد تيسير الاستيراد المباشر !!

13 أبريل 2020
13 أبريل 2020

د. عبد الحميد الموافي -

في ظل سعي السلطنة إلى تنويع مصادر الدخل القومي وتحويل السلطنة إلى مركز لوجستي إقليمي متطور، وذلك عبر الرؤية المستقبلية «عمان 2040» فانه من المهم والضروري الاستفادة من الإمكانات المتاحة للسلطنة في مجال النقل البحري وعمليات الشحن والتفريغ

في الوقت الذي تنشغل فيه الحكومة، مدعومة بالمباركة السامية، بالعمل من أجل التعامل، بأقصى قدر من الفعالية والكفاءة مع فيروس كورونا (كوفيد -19) والحد من انتشاره من ناحية، وتأمين مختلف احتياجات المجتمع العماني من مختلف الجوانب الاقتصادية واللوجستية والاحتياجات الغذائية، وذلك من خلال الإجراءات وخطوات وتعليمات اللجنة العليا المكلفة بالتعامل مع تطورات فيروس كورونا من ناحية ثانية، فان من اهم الجوانب الطيبة التي برزت بوضوح ويلمسها الجميع عمليًا هي أن المجتمع العماني أظهر، كعادته في الواقع، درجة عالية من الاستجابة والاهتمام والتفاعل، ليس فقط على مستوى الفرد المواطن والمقيم، ولكن أيضًا على مستوى مختلف الهيئات والمؤسسات والأجهزة المدنية والعسكرية والأمنية، وعلى مستوى القطاع الخاص ومؤسسات وجمعيات المجتمع المدني، حيث يظهر الجميع درجة عالية من المسؤولية والرغبة والحرص على حشد الجهود ومؤازرة جهود الدولة في التصدي لفيروس كورونا وإنجاحها، بل وتسخير طاقاتها وإمكاناتها المختلفة لخدمة استراتيجية الدولة في الاستفادة لأقصى مدى من الإمكانيات المتاحة، اقتصاديًا وتجاريًا لتحقيق الأهداف الوطنية، والاستفادة مما يمكن اتخاذه من إجراءات في هذه الفترة الصعبة لخدمة الأهداف المنشودة وفق الأولويات الوطنية العمانية، باعتبار أن الجهود متصلة ومتواصلة أيضًا في مختلف المجالات.

وفي هذا الإطار فإن عملية تعزيز حركة النقل والتجارة مع الدول الشقيقة والصديقة، خليجيًا وعربيًا وإقليميًا ودوليًا، تعد على جانب كبير من الأهمية، سواء في إطار ما تفرضه الظروف الراهنة من ضرورة تنشيط حركة الصادرات والواردات مع الدول الأخرى لتلبية أكبر قدر ممكن من الاحتياجات الوطنية، وفق الخطط والبرامج الموضوعة من جانب الحكومة، أو للتحسب لما يمكن أن تواجهه حركة النقل والتبادل التجاري والنشاط الاقتصادي الإقليمي والدولي من مشكلات ومعوقات مرئية وغير مرئية أيضًا، وعلى نحو يدفع نحو ركود اقتصادي عالمي ينعكس بالسلب على مختلف المستويات ـ وذلك كأحد النتائج المترتبة على فيروس كورونا، وقد أشارت كثير من المصادر الموثوقة إلى احتمالات ذلك.

ومع الوضع في الاعتبار أن الحكومة حرصت، خاصة من خلال اللجنة العليا للتعامل مع تطورات فيروس كورونا، وعبر التعاون مع الجهات المعنية الأخرى، على اتخاذ العديد من الإجراءات للحد من الأضرار المترتبة على الخطوات الاحترازية التي تفرضها جهود مكافحة كورونا على مستوى المجتمع، وذلك بتوفير العديد من التسهيلات الاقتصادية والمالية والتجارية والتأمينية، وفي مجالات وشروط التصدير والاستيراد، فإن غرفة تجارة وصناعة عمان أبدت في الواقع استعدادًا كبيرًا ومساندةً عمليةً من جانب القطاع الخاص العماني، الذي يظهر درجة عالية من المسؤولية حيال التطورات الحالية، ومن ثم قامت وتقوم العديد من الشركات العامة والخاصة والمشروعات بإظهار مزيد من الإيجابية، في مجالات عملها، وبما يمكن أن تسهم به في خدمة أهداف الوطن في هذه الظروف الاستثنائية، وهو أمر ليس جديدًا أبدًا بالنسبة للقطاع الخاص العماني في الواقع.

وبينما بدأت عمليًا في الأيام الأخيرة أول تطبيقات الاستيراد المباشر من جانب التجار ورجال الأعمال العمانيين، وذلك باستيراد بعض الخضروات والفواكه الإيرانية من مصادرها مباشرة، عبر ميناء بندر عباس الإيراني، إلى الموانئ العمانية، وهو ما يوفر في الوقت والتكاليف والجهود، باعتبار أن تلك المواد كان يتم استيرادها عبر طرف أو دولة ثالثة، فإن الأمر الأكثر أهمية في الواقع يتمثل في أن مجموعة «أسياد»، وهى من أهم مجموعات النشاط الاقتصادي الوطني المتعدد الجوانب والمتكامل المجالات أيضًا، بحكم تعدد وتنوع وضخامة إمكاناتها وقدراتها التي حرصت الدولة على توفيرها لها وأتاحتها أمامها، قد أعلمت بوضوح خلال الأيام الماضية، عن استعداد تام لتقديم كل التسهيلات الممكنة من جانبها لدعم حركة النقل والتجارة بين الموانئ العمانية والمواني الأخرى في العالم، والتي ترتبط معها السلطنة -الموانئ العمانية- بخطوط ملاحية منتظمة شرقًا وغربًا وعلى امتداد العالم.

