أفكار وآراء

النفط في زمن كورونا .. أزمة إلى أين ؟

24 مارس 2020
24 مارس 2020

إميل أمين -

ما الذي تتعرض له أسواق النفط في العالم؟

هل هي حرب لها أسس أيديولوجية كما يذهب البعض؟

أم أنها أزمة قدرية من جراء الفيروس الطارئ كورونا الذي ضرب العالم على حين غرة وترك كبير الأثر على شكل الحياة المعاصرة في عالمنا الحالي؟

بداية يمكن القطع أن أزمة النفط الحالية ليست الأولى من نوعها في الأزمنة الحديثة، فخلال الخمسة عقود المنصرمة عرفت البشرية أزمة للنفط في أعقاب حرب أكتوبر عام 1973 الأمر الذي تسبب في ارتفاع سعر برميل النفط بنسبة 400%، ثم كانت الأزمة الثانية عام 1979 أي في توقيت الثورة الإيرانية، حيث تم تخفيض ضخ النفط بنسبة 4%، ولاحقًا في عام 1986 وعلى أثر تباطؤ الاقتصادات الصناعية في العالم وصل سعر برميل النفط إلى 10 دولارات، ومع غزو العراق الكويت ارتفع سعر النفط إلى رقم وقتها اعتبر قياسي إذ بلغ 36 دولار، ومرة أخرى في العام 1998 خسر سعر برميل النفط اكثر من نصف قيمته في الفترة بين أكتوبر 1997 ونوفمبر 1998.

لم تكن أمور أسعار النفط مستقرة على الدوام، وأبلغ دليل على ذلك ما جرى في الفترة ما بين 2008 و2009 إذ بلغ سعر البرميل مبلغا جنونيا فوصل إلى 147 دولارًا للبرميل، بسبب زيادة الطلب، لا سيما من قبل الصين، وأن عاد وخسر ثلثي هذه القيمة لاحقًا.

ومع الأعوام القليلة المنصرمة استطاع القائمون على أمور أوبك ضبط هذا التهور الاستراتيجي لأسعار النفط والذي بلغ أسعار معقولة في حدود السبعين دولارًا للبرميل بزيادة أو نقص طفيفين.

ما الذي جرى في واقع الأمر في الشهرين الماضيين وبلغ بأوضاع النفط مبلغها الذي يعتبر محنة للبعض، ويراه البعض الآخر منحة من السماء؟

قبل الكورونا ألقت الأزمة برحالها في حضن منتجي النفط الكبار حول العالم، الذين فشلوا في التوصل إلى اتفاق حول حصص الإنتاج، الأمر الذي أدى إلى زيادة المعروض وبالتالي انخفاض الأسعار، ومع حلول إبريل المقبل ستشهد الأسواق انفجارًا في المعروض بعد انهيار الاتفاق بين أوبك والمنتجين الكبار وفي مقدمتهم روسيا.

ما يجري من أزمة للنفط دعا الكاتبة الروسية «ايكاترينا كروشيفينكو من مركز كارنيجي في نسخته الروسية للقول إن مستقبل أسواق النفط يبدو قائمًا حتى نهاية العام الجاري، إذ أن الزيادة المهمة في الإنتاج وما رافقها من تراجع في الطلب بسبب تفشي فيروس كورونا سيؤديان لتزايد المنافسة بين المنتجين. ولعل السؤال الواجب طرحه في هذا الإطار ما هو صالح الأسواق العالمية: هل الارتفاع في أسعار النفط أم انخفاضها؟

المؤكد بحسب خبراء النفط حول العالم انه ليس في مصلحة الأسواق الارتفاع أو الانخفاض بشكل مفاجئ لما في ذلك من اثر سيئ على حركة الأسواق، إذ أنها تحتاج إلى الاستقرار ووضوح الرؤية، لا سيما وان بعض المنتجين لن يتمكنوا من مواصلة الإنتاج، في ظل انخفاض أسعار الخام عقب انهيار اتفاق خفض الإنتاج بين أوبك ومنتجين كبار، على راسهم روسيا. أحد الأسئلة المثيرة للتأمل في المشهد النفطي العالمي ومن قبل كورونا: هل هناك خلفية صراع سياسي بين القوى الكبرى، انعكست على أوضاع أسعار الطاقة العالمية بدورها ؟

