أفكار وآراء

الدور الجديد للموانئ العمانية بعد الجائحة

11 أبريل 2020
11 أبريل 2020

حيدر بن عبدالرضا اللواتي -

نتحدث دائما عن أهمية الموقع الاستراتيجي للسلطنة على البحار المفتوحة، وما يمثّله ذلك من فرصة للموانئ البحرية العمانية بأن تلعب دورا كبيرا في التجارة الخارجية للبلاد. ورغم تلك الأهمية وما تم إنجازه من مشاريع لوجستية أخرى خلال السنوات الماضية في هذا الإطار، إلا أننا لم نعرف أهمية الموانئ البحرية بصورة كبيرة إلا في الآونة الأخيرة مع إقفال الحدود البرية والأجواء بسبب تفشي جائحة كورونا.

هذا الوباء والإجراءات التي اتخذتها السلطنة يلعبان دوراً كبيراً في التسويق للموانئ البحرية العمانية خلال السنوات المقبلة بعد أن ظلت هذه المؤسسات البحرية لعقود عديدة تخدم فئة قليلة من التجار في النشاط التجاري للاستيراد والتصدير من وإلى السلطنة، حيث فضل بعض أصحاب التجارة المستترة التعامل مع الموانئ الأخرى لمصالح خاصة لا يعلمها إلا الله. وها هي اليوم تشهد حركة نشطة في عمليتي التجارة الخارجية لمختلف السلع والبضائع والمنتجات، بحيث أصبحت دول إقليمية أخرى تعتمد عليها في عملية الاستيراد والتصدير لمنتجات معينة.

وفق البيانات الأخيرة فان الموانئ العمانية ترتبط اليوم مع 86 ميناءً تجاريًا بشكل مباشر في أكثر من 40 دولة، فيما نرى أن عمليات الاستيراد والتصدير لا تقتصر فقط من وإلى الموانئ الإقليمية، بل تمتد لدول بعيدة تقع في قارات عديدة في أمريكا اللاتينية وآسيا واستراليا وغيرها، حيث هناك اليوم 200 رحلة أسبوعية مباشرة مع مختلف تلك الموانئ العالمية.

إن الظروف التي تمر بها دول العالم نتيجة لتفشي وباء كورونا مع إقفال الحدود البرية والجوية شجعت الكثير من التجار العمانيين لاستغلال الموانئ البحرية العمانية في إطار الجهود التي تبذلها الجهات المعنية لتسهيل عمليات الاستيراد لمختلف المواد الغذائية، ولتعزيز المخزون الغذائي في مثل هذه الظروف العصيبة التي ربما تستمر لأشهر عدة. واليوم نجد هناك تنسيقاً كاملاً بين الوزارات المعنية وشرطة عمان السلطانية والغرفة التجارية والصناعية والشركاء الآخرين في مجموعة أسياد، حيث يعمل الجميع على تعزيز وتشجيع الاستيراد المباشر من دول المنشأ والمصدر بعدما كانت تعتمد في استيراد أغلب السلع عبر موانئ الدول القريبة. وهذا النشاط في عملية الاستيراد والتصدير المباشر يعطي الفرصة للمؤسسات الصغيرة في السلطنة بأن توجه جهودها في تخليص المزيد من البضائع خلال الفترة المقبلة.

الأرقام الأخيرة التي نشرتها وسائل الإعلام المحلية تشير إلى أن واردات السلطنة من الحبوب عبر الموانئ العمانية بلغ حجمها أكثر من 411 ألف طن خلال الربع الأول من العام الحالي، وتم استقدامها من عدة دول منتجة لهذه السلعة وهي روسيا والأرجنتين وأستراليا والهند والبرازيل، مشكلة نحو 94% من مجموع واردات الحبوب عبر المنافذ المختلفة، وكذلك الحال مع الاستيراد المباشر للخضار والفواكه عبر ميناء صحار الذي يمثّل اليوم بوابة رئيسية للسفن التجارية التي تأتي وتغادر منه بعدما كان ميناء السلطان قابوس في مطرح هو الميناء الرئيس لتلك السفن منذ بدايات عام 1970 وحتى السنوات القليلة الماضية.

