أفكار وآراء

وباء المتروبول!

04 أبريل 2020
04 أبريل 2020

محمد جميل أحمد -

ربما ليس صدفةً أن تكون مدن المتروبول (المدن الكبرى): العواصم العالمية، (نيويورك - لندن - روما - برلين - باريس) هي المدن الأكثر نصيبًا من نسب الإصابات بفيروس كورونا.

وقد يندرج هذا النصيب في سياق لم يتم اختبار أسبابه حتى الآن، وما إذا كانت أسبابًا تضمر قدرًا من تواطؤ خفي لسياسيين في تلك الدول مع شركات عولمية (هذا على كل حال رهين بالتحقيقات الاستقصائية للصحافة الحرة)، رغم أن البعض صرح بذلك في الولايات المتحدة، خصوصًا إذا أخذنا على محمل الجد، السخرية التي كان يبديها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والاستسهال الواضح الذي كان يعبر به عن تغافله لخطورة فيروس كورونا من قبل. بالرغم من أنه في 28 فبراير الماضي كتب كين دلينيان في موقع «NBC News» مذكّرًا بإمكانية حدوث وباء كوني مصدره الصين!

لكن بطبيعة الحال، إذا اختل المتروبول، سيختل العالم بكل تأكيد، ومن هنا يمكننا أن ندرك طبيعة المساعدات التي تقدمت بها كل من الصين وروسيا للولايات المتحدة بعد تفاقم أزمة الإصابات بفيروس كورونا في الولايات المتحدة منذ بداية الأسبوع الماضي.

ومع ارتفاع التوقعات باستمرارية وامتداد أيام الحظر، وتصريحات بعض كبار الاختصاصيين في أمراض الأوبئة في العالم مثل البروفيسور الأمريكي انطونيو فاوتشي، خبير الأمراض المعدية ومدير المعهد الوطني للأمراض المعدية في أمريكا منذ الثمانينات الذي صرح باحتمال عودة لكورونا في الخريف، سنجد أنفسنا أمام مواجهة غامضة مع هذا الفيروس بحيث لا يمكننا التنبؤ اليوم بنهاية أمد الحظر والحجر الصحي المنزلي الذي تتزايد آجاله مع ارتفاع نسب الإصابات في كل دولة.

ثمة علاقة طردية لانتشار كورونا في العالم، ولا سيما في عواصمه العالمية، بالعولمة، إذ أن إمكانات التنقل والحراك غير المسبوق في تاريخ حركة المواصلات في تلك المدن العالمية، لم يكن لِيُتصور معه، ربما، وجود حالة وباء (قروسطية) كما عبر بها اليوم انتشار فيروس كورونا الذي أصبح بسببه، قرابة نصف العالم (3 مليارات) من البشر قابعين في منازلهم التزامًا بقواعد الحجر الصحي المنزلي!

إلى جانب الإهمال المتعمد، ربما، من قبل سياسيي دول المتروبول، ربما كان هذا الوباء ،كذلك، اختبارًا قاصدًا لتدمير تلك الإمكانات الصحية الكبرى في أوروبا وأمريكا، لا من حيث توازي قدرات الأنظمة الصحية الممتازة في تلك الدول مع الأمراض العامة، بل من حيث التكلفة العالية التي اختصت بها التداعيات السريعة لهذا المرض. أي عندما يصبح مطلق المرضى في حاجة ماسة إلى أسرة إنعاش بأعداد كبيرة جدًا، ما يعني خروجًا عن عاديات توازي أسرة الإنعاش في الحالات العادية مع حاجات مرضى الجهاز التنفسي قبل وباء فيروس كورونا.

وهنا تحديدًا يصبح الخوف وعدم التنبؤ بمآلات ومصائر كورونا أكثر تعبيرًا ووضوحًا في آراء وتقارير المختصين والأطباء كالتقرير الذي أعده فريق بريطاني من كلية امبريال كوليدج المختصة، برئاسة نيل فيرغسون، حيث قدَّر الفريق، (أنه إذا لم تفعل الحكومات والأفراد شيئا حيال قوة الفيروس وسرعة انتشاره، وظل الوضع غير مضبوط بقوانين خاصة، فسوف يموت 510 آلاف في بريطانيا ونحو 2.2 مليون في الولايات المتحدة). وذلك بعكس تصريحات السياسيين من أمثال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. وهي تصريحات كثيرًا ما كان يصرح البروفيسور فاوتشي بالضد منها!

هذا التحدي الخطير الذي بدا المتروبول العالمي أولى ضحاياه، على غير ما هو متوقع من عاديات أخبار الأوبئة التي اختص بها العالم الثالث وإفريقيا جنوب الصحراء على وجه الخصوص، سينعكس بكل تأكيد في مشروعات عالمية محتملة لإعادة النظر والاعتبار لكثير من القضايا التي كان يجب أن يتشاركها العالم بمنظور يطرح القيمة الإنسانية أولًا.

وإذا كان عالمنا اليوم قد بدا خاليًا من مبادرة قيادية لدولة مثل الولايات المتحدة (التي انكفأت تحت شعار رئيسها الشعبوي: أمريكا أولًا، وانسحبت من اتفاقيات عالمية كبرى كاتفاقية باريس للمناخ) فإنه من الخطورة بمكان أن نتخيل مصيرًا كارثيًا للعالم في مواجهة جائحة كونية مثل فيروس كورونا دون قيادة مركزية في إدارة المواجهة مع ذلك الوباء الخطير للأسف.

كورونا في تقديرنا، هو بمثابة تذكير على نحو كارثي بمحاولة استدراك المعنى الإنساني للتشارك في حياة البشر، وتخفيف غلواء الاتجاه المادي ونزعات الأنانية التي كرستها شهوة شركات العولمة الكبرى فجعلت من الفقراء عرضةً للفناء المحدق.

إن أمثولة كورونا الكامنة في القدرة على هز الثقة بقدرات التكنولوجيا كحد مانع للوقاية من أخطار مرضية لم تخطر على بال الإنسان في العالم الحديث، ستكون فرصة لإعادة الاعتبار بالثقة في المشاركة الإنسانية في مختلف جوانب الحياة في هذا العالم. فليس بعد اليوم ثمة إمكانية للتغافل عن إعادة النظر في الكثير من أنظمة التعامل وقوانين العلاقات بين الدول على وجه يجعل من المصلحة المشتركة نقيضًا للأنانية، ومن الاحتراز لأقل المشكلات، دافعًا للمبادرة في ابتكار الحلول الوقائية.

بعد وباء كورونا، لن يكون، كما قبله، كيفما كانت الاحتمالات والتكهنات لهذا المآل بعد بطبيعة الحال!