أفكار وآراء

كورونا .. خسائر المنتجين وأرباح المستهلكين

31 مارس 2020
31 مارس 2020

حسن عبدالله -

ثمة دول ستستفيد من أزمة كورونا بشكل مباشر، وهي الدول المستوردة الكبرى، مثل الصين والهند وألمانيا من انخفاض فواتير الطاقة، بينما سيستفيد المستهلكون بشكل عام من انخفاض أسعار النفط وما ينجم عن ذلك من انخفاض في أسعار الغاز.

يعيش العالم أجواء حرب اقتصادية مستعرة يحتاج إلى سنوات لكي يتعافى من آثارها الخطيرة، فقد هبط سعر برميل النفط الخام بالسوق الأمريكية بنسبة 24% ليبلغ سعره 20.37 دولار للبرميل في قيمة هي الأدنى له منذ فبراير عام 2002.

وما زال نزيف أسعار النفط داميا، مدفوعا بعمليات بيع هائلة وطلب قليل مستمر بالتراجع، إضافة إلى الرعب من حالة ركود متوقعة نتيجة تفشي فيروس كورونا الجديد أو ما يُعرف باسم «كوفيد-19». حسب وصف سي أن أن.

وخلال أيام ومع دخول شهر أبريل سترفع المملكة العربية السعودية معدل إنتاجها اليومي من النفط فيما تبيعه لزبائنها بأسعار أقل بنحو 8 دولارات، وهو ما يتوقع أن تقوم به روسيا أيضا، في الفترة نفسها، دفاعا عن «مصلحتها» بمعزل عن بقية الدول المنتجة للنفط في العالم.

وهذه الخطوة سيكون لها تداعياتها الآنية والمستقبلية على اقتصاد العالم وعلى مستوى نمو كثير من الدول.

ترامب الجريح أعلن أن أمريكا لم تعد بحاجة إلى استيراد نفط الدول المعادية، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة حاليا هي المنتج الأول للنفط والغاز الطبيعي في العالم. لكن ترامب لم يشر إلى الخسائر الفادحة التي ستتكبدها بلاده جراء انخفاض أسعار النفط،، إذ أن طفرة النفط الصخري التي يتباهى بها الرئيس الأمريكي، جلبت معها مفاجأة اقتصادية لبعض الولايات، فيما ستحد الأسعار المنخفضة من قدرة الاقتصاد الأمريكي الذي يعاني من مشكلات ضخمة لا مثيل لها، على النمو والتعافي.

إن انخفاض أسعار النفط يضع واشنطن بين نارين، فمن جهة يحقق وعداً للرئيس دونالد ترامب بتلجيم سعر النفط، لكنه من جهة أخرى يهدد صناعة النفط الصخري الأمريكية المترنحة أصلا بسبب تكلفة الإنتاج العالية، مقارنة بالدول الخليجية على سبيل المثال، ويضع ضغوطا على شركات النفط التقليدية.

لقد حطم انهيار الأسعار الناجم عن صدمة كورونا الكثير من أحلام دول الأمريكيتين في الوصول إلى طفرة اقتصادية، فالأمريكتان من المناطق الرئيسية المنتجة للنفط في العالم، وسجلتا إجمالي إنتاج نفط بلغ 27.29 مليون برميل يوميًا عام 2018، وتساهم بلدان أمريكا الشمالية بنسبة 23.8% من إجمالي الإنتاج النفطي العالمي، كما تمتلك الأمريكتان أيضًا أكثر من 32% من إجمالي احتياطيات النفط المؤكدة في العالم، حيث يوجد معظمها في فنزويلا وكندا.

والحقيقة أن الكثير من الدول ستخسر وتربح في الوقت ذاته من تداعيات أزمة كورونا. فانخفاض أسعار النفط يكلف الشقيقة المملكة العربية السعودية، وحسب دراسة لوكالة الطاقة الدولية، خسارة قدرها 400 مليون دولار يوميا، أي نحو 150 مليار في السنة، ويكلف دول مجلس التعاون الخليجي بأكمله 300 مليار دولار .

