أفكار وآراء

«كورونا» بين الوباء والمؤامرة!

18 مارس 2020
18 مارس 2020

عبدالله العليان -

إنه مع تقدم العلم، وإمكاناته الكبيرة والهائلة، عجز قدرات العلوم المتطورة، عن محاصرته وتطويقه منذ أسابيعه الأولى، ومن هنا تتحلى القدرة الإلهية، بأن الإنسان يظل مخلوقاً ضعيفاً وعاجزاً في أحايين كثيرة، حتى عن حماية نفسه من فيروسات صغيرة الحجم التي قد لا ترى بالعين المجردة،

تابعت منذ عدة أسابيع، الكثير من التحليلات والتعليقات والبيانات، التي تصف وباء ( كورونا.. كوفيد 19)، الذي انتشر في العالم على نطاق واسع، لم يسبق له مثيل، منذ ما يزيد على أكثر من قرن تقريباً، وهو ما يبعث على الحيرة لهذا الانتشار الواسع لكل القارات، وبحسب التحليلات الطبية الخالصة، أن هذا المرض الذي ظهر أول ما ظهر في الصين كما نشر، يعتبر من الأوبئة، التي مرت وتمر على البشرية منذ بدء الخليقة، وبعض هذه الأوبئة، يظهر لأول مرة، كما فيروس «كورونا»، فالأمراض الوبائية، تمر بين عدة عقود وأخرى، أو أحياناً بين قرون وأخرى، ولذلك يتم تسميتها بأسماء تقترب من الحالة المرضية التي ظهرت فيها، وربما في القرون الماضية، ونتيجة عدم التواصل البشري بين الشعوب قديما، فإن هذه الإمراض، بقيت محدودة في البيئة التي انتشر فيها هذا الوباء، أو بحكم التواصل بين الشعوب المتجاورة فينتشر.. وكما سمعنا من بعض كبار السن، قبل أربعة عقود، عن ظهور مرض (الطاعون)، الذي ظهر في بعض المدن العمانية، ومنها مدينة ظفار، وأجزاء من اليمن الجنوبي «سابقاً»، وحصد المئات من الوفيات، وربما أكثر حسب بعض التقديرات التي تم الحديث عنها، في ظل غياب العلاج الكافي لمثل هذه الأمراض التي تظهر.

الإشكالية الغريبة فيما صدر من بعض الجهات والمؤسسات، عن هذا الوباء الخطير(كورونا)، مما قيل ويقال عن هذا الفيروس الوبائي، كبعض الاستنتاجات والفرضيات أنها تتحدث عن مخططات ومؤامرات كانت سبباً لهذا المرض، وأن الخلافات السياسية، أو الصراعات الاقتصادية بين الدول الكبرى، تم إسقاطها على هذا الوباء، في ظل هذه الصراعات القائمة، وكتصوير الأمر كمؤامرة لا تقبل الجدل من هذه الدولة على تلك، أو كأن هذا الوباء من صنع البشر، ومن مخططاتهم، وليس مرضاً وبائياً مثل الكثير من الأمراض الطبيعية!

وهذا للأسف كلام لا يعطي دليلاً أميناً لهذه الوباء، الذي يعتبر واحدا من الأوبئة التي مرت على البشرية ـ كما أشرنا ـ منذ فجر التاريخ، فالعقل لا يقبل مثل الكلام الخرافي أو الأوهام ـ إن توخوا أو توهموا الصدق لمثل هذه الأقوال ـ فالولايات المتحدة، على لسان بعض السياسيين، اتهم الصين، بالسعي للإضرار بمصالحها الاقتصادية، وربما يكون هذا الوباء إحداهما، مع تبادل التهم بينهما، والصين من جانبها اتهمت الولايات المتحدة بنشر هذا الوباء في الصين، من خلال الجنود الأمريكيين المقيمين في القاعدة العسكرية الأمريكية، ودول أخرى، أيضاً اتهمت دولا بعينها بنشر هذا الوباء، وهذه كنتيجة من نتائج الخلافات السياسية، فالمسألة تحولت إلى كلام خارج الوعي والعقل، في تقييم هذا المرض الوبائي، وكأن الحروب الباردة عادت من جديد، وبرز الإعلام كسلاح مساند وفق التوجهات الإيديولوجية، لكل طرف من الأطراف.

وأشار المتحدث باسم الخارجية الصينية تشاو لي جيان منذ عدة أيام: «إن الجيش الأمريكي، ربما جلب فيروس كورونا إلى مدينة ووهان الصينية، التي كانت الأكثر تضرراً بسبب التفشي».

