أفكار وآراء

تتعدد الاتهامات والتفسيرات و«القاتل كورونا» واحد!

30 مارس 2020
30 مارس 2020

د. مجدي العفيفي -

وهن.. ضعف.. عجز.. استسلام.. شلل.. تدمير .. خسائر.. نزيف.. موت على موت على موت.. ثرثرة سياسية.. تبادل اتهامات.. شماتة مجتمعية..إسقاطات دينية على طريقة «تلك أمانيهم».. ترهات تاريخية تقرن موعد ظهور فيروس كورونا بمعيار المئوية.. عروش اقتصادية تتهاوى .. إغلاق شركات.. تشريد الملايين .. انهيارات بالجملة..

سكون .. كمون .. صمت.. رعب.. خرس .. جمود.. فراغ.. مدن لم تكن تنام صارت مدن أشباح بين عشية وضحاها... وما بين غمضة عين يحول الله من حال إلى حال..!. سكان كوكب الميديا لا شيء يشغلهم إلا «الإمبراطور كورونا» فيديوهات تنتشر أكثر من انتشار «عائلة كورونا»..كل يزعم أنه يمتلك الحقيقة المطلقة لكورونا.. تحليلات وتكهنات وتعليقات من كل حدب وصوب.. اختلاط الحابل بالنابل.. الغث بالثمين.. الحق بالباطل .. الوهم بالحقيقة.. والرمادي سيد الألوان في أطياف هذا العالم الافتراضي.!..

هذا هو حال عالم اليوم... في هذه اللحظة الكونية الراهنة بكل تجلياتها الدرامية وتداعياتها الدامية..

ومع أن الحال من بعضه إلا أن العالم المغلوب على أمره يرفع حاجب الدهشة إزاء حال الذين تسابقوا على التسلح النووي ليقتلوا بعضهم البعض.. نهبوا أموال الشعوب والدول المغلوبة على أمرها.. مارسوا الفتونة البغيضة.. وفرضوا على دول العالم الثالث (إتاوة) لحمايتهم ما يزعمون.. مع أنهم لا يستطيعون حماية أنفسهم وشعوبهم من فيروس مجرد فيروس أيا كانت خطورته.

المليارات التي أنفقوها على الحروب ضد الغزو الفضائي -إن حدث- لا تساوي جناح فيروس إن كان للفيروس جناح..!

الدول العظمى انهارت بمهارة .. والقوى العظمى سقطت بجدارة .. والعالم الأول المزعوم قهرته سنابك كورونا بلا استثناء.. هزمها في أول اختبار كوني بسيط، كما يشير الزميل الكاتب المغربي عبدالرحيم العلام ساخرا «فيروس عائلته معروفة وسبق التعامل معه أكثر من مرة. فيروس انبعث من رماد يحاول أن ينتقم لعائلته التي قُتلت على أيدي علماء البيولوجيا منذ عقود، وكأننا أمام ثأر شاب صقيلّي عاد لينتقم من مقتل كل أفراد عائلته على يد المافيا كما هو الحال في فيلم The Godfather أو مسلسل Peaky Blinders. (عبدالرحيم العلام 23 مارس 2020) نعم .. في عنفوان الهجوم الكاسح للفيروس كورونا، أتذكر تعبيرات من قبيل «قهر الطبيعة» و«غزو الفضاء» إذ من ذا الذي يقهر الطبيعة أو يقهر الصحراء، ولماذا تبدو العداوة بين الإنسان وبين الفضاء لماذا الغزو؟ لماذا لا يكون الاكتشاف والكشف بالعلم والعلماء.

إننا نحمل الأمور أكثر مما ينبغي ونلجأ إلى مرض (التعاقبية) في فكرنا المريض عندما تحدث أزمة ويتعرض صاحبها للعقوبة فنربط بين الاثنين ربطا شرطيا ساذجا، وعندما نعجز عن تفسير ظاهرة من الظواهر الكونية، كأننا نعود إلى تصورات وتخيلات الإنسان الأول في تعامله مع قوى الطبيعة، أستدعي من الذاكرة القريبة ما حدث أيام (إعصار جونو في السلطنة 2007) - وكنت أقيم في مسقط في قلب الإعصار، السلطان قابوس -رحمه الله-، اعتبر الأمر مجرد (أنواء مناخية) تحدث بين الحين والحين.