لكن الحكومة السعودية وعلى لسان وزير المالية، محمد الجدعان، أعلنت أنها اتخذت إجراءات للحد من أثر انخفاض أسعار البترول، كما سيتم اتخاذ إجراءات إضافية للتعامل مع انخفاض الأسعار المتوقع.

وبالفعل أقرت الحكومة السعودية خفضا جزئيا في بعض البنود ذات الأثر الأقل اجتماعيا واقتصاديا، بلغ ما يقارب الـ 50 مليار ريال (ما يمثل أقل من 5% من إجمالي النفقات المعتمدة في ميزانية العام 2020).

وثمة من يعتقد بأن السعودية ستستفيد على المدى البعيد من تقويض هذا الإنتاج البديل، الذي ساعد الولايات المتحدة على الوصول إلى نوع من الاكتفاء الذاتي من النفط.

لقد أثر تفشي فيروس كورونا بشكل كبير على طلب الطاقة في جميع أنحاء العالم، وخاصة في الصين، التي تعد اليوم المستورد الأكبر للنفط الخام، حيث تستهلك حوالي 10 ملايين برميل يومياً، وتمثل ثلث الاقتصاد العالمي. فقد تعطلت المصانع وألغيت آلاف الرحلات الجوية حول العالم، بينما أصبح تفشي فيروس كورونا وباء عالمياً.

وفي حين تتوقع وكالة الطاقة الدولية تراجع الطلب أكثر هذا العام لأول مرة منذ الركود الاقتصادي في العام 2009 الذي تبع الأزمة المالية العالمية، يؤكد المدير التنفيذي لشركة أرامكو السعودية المهندس أمين بن حسن الناصر على أن المشكلة ستنتهي في النصف الثاني من هذا العام، وأن الأسعار قد تعود إلى معدلاتها شبه العادية.

لا شك بأن الكثير من الدول لم تستفد مما حدث، إذ خسرت وستخسر الدول الرئيسية المنتجة للنفط مبالغ طائلة بصرف النظر عن حصتها في السوق. فعلى الرغم من ادعاء روسيا بأنها «محمية» من زلزال انخفاض الأسعار لأن ميزانيتها السنوية تعتمد على متوسط سعر يبلغ حوالي 40 دولاراً للبرميل، نتيجة للعقوبات الأمريكية، فإن موسكو تئن تحت وطأة الضغوط التي أضافها كورونا إلى اقتصادها. وكانت موسكو قد أعلنت أنها «سئمت» من خفض الإنتاج وسياسة ضبط الأسعار لأنها أعطت مساحة أكبر لشركات النفط الصخري في الولايات المتحدة الأمريكية للنمو.

أما دول الخليج، فتنتج النفط بتكلفة قليلة، تتراوح ما بين دولارين إلى 6 دولارات للبرميل الواحد في المملكة العربية السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة. ولكن، بسبب الإنفاق الحكومي الكبير والإعانات السخية للمواطنين، فإنها تحتاج إلى سعر يتراوح ما بين 70 دولاراً للبرميل أو أكثر لتحقيق التوازن في ميزانياتها.

ولهذا اتخذت حكومات هذه الدول إجراءات خاصة لتعويض النقص في الميزانية .

إلا إن أكثر الدول تأثراً فهي التي تعتمد على النفط والتي عانت من الصراع أو الانتفاضات أو العقوبات، مثل العراق وإيران وليبيا وفنزويلا.

وثمة دول ستستفيد من أزمة كورونا بشكل مباشر، وهي الدول المستوردة الكبرى، مثل الصين والهند وألمانيا من انخفاض فواتير الطاقة، بينما سيستفيد المستهلكون بشكل عام من انخفاض أسعار النفط وما ينجم عن ذلك من انخفاض في أسعار الغاز، خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تتفاعل أسواق التجزئة بشكل مباشر مع العرض والطلب، إلّا أن الضرائب والرسوم الإضافية تشكل الحصة الأكبر من أسعار الغاز في أوروبا، وبالتالي فإن التأثير سيكون أقل وضوحاً.

لقد أطلق فيروس كورونا حربا اقتصادية شعواء لا تظهر نتائجها الآن بشكل كامل، لكنها حتما ستظهر قريبا جدا وستؤثر بشكل كبير على جميع دول العالم المنتجة للنفط والمستهلكة له.