كما أن هذه الموانئ أصبحت اليوم مركزا لتصدير مختلف المنتجات السمكية العمانية أيضا باعتبار أن السلطنة تعتبر من الدول المنتجة للأسماك الحية والمجمدة. فقد ساعدت هذه الموانئ في كل من صحار وصلالة خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي في مناولة 80% من هذه الأسماك التي تم تصديرها لعدة دول عربية وأجنبية. فيما من المتوقع أن تشهد صادرات القطاع السمكي قفزة جديدة خلال السنوات المقبلة في إطار مشاريع عدة تم تأسيسها في زراعة الأسماك والروبيان في عدة ولايات عمانية وباستثمارات محلية وأجنبية. كما تم أيضا خلال الأشهر الماضية تصدير بعض الخضار والفواكه إلى دولة قطر الشقيقة عبر ميناء صحار، بجانب العمليات الأخرى التي تمت في استيراد الفواكه والخضروات بشكل مباشر من ميناء بندر عباس الإيراني إلى ميناء صحار لتعزيز السوق العماني وتوفير مختلف السلع والمنتجات في هذا الوقت العصيب للأزمة.

وحيث إن الموانئ أصبحت تدار بالتعاون مع المجموعة العمانية العالمية للوجستيات (اسياد)، فان المؤسسة أبدت استعدادها وجاهزيتها وتشجيعها لتقديم المزيد من الخدمات للتجار والمستوردين العمانيين في عمليات الاستيراد والتصدير بشكل مباشر من الموانئ العمانية، ولجميع السلع التي يمكن أن تعزز المخزون الغذائي للسلطنة خلال هذه الفترة والفترات المقبلة وبأسعار تنافسية وبشكل وخطوات سريعة.

إن الموانئ العمانية مرتبطة اليوم بعدة أسواق وموانئ عالمية رئيسية في أوروبا وأمريكا وروسيا والصين والهند وكوريا بجانب عدة موانئ آسيوية وأخرى عربية وإفريقية وخليجية. وتعمل الجهات المعنية في أسياد بتقديم التخفيضات في رسوم الشحن ومناولة وتفريغ البضائع، وتمديد فترة التخزين المجاني للبضائع الموجهة للأسواق المحلية. بجانب ذلك تم تدشين خط ساخن بينها وبالتعاون مع غرفة تجارة وصناعة عمان للرد على طلبات التجار والزبائن والرد على استفسارات الراغبين في الاستيراد المباشر بجانب الحصول على التسهيلات التي يحتاج إليها التجار في التصدير والاستيراد المباشر، الأمر الذي يساهم في اختصار الخطوات وتقليل التكلفة والوقت في هذا النوع من التعامل.

لقد تبنت الحكومة خلال العقود الماضية فكرة إنشاء عدة موانئ ومناطق اقتصادية وصناعية حرة في إطار سياسة التنويع الاقتصادي في عدة محافظات عمانية، بالإضافة إلى منطقة الدقم الاقتصادية التي تمثل مركزا تجاريا وصناعيا وخدميا في الاستراتيجية اللوجستية للسلطنة. وجميع هذه الموانئ والمناطق تمثل اليوم مؤسسات كبيرة لدعم المشاريع التي يتم إنشاؤها لخدمة البنية الأساسية في عدة قطاعات اقتصادية وخدمية تعزز دخل السلطنة وتعمل على مضاعفة الاستثمارات المحلية والأجنبية في المستقبل.

إن التعاطي مع هذا الموضوع يجب أن يستمر في كل الأوقات، خاصة بعد توقف أزمة كورونا، فيما يتطلب توعية جميع التجار بأهمية الاستيراد والتصدير المباشر من المنبع، لما لهما من مزايا ومنافع إيجابية في عمليات البيع والشراء للأسواق والأفراد، ولضمان استدامة واستمرارية توفر السلع الأساسية في جميع الأوقات وبدون انقطاع، والمحافظة على أسعار السلع وعدم تضخمها.