أفكار وآراء

الاتحاد الأوروبي في مواجهة العاصفة

07 أبريل 2020
07 أبريل 2020

عوض بن سعيد باقوير /صحفي ومحلل سياسي -

انقلاب كبير في المفاهيم والقيم والسلوك السياسي ظهر خلال الأزمة وهناك كرة ثلج تتدحرج خلال هذه الأزمة سوف تظهر ملامحها في القادم من الأيام في ظل استحقاقات قادمة خاصة للولايات المتحدة الأمريكية، حيث الانتخابات ومستقبل ترامب الذي يتخبط سياسيا خلال الأزمة التي تعصف بالولايات المتحدة الأمريكية

من الدروس الكبيرة على مستوى الثوابت في السياسة الدولية هو الانكشاف المرير من خلال أزمة فيروس كورونا خاصة على الصعيد الأوروبي، حيث كان من المتوقع في هذا الظرف العصيب أن تتوحد أوروبا بشكل أكبر لمواجهة الخطر وتكون هناك استراتيجية موحدة في مواجهة الوباء الخطير على ضوء ثوابت الاتحاد الأوروبي من خلال الميثاق والأسس التي قام من خلالها.

ولكن الذي حدث ويحدث الآن في مواجهة عاصفة كورونا شيء يثير الدهشة والاستغراب وقد يعيد خريطة الثوابت الأوروبية في مرحلة ما بعد كورونا.

لقد أظهر الاتحاد الأوروبي هشاشة كبيرة في المصير والوحدة الحقيقية وانكشف بشكل صارخ، فبعد إغلاق الحدود بين دول الاتحاد الأوروبي حدثت معاناة إيطاليا وإسبانيا تحديدا من خلال تفشي فيروس كورونا وكان من المفترض مساعدة كبيرة من دول الاتحاد الأوروبي تجاه روما ومدريد، ولكن الذي حدث أن الأنانية السياسية ظهرت في أقوى مشاهدها من خلال الاهتمام الفردي وهي أساس النظرية الرأسمالية المتوحشة التي تقوم على سيادة الأنا.

الاتحاد إلى أين؟

أظهرت أزمة كورونا عددا من الإشارات القوية على أن النظام الدولي سوف يشهد متغيرات كبيرة بعد انتهاء أزمة كورونا ولعل المشهد الأوروبي يثير الدهشة والاستغراب من خلال الشعور بالمرارة من قبل إيطاليا وإسبانيا تحديدا.

ومن هنا تم رصد عدد من الإشارات بعد أن هبت الصين لإرسال مساعدات إلى كلا البلدين المنكوبين صحيا، حيث يواجه النظام الصحي في روما ومدريد أياما قاسية وصعبة، من خلال تزايد الإصابات والوفيات والتي تعد بالآلاف، هذا قاد إلى نغمة الانتقادات الواضحة لدور دول الاتحاد في مساندة إسبانيا وإيطاليا.

إن النموذج الأوروبي هو مثال صارخ على هشاشة الثوابت التي يقوم عليها الاتحاد من خلال واحدة من أكثر الأزمات الدولية خطورة على الإنسانية، خلال هذا القرن، ولعل الدور الصيني والروسي تحديدا أعطى دلالات سياسية بالرغم من الظواهر الإنسانية فهناك رسائل واضحة من بكين وموسكو ليس فقط لدول الاتحاد الأوروبي ولكن للحليف الأكبر على الضفة الأخرى من الأطلسي.

إن منظومة الاتحاد الأوروبي هي الآن على المحك وهناك أصوات بدأت ترتفع في روما وإسبانيا حول دور الاتحاد في أزمة كورونا وهذا سوف يشكل منعطفا سياسيا واستراتيجيا في القادم من الأيام. إن إيطاليا وإسبانيا عضوي الاتحاد الأوروبي واجهتا مواقف قاسية وكان الجميع يتطلع إلى دور ألماني وفرنسي ودول أخرى غنية في أوروبا لنجدة الدولتين إسبانيا وإيطاليا لكن التردد والفردية كانا واضحين، وكانت هناك تصريحات نظرية لرفع العتب والحرج عن الدول المهمة في الاتحاد.

إن النظام الدولي لن يكون ما بعد كورونا كما نعرفه وهذا ما أشار إليه السياسي الأمريكي المخضرم هنري كيسنجر وزير الخارجية الأسبق، والذي قال خلال ندوة مؤخرا إن العالم والنظام الدولي سوف يشهدان تغييرات كبيرة بسبب التحولات التي أفرزتها أزمة فيروس كورونا وهناك آخرون تحدثوا بنفس هذا التحليل.

