أفكار وآراء

هل اقترب زمن حروب الفضاء؟

20 مارس 2020
20 مارس 2020

إميل أمين -

ضمن التطورات المثيرة والخطيرة التي تنتاب العالم في السنوات الأخيرة يأتي الحديث عن حروب الفضاء التي باتت تقترب يوما وراء الآخر، وكأن حروب البر والبحر والجو لم تكن تكفي لمواجهات البشر بعضهم البعض.

علامة الاستفهام الأولى في هذا السياق: هل فكرة حروب الفضاء فكرة جديدة لم تظهر من قبل على صعيد التفكير الإنساني، أم أنها كانت قائمة وقد حان وقت استنهاضها من جديد؟

الشاهد أن الفضاء الخارجي كان دائما يشاغب عقل الناس، ومع ارتياد الفضاء من قبل السوفيات بداية، ثم صعود الأمريكيين إلى القمر، بات الطريق مفتوحا ومعبدا للتفكير في استغلال الفضاء كمنصات عسكرية في مواجهة الدول.

على أن أول بادرة حقيقية في طريق حروب الفضاء كانت في العام 1983 حين اطلق الرئيس رونالد ريجان «مبادرة الدفاع الاستراتيجي»، أو «حرب النجوم»، وهي برنامج لتطوير نظم دفاعي صاروخي يعتمد على احدث التقنيات لإحباط أي هجوم قد تتعرض له الولايات المتحدة بالصواريخ الباليستية.

كانت الفكرة الأمريكية ببساطة شديدة عمل شبكة من أسلحة الليزر فوق سماوات أمريكا، شبكة يكون الهدف الرئيسي منها حماية سماء الولايات المتحدة الأمريكية من أي صواريخ يمكن أن توجه لها من ناحية الاتحاد السوفيتي، وعملها هو القضاء على تلك الصواريخ.

لم يكن الهدف منها دفاعيا بالمطلق في واقع الأمر، وإنما هجومي أيضا، ذلك انه في اللحظة التي كانت فيها واشنطن ستشعر أنها محمية تماما، يكون من اليسير قيامها بأي مغامرات عسكرية تجاه الاتحاد السوفيتي.

مؤخرا تحدث عدد من الخبراء في علوم الفضاء والفيزياء من نوعية «لي بيلينجز»، المحرر المتميز لدى مجلة « ساينتفيك امريكا»، بالقول: إن الاشتعال العسكري الأكثر إثارة للقلق في العالم لا يوجد في مضيق تايوان، أو شبه الجزيرة الكورية أو إيران، أو إسرائيل، أو كشمير، أو أوكرانيا، ولا يمكن تحديد موقعه على أي خريطة للأرض، ومع ذلك فمن السهل للغاية العثور عليه.

لكي تراه انظر فقط إلى سماء صافية، للفضاء المحيط بمدار الأرض، حيث يتكشف أمامك صراع وسباق تسلح لا ينقصه سوى الاسم.

في تقرير له قبل ثلاثة أعوام يخبرنا «بيلينجز» انه قد يكون فراغ الفضاء الخارجي هو آخر مكان نتوقع أن تتنافس فيه الجيوش على المناطق المتنازع عليها، إلا أن الفضاء الخارجي لم يعد فارغا، ففي محيطه يدور حوالي 1300 من الأقمار الصناعية النشطة، تحيط بالكرة الأرضية في عش مزدحم من المدارات، من اجل توفير الاتصالات في جميع أنحاء العالم، وتحديد المواقع والملاحة، والتنبؤ بالأحوال الجوية ومراقبة الكواكب.

بالنسبة للجيوش التي تعتمد على بعض من تلك الأقمار الصناعية في طرق الحرب الحديثة، اصبح الفضاء بمنزلة التل المرتفع في نهاية الطريق، حيث الولايات المتحدة هي الملك المتوج عليها بلا منازع.

غير أن الانفراد الأمريكي بالمشهد لم يعد كما كان الأمر من قبل أربعة عقود أي في زمن رونالد ريجان، إذ تسعى الآن كل من الصين وروسيا بقوة إلى تحدي التفوق الأمريكي في الفضاء عبر برامجها الفضائية العسكرية الطموحة.