من الأوضح أيضا أن ذلك كذلك لا سيما بعد رفض روسيا خفض الإنتاج وهناك عند الروس وجهتا نظر حول التطور التالي للأحداث، وفقا لإحداهما ستتمكن روسيا من إزاحة منتجي النفط والغاز الصخري الأمريكيين من السوق العالمية، ما سيؤدي إلى استعادة سعر نفط مريح بطريقة طبيعية، وسوف تتمكن روسيا من الحصول على حصة إضافية في السوق. أما وجهة النظر الأخرى فتقول إن روسيا ستعود إلى حضن أوبك ولكن في وقت لاحق.

والآن تحاول المساومة على شروط أفضل لصفقة مع المملكة العربية السعودية، وفي نهاية المطاف سيوقع الطرفان على اتفاقية جديدة، لأن أسعار النفط المنخفضة غير مواتية لكلا الطرفين. هل الروس انفسهم منقسمون على القرار الخاص بأسعار النفط في الداخل الروسي نفسه؟

يمكن القول إن ذلك كذلك قولا وفعلا، فهناك مشكلة هي غياب الإجماع في روسيا حول الحاجة إلى الشراكة مع أوبك، ففيما ترى وزارة الطاقة الروسية ان ذلك ضروري لأنه يوفر أسعارا مرتفعة للنفط ولا تزال وجهة نظر الوكالة راجحة، نجد موقف «روس نفط» أكبر شركات الطاقة في الداخل الروسي معاكسا، وهو المعتمد حاليا إذ تعتقد بأن قيود أوبك تمنع شركتهم من تطوير إنتاجها وتحرمها من حصتها في السوق. المسألة في روسيا تطورت بشكل كبير الأيام الماضية إذ أن هناك من يعتقد بأن المشاركة في أوبك سوف تعد خيانة للوطن الأم انطلاقا من أن قيام روسيا بخفض الإنتاج، ودعم أسعار النفط، لهو أمر سوف يمكن الأمريكيين من زيادة إنتاجهم ومضاعفة حصتهم في السوق العالمية.

هل يمكن أن تكون واشنطن مستفيدًا حقيقيًا مما يجري في العالم من انخفاض لأسعار النفط العالمية.

يبدو ان الروس كانوا على حق في هذا السياق فقد اعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نهار الثالث عشر من مارس الجاري عزمه رفع الاحتياطيات النفطية الاستراتيجية إلى الحد الأقصى، مبررًا ذلك بأنه يأتي في سياق إجراءات طارئة تهدف إلى تجنب أزمة اقتصادية، بسبب انتشار فيروس كورونا.

يمكن للمحلل المتابع للشأن الأمريكي القطع بأن مسألة فيروس كورونا جاءت لاحقة، فالقرار الأمريكي برفع تلك الاحتياطات يصب دوما وأبدا في خانة الاستراتيجيات الأمريكية الكبرى، وعادة ما تتحين الإدارات الرئاسية المختلفة الوقت المناسب لملئ تلك الخزانات الموجودة في سلسلة مغارات بامتداد سواحل تكساس ولويزيانا، بطاقة استيعابية تصل إلى 77 مليون برميل إضافية من النفط، وان كان ترامب لم يذكر حجم النفط الذي سيشتريه للتخزين الاحتياطي، الذي يوجد فيه حاليًا 635 مليون برميل، مكتفيا على ما يبدو بتصريح رئيسه الذي اعلن نيته رفع الاحتياطيات إلى الحد الأقصى... هل يمكن لمثل هذا القرار الأمريكي المثير أن يعزز من وحدة رأي القوميين الروس الرافضين للتوصل إلى اتفاق جديد مع أوبك من اجل دعم مسيرة استقرار النفط حول العالم؟ مؤكد أن هذا القرار الترامبي سيدعم الذين يطالبون بوحدة روسيا في مواجهة المخططات الأمريكية لا سيما في زمن فيروس كورونا اللعين والذي أصاب النفط بالمزيد من الشلل الذي لا يعلم إلا الله إلى متى سيطول بقاؤه على الأرض. والثابت أن الحديث عن اثر كورونا على أسعار النفط لهو حديث الساعة، فقد ضرب كورونا الصين في مقتل، وفي سويداء قلب اكبر مدينة للإنتاج الصناعي «ووهان»، الأمر الذي ترك وسيترك انطباعات سلبية وتراجعات مستقبلية على حركة النمو الصناعي هناك.