الانكشاف المرير

من الأمور الإيجابية التي لازمت فيروس كورونا هو حدوث انكشاف مرير خاصة على الصعيد الإنساني، فهناك موقف الاتحاد الأوروبي من إيطاليا وإسبانيا، ولكن هناك سقوطا أخلاقيا ظهر من خلال معارك لخطف اللوازم الطبية من دول تعاقدت عليها ودفعت ثمنها وتأتي دول كبرى كالولايات المتحدة الأمريكية وتستولي عليها من خلال مضاعفة السعر المالي.

وقد تكررت هذه السلوكيات لعدة مرات في مطارات الصين وهناك عمليات أشبه بالقرصنة للاستحواذ على شحنات طبية من خلال السفن البحرية، ومن هنا فإن كورونا كشفت عن أزمة أخلاقية كبرى، كما أن الحديث عن منع تصدير الكمامات وأجهزة التنفس الصناعي من الولايات المتحدة الأمريكية للدول النامية يعد إضافة أخرى لهذه الأنانية السياسية والتي مثلتها الرأسمالية المتوحشة في أبشع صورها.

إن أزمة فيروس كورونا أظهرت عددا من السلوكيات والمظاهر غير الإنسانية والتي وصل بعضها إلى تجريب عدد من الأدوية على الشعوب، وعلى ضوء ذلك تجلت تلك المشاهد الصارخة أولا في أوروبا بين دول الاتحاد لتنطلق عبر الأطلسي ودور واشنطن الأناني والذي جعل الولايات المتحدة الأمريكية تعاني الأمرين بسبب جائحة كورونا وتصبح واشنطن بعيدة عن قيادة العالم وفي تصوري أن العالم أصبح الآن بدون قيادة رغم الجهد الصيني الواضح.

إن الأزمة الأخلاقية لا تقل قسوة عن الأزمة الصحية وهذا أحد الدروس الكبيرة التي أحدثها فيروس كورونا والذي جعل العالم يتخبط وينكشف خاصة من الدول المتقدمة، وفي ظل هذا التناقض فإن المرحلة سوف تشهد تغييرات كبرى وقد تحدث انقسامات كبرى على صعيد الاتحاد الأوروبي وعلى صعيد التحالفات الدولية.

مستقبل أوروبا

من الصعب الحديث عن مستقبل أوروبا خلال عاصفة كورونا ولكن من المؤكد أن المرحلة القادمة سوف تشهد نقاشا حادا ومثيرا عن السلوك السياسي الأوروبي تجاه عدد من الأعضاء خلال أزمة كورونا وما هو مستقبل الاتحاد الأوروبي بعد الانكشاف والذي كان غير متوقع. ومن هنا فإن الاتحاد الأوروبي سوف يواجه أزمة سياسية بدأت بعض ملامحها من خلال تصريحات عدد من السياسيين الإيطاليين والإسبان ومن خلال الإشادة بالموقف الصيني والروسي، وهي رسائل واضحة وتعني الكثير على الصعيد الاستراتيجي والاقتصادي في مرحلة ما بعد كورونا وهذه واحدة من المتغيرات الكبيرة التي سوف يشهدها العالم على ضفتي الأطلسي وأيضا عبر المتوسط.

هناك انقلاب كبير في المفاهيم والقيم والسلوك السياسي ظهر خلال الأزمة وهناك كرة ثلج تتدحرج خلال هذه الأزمة سوف تظهر ملامحها في القادم من الأيام في ظل استحقاقات قادمة خاصة للولايات المتحدة الأمريكية، حيث الانتخابات ومستقبل ترامب الذي يتخبط سياسيا خلال الأزمة التي تعصف بالولايات المتحدة الأمريكية، ومن هنا فإن عاصفة كورونا سوف تخلف بالتأكيد عواصف سياسية قد تعيد تشكيل النظام الدولي وحتى التحالفات الإقليمية ومنها الاتحاد الأوروبي الذي أظهر هشاشة كبيرة في الوحدة والمساندة تجاه إيطاليا وإسبانيا وتجاه المنظومة الأوروبية بشكل عام، كل ذلك سوف يخلق آثارا سلبية كبيرة على مستقبل الاتحاد.