أفكار وآراء

كورونا.. بين الساسة والمنظمات الدولية

12 أبريل 2020
12 أبريل 2020

أحمد بن سالم الفلاحي -

في ظل هذه الظروف البالغة التعقيد، «أطلق الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش - حسب (أ ف ب) - نداءً عالميًا لحماية النساء والفتيات -في المنازل- في وقت يتفاقم العنف المنزلي والأسري خلال فترة الحجر الصحّي الناجمة عن كوفيد-19، مضيفا «إنّ العنف لا يقتصر على ساحات المعارك- مذكّرا بندائه الأخير إلى وقف لإطلاق النار في مختلف أنحاء العالم للمساعدة على الحدّ من تفشّي كوفيد-19.»

يحضرني هنا؛ في مقدمة هذه المناقشة؛ مثل عربي قديم، نصه: «المرأ في المحنة عي» والعي أو العياء معناه؛ حسب معجم اللغة هو العجز، فيقال: «عي بأمره وعن أمره: عجز عنه ولم يطق إحكامه، أو لم يهتد لوجه مراده، وعي في كلامه: أي عجز عنه فلم يستطع بيان مراده منه» - حسب المصدر - وكما هو حال الأحداث الجسام تربك مجموعة المشاعر عند كل فرد، وقد تذهب به إلى ممارسة سلوكيات لا تخطر على بال أحد، فما بالك الحال عندما يكون الحدث بهذا المستوى من القوة والتأثير على مستوى الأمة بأكملها، وكيف يكون الحال عندما يكون عدوك غير قادر على رؤيته فضلا عن مجابهته، لا شك أن في ذلك الكثير من المحنة والوعي والإنهاك، ولكن تبقى رحمة الله، ولطفه هي المنقذ.

ومما لا شك فيه أن جائحة (كورونا - كوفيد19) هي من أشد المحن التي تواجه العالم اليوم والتي لم يشهد لها مثيل في تاريخ الإنسانية، منذ القرون الأولى للحياة الإنسانية، وحتى يومنا هذا، وهي بذلك تسجل أول (ظاهرة وبائية كونية) وبلا منازع، ولذلك فلا غرابة إطلاقا أن تربك الأنظمة، والقيم الضابطة لها، وأن تجعل العالم من أقصاه إلى أقصاه في حالة ذهول مما يحدث، ولا غرابة كذلك؛ وفي ظل هذه المحنة؛ أن ترتبك منظومة العلاقات القائمة بين الدول، وأن تحيد مختلف القوى، ومجموعات التعاونيات القائمة بينها، وأن تسود كذلك؛ وحسب المثل المحلي: «إذا سلمت ناقتي ما علي من رفاقتي» فـ «الأقربون أولى بالمعروف» كما هي الخلاصة كذلك. وفي ظل هذا الارتباك يبدو من الطبيعي جدا، أن تتبادل التهم، وأن يلقي كل ذي ضغينة الضغينة على الآخر، وأن يدافع كل وحد عن نفسه، وأن يتموضع كل واحد في محيطه الجغرافي، وأن تحدث حالات من التلاسنات والانكسارات، ومن إحياء صور الخيانات، وأن تترك؛ جانبا؛ مجموعة المعاهدات والاتفاقات التي وقعت تحت ظروف من الرضا والاطمئنان، وأن تنحل بسلاسة متناهية مجموعة الاتحادات، وأن ترتفع لغة الـ «منيّة» زورا وبهتانا، في أي موقف يوجد فرصة للحديث عن ذلك، فـ «الوسوسة النفسية المتشيطنة حاضرة وإن خمدت في الظروف العادية، حيث تكون فرصة الشهرة متاحة في ظل هذه الظروف القاسية على الجميع، ولذلك فمن المتوقع - بعد انكشاف غمة هذا الوباء الكوني - أن تكون هناك مراجعات كثيرة في كل هذه التقطاعات التي تظهر بجلاء اليوم، أكثر من أي وقت مضى، تسقط على أثرها العروش الوهمية، وتتصدع من خلالها مجموعة التعاقدات الصورية، وتنحل مجموعة ممارسات الاحتيال تحت ذرائع المساعدات والهبات، والصداقات.