لسنوات طويلة اعتبر العالم الصين المحرك الحقيقي القادم للعالم اقتصاديا، ومع الأزمة الصحية الأخيرة تعطل الإنتاج بشكل غير مسبوق، كما أن الكثير من رؤوس الأموال الصناعية التي استقرت في الصين، غادرت وهاجرت منها إلى أوروبا أو أمريكا مرة أخرى، وربط الجميع الاستقرار الاقتصادي بالاستقرار السياسي، والظروف البيئية والصحية.

ماذا يفيد ذلك؟

باختصار غير مخل يعني ان عجلة دوران الاقتصاد الصيني قد تباطأت بشكل كبير للغاية، الأمر الذي يجعل الطلب الصيني على النفط من كافة بلدان العالم سوف يتراجع إلى اجل غير محدد، ما يعني وفرة في النفط في الأسواق العالمية وبالتالي تراجع الأسعار. لا يتعلق انخفاض أسعار النفط بعجلة الصناعة في الصين فقط، بل أيضا بحركة الطيران إلى الصين والتي انخفضت بنسبة 84% في شهر فبراير الماضي، فقد خشي العالم التوجه إلى الصين لئلا يلحق بهم الفيروس، الأمر الذي قلل استخدام النفط في صناعة الطيران.

هل حركة الطيران تختص بالصين فحسب؟

الجواب بديهي، فقد تحول العالم ومن جديد إلى جزر منعزلة، لا سيما بعد أن أغلقت دول عديدة حدودها البرية والبحرية والجوية، ولم يعد هناك من يتطلع للسفر خوفًا من الجرثومة القاتلة المتفشية، الأمر الذي سيكون له اثره ولا شك على أسعار النفط، بعد تخفيض الاستخدام.

لا يمكن في واقع الحال النظر إلى واقع حال ومآل صناعة الطاقة والنفط في المقدمة منها، من غير النظر إلى الأوضاع للاقتصاد العالمي دفعة واحدة، وهنا الأرقام عادة أصدق ما يمكن أن يلجأ إليه المرء لفهم ومتابعة المشهد عن قرب.

قبل نهاية عام 2019 كان الجميع يتوقع كساد كبير للاقتصاد العالمي، ولم تكن كورونا قد ظهرت بعد، ومع ظهورها خرجت أرقام منظمة التعاون والتنمية من مقرها في العاصمة الفرنسية باريس لتشير إلى أن النمو العالمي هذا العام ربما لن يتجاوز 1.5% من أصل 2.9% كان من المفترض أن يصل إليها، الأمر الذي يمكن ترجمته بحالة من التباطؤ العالمي التي ستؤدي لا محالة إلى الاستغناء عن كميات إضافية من هذا النفط المعروض في الأسواق العالمية، ومن جديد تتراجع الأسعار. ولان كل أزمة كما عودتنا الحياة لها وجهين سلبي وإيجابي، فها نحن نرى بعض الانعكاسات الإيجابية على عدد من الدول العربية التي تستورد مشتقات نفطية، فعلى سيل المثال تجد تونس فرصة طيبة في انخفاض الأسعار وهي التي تستورد ما يفوق من 50% من احتياجاتها النفطية والأمر نفسه ينسحب على لبنان الذي يعاني من أزمة مالية تصل إلى حد الإفلاس، أما الأردن فقد بلغت كميات النفط المستوردة من العراق لتشغيله نحو 545 ألف برميل، حتى سوريا المنتجة للنفط، والتي يتعرض نفطها للعديد من المشاكل لا سيما في الشمال ستجد مردودا إيجابيا لانخفاض تلك الأسعار.

السؤال المهم: هل يتوقع اعتدال حال أسعار النفط بعد الاعتلال الكبير والظاهر مؤخرا؟ أغلب الظن أن الأمر لم يعد مرهونا بتدابير سياسية أو اتفاقيات أممية، بقدر ما بات موصول بمواجهة أزمة كورونا التي أوقفت الإنتاج، وقطعت دول العالم بعضها عن بعض، وهذا هو التحدي الأهم في الوقت الحاضر وإلى حين إشعار آخر.