ونشر تشاو لي جيان تغريدة بالإنجليزية في حسابه على «تويتر» قال فيها: «متى ظهر المرض في الولايات المتحدة؟ كم عدد الناس الذين أصيبوا؟ ما هي أسماء المستشفيات؟ ربما جلب الجيش الأمريكي الوباء إلى ووهان.. تحلوا بالشفافية! أعلنوا بياناتكم! أمريكا مدينة لنا بتفسير».

كما أن الولايات المتحدة أعلنت عن انتشار هذا الوباء في بعض المدن الأمريكية واتخذت بعض الإجراءات، وإن لم تتهم الصين مباشرة بنقل هذا الوباء، لكنها دائم التكرار من أن الصين تسعى للأضرار بمصالح الولايات المتحدة، لكن التوقع أن يرد بعض المسؤولين الأمريكيين على اتهامات الصين بنقل هذا الوباء للصين من خلال الجنود الأمريكيين، والإشكالية أن البعض صدق هذه الأقاويل عن المؤامرات التي اخترعتها بعض الدول، والبعض سائر هذه التهم بين هذه الدول وكأنها حقيقة ثابتة، وهذا يذكرني، بمسألة الحديث عن الإرهاب والتطرف، بأنه صناعة أو مؤامرة خارجية، وكل دولة تتهم الأخرى، بأنها وراء هذا التطرف، وأنه جزء من مؤامرة خارجية، وهذا في رأيي ليس دقيقاً، فالتطرف والإرهاب، ليس مؤامرة خارجية، بل حالة واقعية، لأسباب إما سياسية، أو اقتصادية، أو اجتماعية، أو حتى أسرية، ولذلك علينا ألا نهرب عن مواجهة الواقع وظروفه وتحدياته، ودراسة مثل هذه الظواهر، التي هي نتاج من الواقع القائم، وليس استيراد من الخارج، مثله من وباء (كورونا)!.

ولا شك أن هذه الحروب الاقتصادية القائمة، بين بعض الدول الكبرى، وتوقع استمرارها، سيتم تبادل الاتهامات في أي قضية من القضايا، سواء بنشر هذا الوباء، أو بغيره من التهم التي قيل عنها الكثير، وتصبح المؤامرة أحدى أهم الأسلحة بينهما في ظل هذا الصراع، والحقيقة أن هذا المرض الوبائي، كما تذكر بعض المعلومات العلمية، أنه يبدأ بين الحيوانات، ثم ينتقل للوسط الآدمي، لكن البعض يعتقد أنه من الأمراض الوبائية الخطيرة، التي لم تكتشف من قبل، وظهر في الإنسان، وليس في الحيوان، ولذلك لم يظهر بحسب التقارير، أن الحيوانات تأثرت بهذا المرض، بالمقارنة بالإنسان، لكن بعض المعلومات المنشورة، بعد ظهور هذا الوباء، تقول: «إلى أن فيروس «كورونا» منتشر في الجمال العربية في الشرق الأوسط وأفريقيا وجنوب آسيا.

ويُحتمل أن تكون هناك مستودعات حيوانية أخرى، ولكن الحيوانات مثل الماعز والبقر والغنم والجاموس والخنازير والطيور البرية قد خضعت للاختبار ولم يُكتشف فيها الفيروس».

وهذا يؤكد أن هذا الوباء الخطير حالة نادرة، ظهر حتى الآن، وربما يكون، قد ظهر في القرون الغابرة، كحالة مشابهة، لكنه باسم آخر، أو لم تتم تسميته علمياً.

والأمر المهم في هذا الوباء، أن ألا نقلب الحقائق، ونعترف بأن هذا المرض ليس مؤامرة، بل حالة مرضية واقعية، ليس إلا.

والشيء الأغرب انه مع تقدم العلم، وإمكاناته الكبيرة والهائلة، عجز قدرات العلوم المتطورة، عن محاصرته وتطويقه منذ أسابيعه الأولى، ومن هنا تتحلى القدرة الإلهية، بإن الإنسان يظل مخلوقاً ضعيفاً وعاجزاً في أحايين كثيرة، حتى عن حماية نفسه من فيروسات صغيرة الحجم التي قد لا ترى بالعين المجردة، ومع ذلك تستطيع هزيمته وإثارة اضطرابه..

ولله الأمر من قبل ومن بعد.