Ahmed
Ahmed
أعمدة

نوافذ :«كرونا».. بين الألم والأمل

20 مارس 2020
20 مارس 2020

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

منذ أكثر من خمسين عاما، حيث العمر الجميل الذي أكرمني الله به، لم أعش حالة إنسانية قاسية؛ كغيري في هذا العالم؛ من حلول هذا الوباء «الجائحة» على البشرية، لأوبئة مماثلة، وبهذه الشمولية التي تجتاح العالم كله من أقصاه إلى أقصاه، وإن تناوبت على هذا العالم بعض الأوبئة بين كل فترة وأخرى، فهي لن تلبث أن تتموضع في قارة دون أخرى، أو بلد دون آخر، ولكن سبحان الله - وكما هو قول الشاعر-:

«ولرب نازلة يضيق بها الفتى ذرعا.. وعند الله منها المخرج

ضاقت فلما استحكمت حلقاتها.. فرجت وكنت أظنها لا تفرج»

والشاهد في هذا الأمر، أنه على الرغم من ألم الحالة، وقسوتها على الناس، الذين اكتووا بها، فقدا، وعللا، أو الذين قطعت أوصال معارفهم وأصدقائهم، حيث أصبح الجميع موضع شك، بصورة لا إرادية، إلا أنها غيرت سلوكيات الناس، وأزاحت أخرى، قربتهم معنويا، وإن تناءوا ماديا؛ كأجسام ملموسة؛ حيث نقرأ، ونشاهد، ونسمع عن مجموعات من المبادرات التي يقوم بها الناس، هنا أو هناك، فقد انسل الكثيرون من مظانهم الخاصة، وأصبحوا للمجموع أقرب، تناهوا في الآخر، فأصبحوا اليد المعطاء بلا مقابل، والضمير الحي بلا منازع، فرق تتشكل لتؤدي خدماتها لآخرين؛ وبلا مقابل؛ من غير أن يعرفوهم، أو يمتُّون لهم بصلة، وضعوا أسماءهم وأرقام هواتفهم على وسائل التواصل الاجتماعي، بغية تقديم خدماتهم الإنسانية لكل من تقطعت به السبل، وخاصة في فئات كبار السن، والعجزة، في زمن متهم كثيرا بقطع التواصل، وبزيادة البعد، وبتسلط المادة، ومع ذلك تخرج هذه الفئات جميعها من رحم هذه المعاناة لتبدد كل هذه المخاوف، وتعرض نفسها خدمة للآخرين، إنها الإنسانية في أجل مواقفها.

ساهم (كرونا كوفيد19) وبلا شك، في تعميق الأزمة المالية، والإنسانية لدى كل الدول؛ بلا استثناء؛ فقيرها وغنيها، حيث يواجه الجميع واقعا غير محسوب الخطى، وخرج عن كل الاحتمالات، ولم تبق إلا رحمة الله بعباده، فتاريخ انتهائه غير معروفة، وتأثيراته المباشرة تتعمق يوما بعد يوم، وكان الله في العون، ومع ذلك يجد كثير من الناس، محطات للتندر، للتخفيف من قسوتها، والخروج من مأزق المعاناة، ومما قرأت تغريدة لـ«محمد صادق الحسيني» تحت عنوان (من طرائف كرونا): «التقيت بصديق لي ومددت له يدي مصافحا له، فخاطبني قائلا مازحا: (لئن بسطت إلي يديك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين) وكتب آخر: «أكثر واحد أحسه متورط إلّي متزوج على زوجته، ثانية بالسر، ما عنده حجة عشان يطلع من البيت: لا استراحات، ولا سفريات، العمل إجازة إجبارية، حتى الصلاة يصلي في بيته!!؟؟ «الله يعينه». هذه بخلاف التنظيرات، والتفسيرات، والاجتهادات للخروج بالوصفات الشعبية للعلاج، وما يرافق من تفسيرات لهذه الظاهرة الكونية التي أحلت بالبشر، في فترة زمنية قياسية، ومن غير استعداد يذكر.

وامتداد للألم أكثر، أن يسعى آخرون لاستغلال هذه الجائحة للتربح الشخصي، وكأنه يعيش في جزيرة معزولة، ولولا القبضة الحديدية من قبل الحكومات في كل دول العالم، على مفاصل هذه التجاوزات، لباع الناس بعضهم بعضا، وهذا ما يؤسف له حقا، حيث حالة التناقضات الغريبة والعجيبة في سلوكيات الإنسان، فئة تضحي بالغالي والرخيص لإسعاد آخرين في أوج محنتهم، وفئة تستغل هذه الظروف للتربح، وإسعاد نفسها فقط، حيث الأنانية المتأصلة في ذواتها الضيقة.

نسأل الله تعالى أن يمن على خلقه في مشارق الأرض ومغاربها بعفوه ورضاه، وأن يلطف بهذه الأمم، ويرفع عنها الضر والمحن، ولعماننا الحبيبة الدعاء بالأمان والسلام، إنه حميد مجيب.