ولعل هذا الملمح المهم هو ما أشار إليه هنري كيسنجر - وزير الخارجية الأمريكي الأسبق - في مقال له بصحيفة وول ستريت جورنال، بقوله: إن جائحة كورونا ستغيّر النظام العالمي للأبد» كما أكد على: «أن قادة العالم يتعاطون مع الأزمة الناجمة عن الوباء على أساس وطني بحت، إلا أن تداعيات التفكك الاجتماعي المترتب على تفشي الفيروس لا تعترف بالحدود».

وأضاف: «إن الجهود المبذولة لمواجهة تفشي الوباء، رغم ضخامتها وإلحاحها، ينبغي أن لا تشغل قادة العالم عن مهمة أخرى ملحة تتمثل في إطلاق مشروع موازٍ للانتقال إلى نظام ما بعد كورونا» -انتهى النص .

ووفق هذا التقييم ستكون هناك سيناريوهات كثيرة على قادة الدول الأخذ بها في كل جوانب الحياة، على المستويين الداخلي والخارجي، حيث ستتقدم أولويات ما كان لها ذلك السهم الكبير قبل حلول الجائحة، وستتأخر أخرى ظلت ردحا من الزمن تستحوذ على أهتمامات، تبدو اليوم لا قيمة لها، وقد أشارت توقعات منظمة التجارة العالمية - على سبيل المثال - «أن أزمة كورونا ستتسبب في تراجع التجارة العالمية هذا العام بنسبة تتراوح بين 13 إلى 32%، وأضاف روبرتو ازيفيدوـ؛ رئيس المنظمة:»إذا تعاونت الدول، سنشهد تعافيا أسرع مما كانت كل دولة ستحدثه لنفسها منفردة».

وتوقعت المنظمة- حسب وكالة الأنباء الألمانية (د ب أ) المنشور في 8/‏ 4/‏ 2020م، أنه في حال السيطرة على الوباء في العام الحالي، فإن من المنتظر تحقيق نمو يزيد عن 20% في أغلب مناطق العالم، وحذرت من أنه بخلاف ذلك فإن الاضطرابات ستكون هائلة بوجه عام.

وحسب تعبير كيسنجر فهناك تحد تاريخي سوف: «يواجه قادة العالم في الوقت الراهن هو إدارة الأزمة وبناء المستقبل في آن واحد، وإن الفشل في هذا التحدي قد يؤدي إلى إشعال العالم».

وقد لفت انتباهي؛ خلال متابعتي لنشرات الأخبار التي تبثها القنوات الفضائية لفظة «اقتصاد حرب» التي جاءت على لسان (بيدرو سانشيز) رئيس وزراء إسبانيا وذلك على أثر دعوته إلى ضرورة «بناء اقتصاد حرب» حسب تعبيره، ومفهوم «اقتصاد حرب» حسب تعريف؛ ويكيبيدا الحرة هو: «اقتصاد (بالإنجليزية: war economy) مع التمييز بين الحروب التقليدية والحروب الأهلية فاقتصاد الحرب (في الحروب التقليدية) هو مجموعة من إجراءات الطوارئ التي يتم اتخاذها من قِبل الدولة الحديثة لتعبئة اقتصادها للإنتاج خلال فترة الحرب. ويصف فيليب لو بيلون اقتصاد الحرب بأنه «نظام إنتاج الموارد وتعبئتها وتخصيصها لدعم المجهود الحربي». وتتضمن بعض التدابير التي يتم اتخاذها زيادة معدلات الضرائب، وكذلك طرح برامج تخصيص الموارد» - انتهى النص -.