التفسير الديني لكارثة كورونا يستقطب العواطف لا سيما لدى البسطاء الذين يتعلقون بأي شيء، على رأي المثل الشعبي «الغريق يتعلق بقشة» وهي مجرد إسقاطات لما يعتمل في بعض النفوس -مع أن الأزمة لا علاقة لها بكل ذلك، بهذا الرح الذي يتسم بالشماتة، إلى حد بعيد- في هذا السياق، يتم يتداول «بوست» انتشر منذ أيام بأسرع من انتشار كورونا بعنوان«لا تلعنوا كورونا..».

وهذا هو التفسير الإلحادي إذ يقول أحد الملاحدة: «ليس هناك قوة (...) في الكون يمكنها حمايتك من كورونا فقط طبق ما قام به الصينيون من عزل وانتظر الدواء من طبيب مقتدر صيني أو غربي أو كافر حسب مرجعيتك».

ومن التفسير الديني واللاديني إلى التفسير التاريخي لكورونا: «ألم يقولوا يتجدد الإيمان بالله كل 100عام؟ 1520 مرض الجدري، 1620 مرض غامض، 1720 الطاعون، 1820 كوليرا، 1920 إنفلونزا الإسبانية، 2020 كورونا، إنها أرض الله يفعل بها ما يشاء وله الحمد الذي لا يحمد على مكروه سواه!.

التفسير السياسي لكورونا يتلخص في التراشق الإعلامي حتى بات أن كورونا يحدد من سيحكم العالم بعد انتهاء الكارثة، إذا انتهت، فكل عدة ساعات يخرج الرئيس الأمريكي ترامب يقول كلمتين آخرها يعلن ترامب تفعيل قانون الدفاع الوطني في الولايات المتحدة لمواجهة «الفيروس الصيني» وهو التعبير الذي أثار استنكار منظمة الصحة العالمية وبالتالي حسمته لكل ذي عقل، إذ انتقد مايك رايان المدير التنفيذي لبرنامج الطوارئ الصحية بالمنظمة استخدام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لمصطلح «الفيروس الصيني»، عند الإشارة إلى فيروس كورونا المستجد. وقال في الإيجاز الصحفي اليومي للمنظمة حول وباء فيروس كورونا المستجد، عندما سئل عن تصريحات ترامب: إن «منظمة الصحة العالمية كانت واضحة منذ بداية تفشي المرض، «الفيروسات لا تعرف حدودًا ولا تهتم بعرقك أو لون بشرتك أو كم من المال لديك في البنك»، مضيفًا «من المهم حقًا أن نكون حذرين في اللغة التي نستخدمها» وأوضح المسؤول الكبير «هناك العديد من الأصول المختلفة.. نشأ وباء الإنفلونزا في عام 2009 في أمريكا الشمالية، ولا نسميها إنفلونزا أمريكا الشمالية، لذا من المهم جدًا أن يكون لدينا النهج نفسه عندما يتعلق الأمر بالفيروسات الأخرى» وتابع مايك رايان «إنه وقت للتضامن، إنه وقت للحقائق، إنه وقت للمضي قدمًا معًا»، مضيفًا «ليس هناك لوم على أحد في ذلك». (تصريح 18 مارس 2020 سي ان ان). «وهذا الموقف السياسي بمشهده الإعلامي يستدعي وقفة متأنية».

تتضاءل كل هذه الطروحات أمام صوت العلم والعلماء ... فهم الأمل المادي الملموس يرمز إليه تغريدة العالم المصري في وكالة ناسا الأمريكية عصام حجي في 17 مارس: «فيروس كورونا والكوارث الطبيعية التي نمر بها لن تكون نهاية العالم بل يجب أن تكون نهاية الاستهزاء بالعلم والمعرفة في عالمنا العربي وبدأ صفحة جديدة نحول فيها الإنفاق على الأسلحة إلى الإنفاق على المعرفة، فلا نصرة لجاهل في معركة». ذلكم هو سلاح العلم .. السلاح الفعال والخلاق والمجدي بعيدا عن سقوط الأصنام السياسية وما دونها في بئر كورونا..!.

إنها المواجهة وطبقا لـ«التليجراف» البريطانية إن علماء قالوا إن فيروس كورونا المستجد «كوفيد 19» قد تحور إلى سلالتين، الأولى تبدو أكثر عدوانية، وهو الاكتشاف الذي قد يعرقل محاولات تطوير لقاح.

العلماء في سباق مع الزمن، للحصول على علاج يقضي على الكابوس الذي يحتاج العالم، وفي انتظار الإنجاز العلمي... وهو «المعقول» وصوته رزين وخلاق.. والكف عما دون ذلك من أمور «اللامعقول» وهي كثير وثرثارة أكثر مما ينبغي..!.