أفكار وآراء

هل الليبرالية تتناقض مع الديمقراطية والتعدد؟

11 أبريل 2020
11 أبريل 2020

عبد الله العليان -

منذ عامين وعلى هامش معرض مسقط الدولي للكتاب، أجرى الزميل الصحفي عاصم الشيدي لقاءً صحفياً ـ نشر في ذلك الوقت بجريدة عُمان ـ مع الكاتب والباحث اللبناني المعروف، فواز طرابلسي، حول قضايا فكرية وسياسية عدة في الواقع العربي، وقد احتفظت بالعدد منذ ذلك الوقت، لأهمية ما طرح من قضايا وأفكار، قد نتفق مع بعضها أو قد نختلف، وما لفت نظري، في هذا الحوار، أن الأستاذ طرابلسي، رد على سؤال الليبرالية رداً غريباً، ومما قاله رداً على سؤال الشيدي :هل تغير فكره الماركسي مثلما تغير العشرات من اليساريين؟

رد طرابلسي: «أنا تغيرت ولم أرتد؟» لكن الأغرب أن الأستاذ طرابلسي أضاف في فقرة أخرى: (أنا ديمقراطي ولست ليبرالياً، الليبرالية لا تأتي بالديمقراطية)؟!

والأشد غرابة في إجابة أخرى عن سؤال عن الليبرالية، عندما رد طرابلسي قائلاً: (إن الليبرالية قائمة على التعدد، نحن في حاجة إلى المواطنة)؟!!

والحقيقة أن هذا الرد الغريب، من باحث قدير ومتمرس في العمل السياسي والعمل التنظيمي، كما شرحها في اللقاءات الصحفية وفي مذكراته، كما عاش في الغرب لفترات طويلة في الغرب الرأسمالي الليبرالي طالباً وناشطاً سياسياً.

فالليبرالية سواء الكلاسيكية والليبرالية النيوليبرالية، لا تتعارضان مع الديمقراطية، كما مورست وطبقت في الغرب، بعد إقصاء الرأسمالية المتوحشة في الغرب، بتعديلات، وتغييرات في الدساتير والنظم القانونية، لأسباب سياسية واجتماعية واقتصادية، ليست مجال نقاشنا الآن، ومن هنا لا نتفق مع الأستاذ فواز طرابلسي أن الليبرالية لا تأتي بالديمقراطية، صحيح أن هناك آراء ورؤى عديدة، حول انبثاق الليبراليات من صلب الرأسمالية، وما هو الافتراق بينها وبين فلسفة الليبرالية؟ وهذا مسألة تحتاج إلى دراسات وأبحاث، نعم الأستاذ لا يتفق مع الليبرالية، أو الرأسمالية التي سبقتها، لاختلافه الفكري الطويل طرابلسي، كونه ماركسياً منتظماً في المنظمات اليسارية من شبابه المبكر، كما أشار هو إلى ذلك في مذكراته التي كتبها في مؤلفه المعروف: (صورة الفتى بالأحمر)، والذي عبّر فيه عن التزامه بالفكر اليساري، عندما قال في الفصل الأول من هذا الكتاب « وفي كل هذه الأحوال والتقلبات، ظل رشدي ثابتاّ في التزامه الشيوعي. وهو في ذلك نموذج لقدامى الشيوعيين الذين يصوّرهم جلال خوري في مسرحية «الرفيق سجعان». ص(20). ـ وهذا حقه لا ينازعه فيه أحد في اختياره الفكري ـ إنما الإشكالية في هذا الكاتب القدير أن يقول: (أنا ديمقراطي ولست ليبرالياً، الليبرالية لا تأتي بالديمقراطية)، أو أن (الليبرالية قائمة على التعدد، نحن في حاجة إلى المواطنة)؟!.

