Screen Shot 2020-03-25 at 2.17.40 PM
Screen Shot 2020-03-25 at 2.17.40 PM
أعمدة

الموت قادم .. ووعينا هو الفيصل!

25 مارس 2020
25 مارس 2020

عاصم الشيدي [email protected]

شعرت بخوف لم أعتده منذ بدء جائحة كورونا وأنا اقرأ بيان اللجنة الوطنية المكلفة ببحث آلية التعامل مع التطورات الناتجة عن انتشار فيروس (كوفيد 19) خاصة عندما وصلتُ إلى فقرة الحديث عن تجهيز أماكن (لغسل الموتى في كل الولايات والتعامل مع كل جثة حسب مقتضيات مخاطر العدوى). يا إلهي! هذا أول حديث مباشر أو غير مباشر من اللجنة أو حتى من وزارة الصحة خلال هذه الجائحة عن (الموت)، كان الحديث يدور سابقًا عن عدد الإصابات وحالات الشفاء وتجنب العدوى، وأعراض الإصابة وإبطاء الانتشار، وتسطيح المنحنى، أما الآن فانتقلنا إلى ذروة المأساة الإنسانية مباشرة: الموت. وحديث الموت مفجع جدًا في أيامه العادية فكيف هذه الأيام التي تنتشر فيها رائحته في كل قارات العالم. بل إن بعض دول العالم تحولت إلى عدادات تحصي، فقط، ضحاياه دون أن تكون لها حيلة لإيقافه أو إبطاء (خبطه العشوائي) إذا ما استعرنا مقولة زهير بن أبي سلمى في معلقته الشهيرة، لأن استجابتها تأخرت كثيرا ولم يكن لديها تصور لما يمكن أن تؤول إليه الكارثة، وكذلك لم يكن مواطنوها على وعي بحجم ما يمكن أن يحدث. وهذا المشهد (المخيف) لذروة المأساة الإنسانية في الكثير من دول العالم اليوم يجبرنا على أن نعيد النظر في الكثير من سلوكياتنا سواء الصحية أو في تعاملنا مع الجائحة وشعورنا بحجم المسؤولية الفردية .. فالعالم أجمع تظله غمامة الموت وروائحه القبيحة .. وإلا وقعنا فيما لا نتمناه وفيما لا نطيقه أبدا. هل فات الأوان؟ أعتقد إننا في عُمان ما زلنا قادرين جدا على محاصرة انتشار الوباء وإبطائه بشكل كبير. ولكن كيف نستطيع ذلك على المستوى الفردي؟ برغم خطورة الفيروس وانتشاره الوبائي في العالم لكن يمكن أن تساعد الإجراءات الاحترازية التي تتخذها الدولة حاليا في الحد من ذلك. ويقول علماء الأوبئة والجوائح: إن الأمر يتمثل في (التباعد الاجتماعي) واتباع الإجراءات الاحترازية الصحية الفردية. وإذا أردنا استقراء المشهد في عُمان ومحاولة تقصيه لمزيد من الفهم فإن الفيروس دخل للسلطنة عبر عائدين من السفر نهاية الشهر الماضي، ثم بعد ذلك ظهرت حالات كانت قد خالطت أولئك العائدين من السفر وكانت هذه مرحلة ثانية يبدأ فيها الفيروس بالانتقال عبر العدوى المحلية. هذا الأسبوع الثاني لغلق جميع منافذ البلاد البرية والجوية والبحرية، ويفترض أن تكون أغلب الحالات الناتجة عن السفر قد ظهرت أعراضها وتم عزلها، ولو بقيت جميع هذه الحالات ملتزمة بالعزل التام دون أن تخالط أو يخالطها أحد فإن الفيروس سيبدأ بالانكماش، ولو التزم المأمورون بالعزل التزاما تاما يمكن أن نحاصر الفيروس محاصرة كاملة، وخطوة بعد أخرى يمكن أن تنتهي سلسلته في بلادنا. الفعل يبدأ فرديا ولكن نتيجته المأساوية لا تكون فردية أبدا، بل هي جماعية سنشترك جميعنا فيها. وحسنا فعلت اللجنة العليا أمس عندما قررت إدخال العائدين من السفر من العمانيين للحجر الصحي المؤسسي لأن هذا لو طبقت فيه المعايير والرقابة سيحمينا من انتشار سريع للحالات على اعتبار أن من الحكمة الآن التعامل مع كل قادم من السفر على اعتباره مصابا ويمكن أن ينقل العدوى للعشرات. الذي نحتاجه الآن هو الالتزام، نحن في فترة حرجة جدا من فترات انتشار الوباء، ولو استطعنا التقيد بالتعليمات يمكن أن نصل في منتصف الشهر القادم إلى بدء تراجع الأعداد لا إلى إضافة أرقام أخرى. ولا صعوبة واضحة أو مفهومة في التزام الناس بيوتهم حماية لأنفسهم ولأطفالهم ومن ثم للمجتمع. نسمع الكثير من القصص التي يتناقلها الناس عن أفراد أمروا بالحجر الصحي المنزلي ولكنهم لم يطبقوه وخالطوا عائلاتهم والمجتمع المحيط بهم وتسببوا في انتشار الفيروس. ولو استمر هذا الأمر فإننا مقبلون على خطر كبير جدا، وانتشار واسع للوباء .. الأمر الآن بأيدينا ونحن نقرر المشهد الذي نريد أن نعيش فيه بعد أسبوعين من الآن. قرأت أمس تقريرا بثته وكالة رويترز للأنباء يتحدث عن أن ثلث سكان العالم في الحجر الصحي الآن، هذا يعني أن 2.6 مليار شخص هم اليوم في العزل. ماذا ننتظر إذن لنشعر بالخطر؟ عدد الوفيات بسبب الفيروس في العالم تجاوزت أمس 17 ألف حالة مبلّغ عنها بينها 6820 حالة في إيطاليا وحدها، و3200 حالة في الصين حيث اكتشف الفيروس لأول مرة، و2991 حالة في إسبانيا وأكثر من 775 حالة في الولايات المتحدة الأمريكية التي يعتقد أن بؤرة الفيروس ستنتقل لها قريبا بعد أن زاد عدد الإصابات فيها عن 54 ألف إصابة مؤكدة، لا يمكن أن نقرأ كل هذه الإحصائيات ولا تثير فينا خوفًا وقلقًا أو رغبة في محاولة التغيير .. هذا مشهد إذا ما أغمضنا أعيننا قليلا يمكن أن نتصور أنه أسطوري، أو هو مشهد في فيلم سينمائي هوليوودي، لكنه حقيقي، مع الأسف الشديد وهذا من فرط سخرية الواقع. ورغم أن الموت هو قمة المأساة الإنسانية إلا أن هذا ليس كل شيء فعله الفيروس ليدعونا إلى احترام القوانين وتطبيقها بحزم. أليس تعليق الصلوات في جميع بيوت الله مدعاة للتدبر، وانهيار اقتصاد العالم في مساحة زمنية قصيرة جدا وبشكل دراماتيكي ما يهدد وظائف وأعمال مئات الملايين في العالم .. أجزاء كبيرة من أوروبا الساحرة التي كان يقصدها العالم تتحول إلى ساحة للجثث المتعفنة التي لا تجد من يواريها التراب. القرار بأيدينا جميعا .. أيام حاسمة فلنكن على قدر المسؤولية