على انه من الأهمية بمكان الإشارة إلى حقيقة أساسية هي انه مع أدراك أهمية وضرورة قيام مجموعة «اسياد» بدور نشط وملموس على صعيد تنشيط حركة التبادل التجاري والاستيراد من الخارج إلى السلطنة، وتذليل كافة المعوقات في هذه الظروف، وتقديم كل ما يمكنها من تسهيلات وخدمات وتيسيرات للقطاع الخاص العماني والمستوردين العمانيين، سواء لاستيراد المواد الغذائية، أو مستلزمات الإنتاج، أو أية احتياجات يحتاجها السوق والاقتصاد والمواطن العماني هذه الأيام، خاصة بعد أن سمحت وزارة التجارة والصناعة بالاستيراد المباشر من دول المنشأ للراغبين في ذلك من التجار ورجال الأعمال بشكل مباشر، فإنه من المؤكد أن أهمية ما تقدمه مجموعة «اسياد» في هذا المجال يتجاوز بكثير مسألة استيراد كميات من الخضار أو الفاكهة والمواد الغذائية، برغم أهميتها على المدى القصير، ليصل إلى أو ليصب، كما هو مأمول، في هدف أكبر وأوسع هو الإسهام في عملية تنشيط مخططة بشكل متكامل لتعزيز الدور الكبير للموانئ العمانية، ولدعم هدف تحويل السلطنة إلى مركز لوجستي إقليمي قادر وفاعل على المستويات الإقليمية والدولية، واثبات ذلك بكفاءة عالية، سواء خلال هذه الفترة أو في الفترة القادمة، وهو ما يجب العمل على تحقيقه بكل السبل الممكنة، ومن خلال الإمكانات الجيدة التي تتوفر لمجموعة «اسياد» ولغيرها من اذرع التجارة والخدمات العمانية.

ولعل مما له أهمية في هذا المجال أن مجموعة «اسياد» أعلنت عن توفير حلول عملية للاستيراد المباشر من خلال الحاويات المبردة، لاستيراد المواد الغذائية سريعة التلف، إلى جانب الاستعداد لاستيراد كل أنواع السلع عبر الموانئ العمانية، بما في ذلك توفير أساليب تعامل وعمليات تفريغ وشخن ونقل آمنة صحيا ومراعية لكل الضوابط الاحترازية للتعامل مع فيروس كورونا، ودون حدوث احتكاك مباشر مع أطقم السفن الناقلة للبضائع، يضاف إلى ذلك أن مجموعة «اسياد» وبالتعاون مع سلطات الجمارك العمانية، واستخدامًا للتسهيلات التي وفرتها الدولة مؤخرًا في مجال التخليص الإلكتروني والمسبق والتفتيش والإفراج الجمركي السريع عن الشحنات الواردة، تقوم بالعمل على التخليص الجمركي للسلع المستوردة قبل أن تصل إلى الموانئ العمانية، وذلك من خلال خدمة «بيان» الجمركية الإلكترونية المتوفرة الآن، وهو ما يختصر وقت وزمن تفريغ الشحنات إلى حد كبير. وإذا كانت نسبة التخليص الجمركي من خلال هذا الأسلوب المتطور قد وصلت إلى أكثر من 20 %، إلى جانب ارتفاع نسبة التخليص إلى نحو 90 % من الشحنات المستوردة خلال الساعة الأولى من وصولها، حسبما أشار إليه المهندس نبيل البيماني رئيس قطاع الموانئ والمناطق الحرة في مجموعة «أسياد»، فانه من الأهمية بمكان أن يتم توظيف ذلك كله ليشكل في النهاية أسلوب عمل وأداء يمتد إلى كل الأوقات وعلى مدار الساعة، وليس فقط خلال هذه الفترة، والأهم من ذلك هو التعريف بذلك على أوسع نطاق ممكن بالنسبة لشركات النقل البحري الإقليمية والعالمية ومكاتب خدمات الملاحة والجهات ذات الصلة، خاصة وان الموانئ العمانية تتمتع بسمعة طيبة ينبغي استثمارها بشكل واسع ومتواصل.

وفي ظل سعي السلطنة إلى تنويع مصادر الدخل القومي وتحويل السلطنة إلى مركز لوجستي إقليمي متطور، وذلك عبر الرؤية المستقبلية «عمان 2040» فانه من المهم والضروري الاستفادة من الإمكانات المتاحة للسلطنة في مجال النقل البحري وعمليات الشحن والتفريغ، خاصة وان الموانئ العمانية ترتبط بنحو 86 ميناء موزعة على أربعين دولة ولها خطوط ورحلات منتظمة ومجدولة ويمكن الاعتماد عليها مع العديد من الموانئ ذات الأهمية للتجارة الإقليمية والعالمية، كما أن الحكومة وفرت العديد من التسهيلات المباشرة وغير المباشرة لحركة النقل والتجارة والاستثمار، ومن ثم فان تعاون مختلف الجهات، أي الحكومة والقطاع الخاص وغرفة تجارة وصناعة عمان ومجموعة «اسياد» والشركات المعنية الأخرى يعد أمرًا حيويًا لتحقيق الهدف الوطني المتمثل في تحويل السلطنة إلى مركز لوجستي إقليمي نشط وفعال، ولعل تيسير الاستيراد المباشر يعد خطوة ولو صغيرة على هذا الطريق الذي يحتاج إلى جهود كثيرة ومتواصلة.