Untitled-1777
Untitled-1777
المنوعات

آلي إيكرمان: هكذا تكيفت مع الثروة المفاجئة

18 مارس 2020
18 مارس 2020

حوار: ستيفاني كونفري -

ترجمة: أحمد شافعي -

كان في حساب آلي كوبي إيكرمان المصرفي سبعة وأربعون دولارا، وتعيش في عربة مجهزة كبيت حينما اكتشفت في مارس 2017 أنها فازت بأكبر جائزة أدبية في العالم، جائزة ويندهم كامبل.

تمثل الجائزة انقلابا في حياة أي كاتب. تديرها جامعة ييل، والمحكمون فيها مجهولون، وغير مسموح بالتقدم إليها (فهي مفاجأة بل صدمة لكل من اختيروا لنيلها، ناهيكم عمن اكتشفت أمر فوزها عبر رسالة وجدتها في البريد الإلكتروني المهمل)، وقد بلغت قيمة الجائزة 215 ألف دولار أسترالي (حوالي 130 ألف دولار أمريكي) للكاتب، حينما علمت إيكرمان أنها واحدة من ثمانية كتّاب.

يعلن عن جائزة ويندهام كامبل للعام الحالي الخميس القادم. وهدف الجائزة هو «لفت الأنظار إلى منجز أدبي وإتاحة فرصة للكتاب للتركيز على عملهم بمعزل عن الشواغل المالية».

كانت الجائزة مذهلة بالنسبة لإيكرمان، التي تنتمي للأجيال المسروقة في أستراليا، وقد بدأت الكتابة بجدية بعد أن عثرت على كلٍّ من أمها التي انقطعت بينهما السبل لزمن طويل، وابنها الذي أخذ منها.

تقول الشاعرة البالغة من العمر سبعا وخمسين سنة «كنت أعيش بلا ديون، وكنت فقيرة للغاية. والمرء يعتاد الحياة بتلك الطريقة. كنت أظن أنني أعيش حياة مريحة، حياة سعيدة، فكان مفاجئا للغاية أن تلقيت ذلك التكريم لعملي».

منذ نشرها للمرة الأولى ديوانها «وقت طويل بعض الشيء» سنة 2009 وحتى نشرها روايتها الشعرية «روبي مونلايت» ومجموعتها الشعرية «بداخل أمي» التي فازت بجائزة سنة 2015، كتبت إيكرمان بدافع من الألم والعنف والفقدان، كتبت لمداواة نفسها وغيرها من سكان أستراليا الأصليين الذين عاشوا في ظل الاستعمار.

ولدت إيكرمان في عام 1963، وفصلت عن أمها ـ الناجية من اختبار نووي بريطاني في مارلينجا بجنوب أستراليا ـ وكانت لم تزل رضيعة. تبنَّتها أسرة بيضاء تعيش في مزرعة في شمال شرق جنوب أستراليا.

تقول: إنها لم تعش حياة سعيدة في المدرسة، وتقول إنها طردت من المدرسة بسبب رفضها للعنصرية: «وتلك كانت نهايتي مع المدرسة».

في سن السابعة عشرة هربت. «لم أهرب حقيقة من بيت أسرتي بالتبنّي، ما هربت منه هو مجتمع التبني الذي كنت أعيش فيه». ومضت في طريقها ـ بقوة الغريزة كما تقول ـ إلى الصحراء (تقول: «لعلي كنت أشعر هناك بمزيد من الأمان»)، وانتهى بها المطاف في بلدة أولدي الصغيرة التي لا تزيد كثيرا عن محطة قطار على حافة سهل نولاربور. هنالك التقت بالرجل الذي سيكون والدا لابنها.

في بعض الأحيان كانت تصطاد الجمال البرية، وفي بعضها كانت تعمل في مهن يدوية. وعملت لفترة مع فريق لرصف الطرق. أحبت العمل في الأماكن المفتوحة ووجدت في بعدها عن البلد أنها تستطيع السيطرة على علاقتها بالمخدرات والكحوليات.

تغيرت الأمور حينما رجعت إلى الجنوب. كان ذلك في ثمانينيات القرن الماضي، وفي الوقت الذي لم يعد فيه إبعاد أبناء السكان الأصليين عن ذويهم مقننا، كان الدعم الجدي للآباء من السكان الأصليين قليلا. ذهب ابنها للتبني، فما كان من إيكرمان التي سرقت في طفولتها ثم سرق منها ابنها في رشدها إلا أن تقدمت لقضاء ستة أشهر في مركز إعادة تأهيل.

