Ahmed
Ahmed
أعمدة

نوافذ: العالم يختفي

24 مارس 2020
24 مارس 2020

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected]»

متى كانت الجدران الأربعة ملاذا من صخب الحياة؟ ومتى كانت المنازل المكان الذي لا خيار عنه للبقاء والإبقاء؟ عالم يتشكل بسرعة غير مستوعبة، ويؤرخ؛ لأول مرة؛ صورا لا يمكن استيعابها، وفق ما اعتادت عليه الأنفس منذ مئات السنين، شيء مخيف ومهول، شيء مربك يتقاطع مع كل القناعات الموجودة، والمتأصلة منذ فهم الحياة عند كل فرد على حدة، وهنا أبعد الفهم عن مجموعة الاحترازات والواجبات التي تعمل عليها الجهات المختصة، وأذهب فقط إلى الجانب النفسي عن الفرد.

ما يحدث ليس فقط امتثالا لتعليمات الحكومات في هذا العالم، وليس فقط مجموعة المبالغات والتهويلات التي تنفذها المجموعة المنضوية تحت المفهوم الإعلامي الـ (البروباجندا) وليس فقط انعكاسا لاقتناعات شخصية بحتة، ولكن مع كل ذلك هنا خوف يربك استحكامات النفس البشرية، إنه الموت، هذا المارد المخيف الذي ترتعد تحته الفرائص، وترتبك النفوس، ويصاب العقل؛ ربما؛ بالجنون.

في مقطع مخيف تم تداوله قبل يومين يظهر كل مدن العالم المعروفة والمشهورة بصخبها، وبتقليعاتها، وبهيبتها، وبصلافتها، وبمجموعة المعززات التي تجعل منها مدنا ضخمة؛ بكل ما تعنيه الكلمة؛ فإذا هي خاوية على عروشها، وكأنها تعيد مشاهد الـ «تسونامي» المتكررة في لحظة هذا الصخب، وهذه الهيبة، فجعلتها قاعا صفصفا، إلا من مارة هنا أو هناك، لا تزيد أعدادهم عن اثنين إلى ثلاثة، فأين تلك الجموع الغفيرة من الناس على اختلاف مقاصدهم وأهدافهم، أين ذهبوا، أين اختفوا، ولماذا؟ والسؤال المهم: هل سيكون لهم خط رجعة ليعمروها من جديد، أم سيكون اختفاؤهم للأبد؟

في مشاويرنا؛ التي أصبحت نادرة؛ نرى ذلك التسارع المقلق الذي يظهر عليها الناس هنا أو هناك، تسارع يخفي بين جنبات أصحابه مستوى القلق الذي يساور نفوسهم، قلق المصير، قلق المعيش، قلق الأمان، قلق النهايات، قلق العودة، قلق ما يخفيه القدر في الغد المنظور، حتى ليوحي لك الأمر أن كل مظاهر الحياة الحية قد اختفت، فهل الحالة تستدعي ذلك حقا؟ نعم إنه الوباء، نعم إنها الجائحة، نعم إنه المرض، ولكن التشبث بالحياة أيضا له دلالته التفاؤلية، والسؤال: كيف يجتمع المتضادان؟

الإنسان كائن ضعيف مهما امتلك من أدوات القوة، وجبان مهما كان شجاعا بما يملك، وصغير، مهما تطاول به الشأن والجبروت، وهذه المجسات النفسية كلها تتهاوى في لحظة العجز، في لحظة الإعياء «والمرء في المحنة عي» وأي إعياء عندما ترى نفسك عاجزا حتى عن إنقاذ نفسك، فضلا عن إنقاذ من هم حولك، هذه المراوحة بين الضعف والضعف، لا تزيد الإنسان إلا سقوطا إثر سقوط، وتقهقرا إثر تقهقر، وكلما حاول الفرد أن ينتقل من خطوته الأولى فإذا به في الخطوة الأولى، شيء يبعث على السأم.

لعل القريب من فهم العلاقة بينه وبين الله أكثر لملمة لنفسه ومشاعره، وقد يستطيع أن يخرج نفسه من مأزق الوقوع في المصيبة الأكبر، فهذه العلاقة؛ مع تقويتها المستمرة؛ لها فضل الإنقاذ، وفضل التفاؤل، وفضل الأمل، وفضل الرجاء، وهذه العلاقة ليست بعيدة، ولا مستحيلة، فهي في متناول كل واحد، وفي مقدور كل واحد إقامتها، فليس هناك بين الفرد وربه من حجاب، إلا حجاب الدرن المتوغل في النفوس، والمغلف للعقول، ومع ذلك يمكن تجلية هذا الدرن، ويمكن إزالته إلى الأبد، فقط يحتاج مجاهدة للخروج من أي مأزق يعيشه الإنسان في هذه الحياة، وكما قيل: «عندما تنتهي حلول الأرض، تبقى حلول السماء» وتعالى الله عن التشبيه، والتجسيد.

(العالم يختفي) حقيقة ماثلة، ومؤلمة، لعله الاختفاء لمعاودة الكرة لبناء حياة جديدة، فذلك مبدأ من مبادئ التفاؤل، وذلك ما ينشده الجميع، غمة زائلة، بإذن الله.