وإذا كان هناك من منظومة دولية توجه إليها الاتهامات، فهي منظومة الأمم المتحدة بهيئاتها الكثيرة والمتنوعة، حيث ترمى بسهام التقصير من قادة بعض الدول، واتهامها بثنائية المعايير في التعاطي مع الجائحة، على الرغم من حرص أمينها العام على تصدر الأمم المتحدة على واجهة الأحداث، وذلك من خلال النداءات المتواصلة للاهتمام بالقضايا الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية في ظل انشغال الحكومات بمجابهة الجائحة (كرونا - كوفيد19) التي تحصد الأرواح بصورة تكاد تشل حركة الكون، دون أن يكون هناك أي أمل في عقار يوقفها بصورة مطلقة، وفورية، حيث يتركز النقد الموجه إلى هذه المنظمة هو تلكؤها - حسب التقييم - عن الإعلان في وقت مبكر وتصنيف الوباء على أنه جائحة منذ أن حل ضيفا ثقيلا على مدينة «ووهان» بالصين، وقد طرحت بقوة مسألة العلاقة القائمة بين الصين والأمم المتحدة في مسألة التأخير في الإعلان عن مستوى الوباء وتصنيفه على أنه جائحة، وقد طرح التساؤل التالي: كيف نجح الصينيون في خداع العالم بقصة «فيروس كورونا»، ولماذا؟ مما حدا بـ «تيدروس أدهانوم» مدير منظمة الصحة العالمية بالدفاع عن المنظمة قائلا: «: «نحن قريبون من كل الدول، ولا نميّز بينها».

مضيفا: «المطلوب هو الوحدة على المستوى الوطني، وعدم استخدام فيروس كورونا في المواقف السياسية». داعيا إلى «التضامن الصادق على المستوى العالمي. والقيادة الصادقة من قبل الولايات المتحدة والصين». في الوقت نفسه « نقلت وكالة رويترز للأنباء عن مسؤول في الرئاسة الفرنسية القول إن الرئيس ماكرون «يؤكد ثقته في المنظمة ودعمه لها، ويرفض أن يراها أسيرة حرب بين الصين والولايات المتحدة».

وبغض النظر عن ما كتب من تعليلات للإجابة عن التساؤل المطروح، تظل الأمم المتحدة الوجهة الأولى التي تصوب إليها سهام الاتهام، مع أن قراراتها ملزمة بصورة نسبية، وحسب قناعات الدول في قبولها من عدمه، ولعلنا نلمح ذلك في أول نداء وجهه أنطونيو جوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة بوقف كل أشكال العمليات القتالية في هذا الظرف الصعب الذي تواجهه كل دول العالم، ومع ذلك ظلت القوى المستقوية تمارس استقواءها على الشعوب الضعيفة في حالة ترقى إلى وصفها بالمأساة، حيث تواجه الشعوب المغلوب على أمرها عدوين في آن واحد.

وفي ظل هذه الظروف البالغة التعقيد، «أطلق الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش - حسب (أ ف ب) - نداءً عالميًا لحماية النساء والفتيات -في المنازل- في وقت يتفاقم العنف المنزلي والأسري خلال فترة الحجر الصحّي الناجمة عن كوفيد-19، مضيفا «إنّ العنف لا يقتصر على ساحات المعارك- مذكّرا بندائه الأخير إلى وقف لإطلاق النار في مختلف أنحاء العالم للمساعدة على الحدّ من تفشّي كوفيد-19.» تطرح اليوم تساؤلات محورية في كيفية الخروج من مأزق الإجراءات المتخذة في مواجهة هذه الجائحة في ظل مراقبة دولية لنتائج الدول التي أعلنت عن استئنافها لحياتها العادية عما قريب تحاشيا لنتائج أكثر خطورة مع الوصول إلى حقيقة محزنة: «لا يمكن أن ننتظر أن ينتهي كل شيء، سيجوع الناس إذا استمر الإغلاق» كما قال ما تيو رينتسي - رئيس الوزراء الإيطالي السابق - (رويترز).