وهذه الأقوال نختلف معها تماماً، فأولاً الليبرالية كما عرف عنها، ترتبط ارتباطاً وثيقا بالديمقراطية، فلا يوجد تصادم بين الفكرة الليبرالية والفكرة الديمقراطية، بمعايير الرؤية الفلسفية التي أرست الفلسفية الرأسمالية، أو ما يسميها البعض بالديمقراطية الليبرالية، فلا يمكن أن تتحقق الحريات الفردية والجماعية، والتعددية السياسية، إلا في ظل الديمقراطية الليبرالية، وهذا رؤية سائدة في النظم الغربية الحالية، ومنها الدول الاشتراكية التي أنهت نظام الحزب الواحد وفق النظم الاشتراكية آنذاك، بعد سقوط المعسكر الاشتراكي، وأصبحت الآن دولا ديمقراطية، وبعض هذه الدول انضم للاتحاد الأوروبي، وبتعددية حزبية بعد انتهاء الحزب الواحد، بمقاييس الحريات العامة وتحقق المواطنة الكاملة، مثل: الحق في التصويت، وحق الانتخاب، والحق في الحياة، وحرية التملك، وحق التعبير، المساواة أمام القضاء، وغيرها من الحريات العامة، التي تعتبر حقوقاً لا نجدها في الكثير من الدول الشمولية.

ومن العدل القول، إن الذي أفاد الرأسمالية الغربية، هو وجود الديمقراطية، والتعددية السياسية، والمجتمع المدني الفاعل، مما جعلها تغّير من أفكارها، وتعدل من نظمها الفكرية والاقتصادية لصالح الأغلبية من شعوبها، وهذا ما جعلها أكثر استمرارية، من النظام الاشتراكي، الذي تجمّد على فكرة ثابتة دون تغيير أو تعديل، وكأن تلك الرؤى الفلسفية، صالحة لكل الأوقات والأزمان، وهذا ما حدا بأحد كبار المفكرين الماركسيين المصريين البارزين د. فؤاد مرسي، أن يصدر كتاباً سماه (الرأسمالية تجدد نفسها)، وكان محقاً وصادقاً في ذلك، فقد كان التصور أن تسقط الرأسمالية، وتستمر الاشتراكية، لتصل إلى المرحلة الأخيرة (الشيوعية)، لكن حدث العكس، وقد كانت الحريات العامة والمراجعات الفلسفية، هي التي جعلت الرأسمالية تستمر، لكن هذا الأمر ليس ثابتاً للرأسمالية، فالحياة متغّيرة والثبات لله وحده.

ثانياً: إن مقولة الأستاذ فواز طرابلسي، من أن «الليبرالية قائمة على التعدد، نحن في حاجة إلى المواطنة»، فهذه أغرب من الفقرة الأولى، فالتعددية قيمة اجتماعية رائعة في الفكر الإنساني كله، والكثير من الفلسفات تقبلتها وأصبحت من صلب الواقع الاجتماعي، ولا تختلف ولا تتنافر مع فلسفته ولا نظمه ودساتيره، فمثلا قيمة التعددية وجدت في كل النظم السياسية، في الدول الاشتراكية، وفي الدول الرأسمالية الغربية، وفي النظم الإسلامية وفي غيرها من النظم، حتى قبل أن تولد الفلسفات المعاصرة مع تناقضاتها الفكرية الفلسفية، وقد كان التعدد قائماً، وسيستمر، وهذه مسألة بديهية، ولا تتناقض مع المواطنة ولا تنتقص منها، فالمواطنة تنتظم مع التعددية، ولا يوجد مثال واحد ما يجعلها فكرة فلسفة أخرى منافسة للمواطنة، أعرف أن الأستاذ فواز طرابلسي، يتناقض تماماً مع الرأسمالية وربيبتها الليبرالية، مع تعديلاتها، لكنني كنت أتمنى أن يكون عادلاً وشجاعاً في القول، وفي إعطاء كل رؤية فلسفية حقها، حتى وإن اختلف معها، كما أنني لست مع الليبرالية الديمقراطية في كل رؤيتها، فعيوبها كثيرة لا شك، لكنني أرى أن أهم ما تميزت به الليبرالية، أن منحت الحرية العامة، وجعلت الناس تعبر عن نفسها، وأن تفكر وتبدع، دون حواجز، أو أسوار.