على أن علامة الاستفهام الرئيسية في هذا السياق: من الذي أعاد إشعال هذا السباق مرة أخرى وعلى هذا النحو المزعج لجميع سكان الأرض؟

مؤكد أن البرامج الأصلية لم تختف من أدراج الهيئات العسكرية المختصة، وكل ما جرى لا سيما على الجانب الأمريكي، لا يتجاوز التهدئة التي فرضتها سياقات التنافس القطبي، فبعد انهيار الاتحاد السوفيتي أوائل تسعينات القرن الماضي، اعتبرت واشنطن انه لا فائدة من الإنفاق العسكري الهائل مرة أخرى، وبخاصة مع اضمحلال خطر المواجهة العسكرية مع الاتحاد السوفيتي.

استمر الأمر على هذا النحو حتى مجيء الرئيس دونالد ترامب إلى الحكم العام 2016، وقد رأى من حوله صحوة روسية مثيرة يقودها القيصر بوتين، صحوة غيرت الأوضاع وبدلت الطباع، وقد كانت دهشة الأمريكيين ولا تزال غير طبيعية في مواجهة أسلحة روسيا الفضائية الجديدة، مما اجبر الأمريكيين على استخراج مخططات برنامج حرب الكواكب من الأدراج ثانية، ووضعها على مائدة التنفيذ مرة أخرى.

هل أخذت واشنطن خطوات جدية في هذا الإطار بالفعل؟

المعروف انه في أواخر شهر أغسطس من العام الماضي 2019، دشن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رسميا ما يعرف بالقيادة الأمريكية للفضاء «سبيس كوم»، وهي وحدة جديدة بوزارة الدفاع ستتولى توحيد عمليات الأمن القومي الأمريكي في الفضاء، وبتدشين هذه القيادة تكون الولايات المتحدة قد أقدمت على تشكيل قوة عسكرية في الفضاء، وبدأت في تحضير الساحة للمعركة المقبلة، حيث يمكن ردع هزيمة جيل جديد من التهديدات التي ستواجه أمريكا مستقبلا، والمبدا الذي تستند عليه بالقوة الجددة في طبيعة عملها يؤكد أن من يملك الفضاء يملك الأرض، وهي وان كانت منفصلة عن باقي القوى التي تشكل الجيش النظامي الأمريكي إلا أنها مساوية لها ولا تتعارض معها.

لم يدار أو يوار الرئيس الأمريكي الهدف من هذه القوة، فخلال مراسم التدشين في البيت الأبيض قال الرئيس الأمريكي أن قيادة الفضاء هي الحرب الأحدث من نوعها، وان الوحدة الجديدة ستتولى مهمة الدفاع عن المصلحة الحيوية لأمريكا في الفضاء « مجال الحرب القادمة»، مضيفا: إن «سبيس كوم» ستردع بقوة أي عدوان وتتفوق على منافسي أمريكا أي الصين وروسيا إلى حد بعيد.

هنا يمكن القطع بأن القوة الفضائية العسكرية الأمريكية الجديدة سوف تكتب ولا شك فصلا جديدا في تاريخ القوات المسلحة الأمريكية، مستهدفة الاستعداد وتحضير الساحة لمعركة «حرب النجوم»، المقبلة، فعلى غرار الأرض والبحر والجو، بات الفضاء ساحة للتنافس والسباق والقتال بين القوى العالمية، حيث إنه من وجهة نظر الدول العظمى ليس كافيا أن يكون هناك تواجد في الفضاء حين يتعلق الأمر بالدفاع.

وباختصار غير مخل تمثل القوة الفضائية الجديدة الفرع السادس للجيش الأمريكي النظامي، ومهمتها المقترحة قيادة الفضاء الخارجي والاضطلاع بمعظم أنشطة الولايات المتحدة العسكرية فيه، ومواجهة النفوذ المتزايد والمنافسة المتنامية والتهدديات المستمرة من روسيا والصين ومحاولاتهما لعسكرة الفضاء، حيث تشير التقارير المخابراتية الأمريكية إلى انهما يطوران تكنولوجيا قادرة على إيقاف عمل أو تدمير الأقمار الصناعية ذات الأهمية الحيوية لأنظمة الاتصالات.

علامة استفهام مثيرة أخرى: هل سباق الروس إلى الفضاء سبق مجيء دونالد ترامب إلى البيت الأبيض؟ في غالب الظن أن ذلك كذلك بالفعل، ذلك أن استراتيجية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تركزت على أسلحة نوعية فتاكة مزعجة للأمريكيين ومن غير الدخول في متاهة سباق الأسلحة والتسلح الذي ارهق الاتحاد السوفيتي سابقا، وفي مقدمة تلك الأسلحة الصواريخ الفضائية.