ولمّا خرجت من مركز إعادة التأهيل، بدأت بحثا طويلا عن أمها، وهي نجينجالي كولين، الناشطة والمنتمية إلى سكان اليانكونايتجارا الأصليين. تقول الآن: «مضت بي الغريزة حتى اقتربت للغاية»: تلك النقطة الضئيلة من المناطق المستوطنة على الخريطة التي عثرت عليها وهي في السابعة عشرة من عمرها تبين أنها محل ميلاد والدتها. مضت إلى آليس سبرنجز لتعيش على مقربة من أسرتها الأصلية، وهناك أمكنها أن تقترن أخيرا بابنها.

تقول: «فجأة صرت أما، وأدركت، يا إلهي، أن تلك الحفرة الخاوية التي كنت أستشعرها ليست أمي، تلك الحفرة الخاوية هي ابني. لا أعتقد أنني استطعت قط أن أقدِّر أثر خسارته. وقابلته، صار ملموسا، صار موجودا أمام عيني، شابا وسيما في الثامنة عشرة».

عاشا معا في سقيفة على حافة البلدة، بأثاث ملتقط من النفايات، في حماية أعين الكبار من أبناء المنطقة والمداوين التراثيين.

«تعلمت الكثير في تلك السنوات الأربع. كنت قد بدأت أتعلم قليلا من اللغة، والكبار كانوا يرعونني، بالثقافة الروحية والمداواة، وحينذاك بدأ الشعر يأتيني. ولم أعد مرغمة على الحذر».

بتشجيع من كاتبة زميلة، أرسلت مجموعة قصائد إلى مسابقة أجراها مركز الشعر الأسترالي. ولدهشتها، هي التي كانت تكتب لنفسها لا لتأسيس مسار مهني، أجيزت مخطوطة «وقت طويل بعض الشيء» للنشر.

تركت آليس سبرنجز بعد أن بدأت المقاطعة الشمالية تمزق المجتمع الذي أظهر لها الكثير من الحنان. تقول: «بكى قلبي أمرّ البكاء». لكنها استمرت في الكتابة، ناسجة قصص أسرتها التي عثرت عليها في قصائدها. وبرغم قلة النقود، بدأت تقيم أول معتزل للكتَّاب الأصليين في بيتها القائم ببناية استعمارية قديمة في كولونجا. «كان الناس يدخرون لشهور في سنترلينك ثم يأتون لقضاء الإجازة الأسبوعية والجلوس حول النار جالبين معهم أبنائهم».

في 2013، فاز كتابها روبي موونلايت بجائزة كتاب العام من نيو ساوث ويلز، وبعد قليل من ذلك انتقلت إيكرمان إلى أديلايد، حيث أقامت في العربة التي تلقت فيها خبر فوزها بجائزة ويندهام كامبل. تقول: إنها قضت السنوات الثلاث الماضية حتى تشعر بفوائد الفوز بالجائزة ـ ومن أضخم فوائد الجائزة أنها أعادت ترتيب أفكارها فباتت ترى الكتابة مهنة، بقدر كونها مسارا شخصيا وطريقا للتداوي. «الأسس القوية لا تقام على عجل ... استغرقت بعض الوقت لكي أتكيف. الآن عليّ أن أقبل بكوني كاتبة معروفة عل المستوى الدولي».

منحها معهد ملبورن الملكي للتكنولوجيا منصب أستاذ مساعد لمدة ثلاث سنوات، وبدأت تستثمر في مهنتها ككاتبة، فهي تعمل على مجموعة مقالات ورواية. وبنقود الجائزة، قامت بتمويل منحة إشرافية لكاتب شاب من أبناء السكان الأصليين، وأمكنها أن تساعد أفرادا في العائلة «لا يزالون يعيشون حياة متواضعة للغاية» وخصصت لنفسها راتبا.

وهذا الراتب أتاح لها أن تقضي وقتا مع والدتها بالتبني التي توفيت قبل أشهر قليلة.

تقول إيكرمان «كنت بحاجة إلى ذلك الوقت فعلا، لأنها الأم التي عرفتني لأطول فترة في حياتي، وعرفت كل جانب في رحلتي. كان مهما للغاية بالنسبة لي أن أجلس بجانبها. وكان بوسعي أن أتحمل التبعات المالية لذلك، حتى النهاية».

نشر الحوار في جارديان