lama
lama
أعمدة

ذات: نحن في سفينة واحدة

18 مارس 2020
18 مارس 2020

لمى دعدوش -

[email protected] -

لعله قد آن الأوان للعالم البشري أن يتحد ويتشارك أخيراً بمشاعر واحدة تذكره أنه عالم من أصل إنساني واحد، فالعالم كله اليوم بعيش في بوتقة واحدة ويتصرف بطريقة واحدة، ويُفرض عليه تدابير وأحكام تجبره على الطاعة أملاً في السلامة قبل الندامة.

يشعر بشعور واحد ويخاف من عدو واحد، وقد توحّد العالم كله بفقيره وغنيّه، وجاهله وعالمه، وصغيره وكبيره، ومغموره ومشاهيره من أدناه إلى أقصاه، حين عاش جميعه نفس مشاعر الخوف الهلع، وحين عرف أنه ورغماً عنه يعيش مع الآخر ويشاركه الأرض بهوائها ومائها، ويؤثر بالآخر ويتأثر به، سواء علم أم لم يعلم، وقَبِل أم لم يقبَل.

لعل هذا الفيروس قد استطاع أن يجعل الناس تدرك أنها أمّة واحدة وجعلها تشعر ولو عنوةً بما يشعر به الغير، وقد جعلها حقيقة سواسية في كل شيء كما خُلِقوا وسيعودوا لبارئهم، فلا أنساب ولا ألقاب تنجي، ولا أموال ولا ثروات تغني.

هي رسائل ربّانية كونيّة تذكرنا أننا نتشارك ذات الكوكب، وأي تهاون من طرف مهما احتقرنا أو احترمناه هو ذا أثر كبير في حياتنا، فنحن لسنا بقارب الاستغناء ولسنا بمنأى عن الآخر مهما كان ومن أي مكان من العالم هو.

يذكرنا هذا بالحديث النبوي عن القوم الذين تشاركوا في السفينة، فإن تركوا من بالأسفل يحدثوا فيها شقاً هلكوا جميعاً، وإن منعوهم نجوا جميعاً وذاك لوحدة الحال والمصير والخطر والنجاة، وهذا تماما ما ينطبق عليه الحال اليوم، فمن أراد النجاة فليس عليه نفسه فقط، بل عليه أن يفكر بالجميع حين يلتزم بيته ويلّزم نفسه أن يتفكر في رسالة الوباء والمرض للعالم ورسالتها له هو بالذات.

هي رسالة لك ولي وللجميع، الجميع يلزم داره، يترك عمله، دراسته، مسؤولياته وأعبائه، هي فرصة لأن تتفكر بحالك وحياتك، وما لك وما عليك، وحقوق غيرك عندك، ومن ظلمت ومن آذيت.

هي حجر إلزامي ربّاني للناس أن تهيؤوا فالقادم قريب، هي فرض لا يُخالَف لإعادة الحسابات ثانية والتفكير في الآتي بجدية، بعد أن عُزِلوا عن كل ملهيات الحياة من أعمال وأسفار وسياحات، وزيارات وتجمعات وبورصات، وجامعات ودراسات بهدف واحد، هو أن يعلموا قدرة الله أولاً ويأخذوا فرصة ولو قصراً ليتفكروا، فهل الناس ستتفكر؟

هي رسالة جهلها من جهلها، ووعاها من وعاها.