ما يؤكد صدقية هذا الحديث انه في العام 2014 أي قبل دخول ترامب البيت الأبيض بعامين، وفي زمن باراك أوباما اطلق الروس قمرا اصطناعيا غامضا، كان ينظر إليه على انه يتحرك بشكل غير طبيعي في مداره، واعتقد البعض وقتها أن الروس يختبرون سلاحا مستقبليا في الفضاء قد يكون عدائيا للأقمار الأخرى.

في ذلك الوقت راجت مخاوف بين الدول الكبرى حول أن يكون هدف هذا القمر الاصطناعي الروسي الغامض هو شن هجومات إلكترونية على أقمار أخرى، بهدف التشويش عليها في أي صراعات عسكرية مستقبلية.

اطلق الصاروخ المثير للجدل تحديدا في شهر مايو 2014، وكان على متن صاروخ فضائي يحمل ثلاث شحنات أخرى، في عملية إطلاق سرية لم يتم الإعلان عنها بشكل رسمي، وكان يشتبه في البداية بانه مجرد حطام في الفضاء، لكن المناورات الغربية التي قام بها الجسم الروسي الغامض جعل الولايات المتحدة الأمريكية تصنفه باعتباره قمرا اصطناعيا.

أضف إلى ذلك أن روسيا تستعد لتزويد قواتها المسلحة بمنظومة صواريخ جديدة مضادة للأهداف الجوية اطلق عليها « اس 500 »،، وتتميز منظومة الصواريخ هذه بقدرتها على التعامل مع الأهداف المطلوب تدميرها في الفضاء القريب حول الأرض وهو ما لا تقدر عليه شقيقتها الأكبر عمرا « اس 400 ».

ويوضح الخبير العسكري «فيكتور ليتوفكين» أن بإمكان منظومة « اس 500 » مكافحة الأقمار الاصطناعية العسكرية للعدو المحتمل، فضلا عن تدمير الطائرات والصواريخ الهجومية على اختلاف أنواعها بما فيها الصواريخ الأسرع كثيرا من الصوت.

أين الصين من هذه الحرب الفضائية الخارجية؟

الجواب عند « براين هارفي»، وهو خبير فضائي ومؤلف كتاب « إعادة ميلاد برنامج الفضاء الروسي، وعنده أن تاريخ روسيا مع هذا النوع من الأقمار الاصطناعية يعود إلى عام 1963، لكنهم ليسوا أصحاب الفكرة الأساسية ف « الخبراء الحقيقيون في تطوير أقمار اصطناعية صغيرة وقابلة للتحكم وقادرة على تغيير المدارات والقيام بعمليات اعتراض متعددة ضد أقمار أخرى هم الصينيون».

والمعروف انه في عام 2007 ارتفعت المخاطر الناتجة عن النفايات الفضائية، الأمر الذي اظهر مقدرة الصين الصاروخية في الفضاء، إذ أطلقت وقتها صاروخا لتدمير احد أقمارها الصناعية الخاصة بالطقس في المدار الأرضي المنخفض.

وقتها أدرك العالم أن الصين باتت شريكا فاعلا على المستوى الفضائي الدولي، ففي الآونة الأخيرة أطلقت الصين ما اسماه العديد من الخبراء تجارب إضافية للأسلحة الحركية الأرضية المضادة للأقمار الاصطناعية، ويصر المسؤولون الصينيون على أن الغرض الوحيد من الاختبارات هو الدفاع الصاروخي السلمي وإجراء التجارب العلمية، لكن هذا الحديث مشكوك فيه سيما بعد إطلاق الصين صاروخ ارتفع إلى 30 ألف كيلومتر فوق الأرض مقتربا من الملاذ الأمن للأقمار الاصطناعية الاستراتيجي في المدار الأرضي المتزامن.

هل كانت أوروبا بعيدة عن سباق الأقمار الاصطناعية ؟ يبدو أن فرنسا كانت تمثل أوروبا، إذ أعلن الرئيس ماكرون مؤخرا عن إنشاء قوة فضائية فرنسية عسكرية لتكون جزءا من القوة الجوية للجيش الفرنسي، حيث تختص بالدفاع عن أقمارها الاصطناعية، إذ يتطلع الجيش الفرنسي إلى امتلاك الجيل التالي من الأقمار الاصطناعية بكاميرات لتحديد موقع أعدائهم.

هل هو زمن الحروب الفضائية ؟

اغلب الظن أن ذلك كذلك.