المنوعات

الهدف منه التباعد الاجتماعي المؤقت - ماذا بعد تعليق الدراسة في المؤسسات التعليمية؟

14 مارس 2020
14 مارس 2020

عاصم الشيدي -

كان البعض ينادي منذ أيام بتعليق الدراسة في جميع المؤسسات التعليمية المدرسية والجامعية احترازيا خوفا من تفشي فيروس كورونا في المدارس والجامعات، فيما كان البعض يعارض هذا النداء العالي ويعتبر تعليق الدراسة له مضار مرتبطة بالثقافة المجتمعية التي لا يلتزم فيها الطلاب بالبقاء في المنازل خلال فترة الإجازات، إضافة إلى كثرة التجمعات العائلية مع عودة الطلاب الدارسين في مسقط، على سبيل المثال، إلى بلدانهم في المحافظات، ومع تجمعهم للعب سواء في ملاعب كرة القدم الترابية التي لا تخضع لسلطة وزارة الشؤون الرياضية أو عبر التجمعات اليومية في الحوائر. وكثر الجدل بين مؤيدي الرأيين خلال الأيام الماضية عبر وسائل التواصل الاجتماعي وعبر الأحاديث المباشرة في المجالس والتجمعات الأسرية.

لكن الحالة رقم 19 والتي أعلن عنها قبل أيام وما زالت تحت البحث الوبائي لأنها لم ترتبط بعودة من سفر خارجي جعلت اللجنة العليا المكلفة ببحث آلية التعامل مع التطورات الناتجة عن الفيروس تتخذ إجراء احترازيا لتعليق الدراسة ولمدة شهر كامل خوفا من أن يكون هناك نقل مجتمعي للفيروس، ولا شك أن لدى اللجنة مبرراتها ولها رؤية معتمدة على المؤشرات البروتوكولية العالمية المعمول بها في مثل هذه الجوائح المرضية. ومع بدء سريان تعليق الدراسة اليوم في جميع محافظات السلطنة فإن السؤال الذي يبرز الآن ماذا بعد تعليق الدراسة؟

وهذا هو السؤال الجوهري اليوم؟ هل تعليق الدراسة وحده كفيل بحماية الطلاب من خطر الفيروس؟

لا شك أن اللجنة العليا لم تعلق الدراسة من أجل أن يتجمع الطلاب في مكان آخر ربما تكون بيئته أكثر استعدادا لانتقال العدوى الفيروسية ولكن علقت الدراسة بهدف «التباعد الاجتماعي» وهو أن يكون الناس بمن فيهم الطلاب بعيدين عن بعضهم البعض خلال هذه المدة الزمنية، وهذا التباعد يقلل النقل المجتمعي للفيروس فيما إذا كان قد بدأت هذه المرحلة من مراحل الجائحة.

ولذلك فإن المطلوب من أولياء الأمور أن يبقوا أبناءهم الطلاب في منازلهم بعيدا عن أخطار العدوى. والكرة الآن في ملعب الأسرة لتبقي أبناءها بعيدا عن الخطر، وحتى تساعد في كبح جماح انتشار الفيروس ولا ينتقل إلى مرحلة أخرى تكون فيه العدوى محلية وليست قادمة عبر السفر. نفهم إذن أن تعليق الدراسة يأتي في سياق الاحترازات العامة لانتشار الفيروس وكذلك الاحترازات الخاصة كي لا ينتشر الفيروس في المدارس وهي بيئة قابلة لأن ينتشر فيها الفيروس بشكل كبير نظرا لقرب الطلاب من بعضهم البعض في الفصل الدراسي وكذلك لقلة وعيهم في مجال العادات الصحية السليمة. ولذلك لا بد أن نضع هذه الإجازة الطارئة في موضعها الصحيح ونجعلها تساهم في السياق الذي جاءت وفقه لا نجعلها تنعكس سلبا على الطلاب وعلى المشهد العام. ويمكن للأسر في هذا السياق أن تعتمد برنامجا يوميا تدريسيا منزليا لأطفالها عبر تخصيص أوقات يومية لاستذكار الدروس السابقة وقراءة الدروس الجديدة مع مساعدة الوالدين في ذلك، وكذلك تشجيع الطلاب على القراءة الحرة بعيدا عن المنهج الدراسي.

كان معرض مسقط الدولي للكتاب قد أغلق أبوابه قبل أقل من شهر من الآن وارتاده عشرات الآلاف من طلاب المدارس والجامعات وشاهدت بنفسي المئات منهم يحملون أكياسا ملأى بالكتب من قصص وروايات وهذه فرصة ذهبية للعودة لها واخراجها من تلك الأكياس التي جاء بها الطلاب من المعرض، وهي فرصة أيضا لنجعل أبناءنا يلتفتون لثقافة مهمة جدا وهي ثقافة القراءة التي تكاد تغيب عن الكثيرين منا طلابا وكبارا وسط مشاغل الحياة اليومية والجري وراء مصادر الرزق، رغم أن القراءة أحيانا وحدها مصدر ملهم من مصادر الرزق. وقد يطرح الكثيرون اشكالية أن المكتبات العامة غير متوفرة في الأحياء السكنية ولا حتى في الولايات من أجل أن يستعير الطلاب كتابا وقصصا يمكن بها أن يشغلوا أوقات فراغهم وهذه قضية كبرى مطروحة منذ سنوات طويلة، ولكن ربما اليوم تعالج بالكتب الإلكترونية الموجودة على نطاق كبير، أو بالشراء والتسوق عبر الانترنت الذي يوفر الكتب المطلوبة في وقت قياسي إضافة إلى انتشار بعض متاجر بيع الكتب في بعض الولايات والتي يمكن أن تحل بعض هذه القضية ولو بشكل وقتي. المهم أن يتم استغلال هذه الإجازة بشكل إيجابي للطلاب. وهذه مناسبة للتأكيد أن الوضع ليس عاديا وما نشاهده في العالم من حولنا يجعلنا نتخذ إجراءات وقائية أكبر قد تصل إلى حد تغيير عاداتنا اليومية التي يعتقد البعض أن فيها ما يتنافى مع الصحة.

هذه جائحة عالمية ليس على الحكومة وحدها التعامل معها ولكن علينا كلنا أن نقف يدا واحدة في سبيل تجاوزها لأن تأثيرها يطال الجميع ولا أحد في مأمن عنها فيما لو انتشرت بشكل خارج عن السيطرة. وقد سمعنا وشاهدنا ما حدث ويحدث في دول متقدمة علميا وصحيا وتكنولوجيا ولكن عندما حاصرها الوباء لم تستطع وحدها العبور منه دون أن يساهم وعي المواطن في المقام الأول بالدور الأكبر وهذا ما نأمله من العمانيين والمقيمين على هذه الأرض الطيبة.