التسوق المستدام.. ظاهرة للاستدامة والاستهلاك السليم في السلطنة
كتبت: صفاء الأبروية -
الاستهلاك المستدام أو الاستهلاك الأخضر، صديق البيئة ظاهرة عالمية متنامية بدأت مؤخرًا كرد فعل على الأضرار البيئية التي أنتجها الاستهلاك الجماهيري للمنتجات والسلع، وبدأ النوع الجديد من الاستهلاك يثبت جدارته خصوصًا مع اتساع مدى تأثيره لكل أطراف العملية الاستهلاكية بدءًا من المستهلك وانتهاءً بالبيئة، ففي دراسة أجراها باحثون بجامعة كونكورديا في مونتريال بعد خمس تجارب اكتشفوا أن المنتجات الخضراء تضع المستهلكين بشكل عام في مزاج جيد وإطار عقلي إيجابي، كما أنهم شعروا بإحساس أعلى بالقيمة الذاتية والاندماج الاجتماعي، ولا يشعرون بالعزلة، ومن هذا المنطلق جاء شعار اليوم العالمي للمستهلك والذي يصادف الخامس عشر من مارس هذا العام «المستهلك المستدام»، وذلك للتركيز على أحد حقوق المستهلك العالمية » الاستدامة «لإشراك المستهلكين وتمكينهم من اتخاذ الخيارات المستدامة اللازمة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة. صفحة المستهلك هذا الأسبوع تسلط الضوء على هذه الظاهرة وممارساتها وانعكاساتها.
بداية تقول عزيزة مراسلة ومساعد ةالمشروع الإقليمي بمكتب الشرق الأوسط للمنظمة العالمية للمستهلك، بأن اختيار موضوع اليوم العالمي لحقوق المستهلك 2020 تحت شعار» المستهلك المستدام« جاء بناء على عدة معطيات تؤكد أننا وصلنا لنقطة حاسمة يجب علينا فيها اتخاذ إجراءات صارمة للوقوف ضد تداعيات أكثر سواء للتغير المناخي والتلوث البيئي وارتفاع مستويات الهدر والمشاكل الصحية التي تتسبب فيها وسائل التخلص من النفايات وغيرها من المشاكل التي ترتبط جميعها بالسلوك الاستهلاكي، حيث من المتوقع أن يضر بكافة القطاعات على وجه الأرض.
دور المستهلك
وتضيف المراسلة: كمستهلكين يمكننا لعب دور مهم، حيث إن خياراتنا اليومية في الشراء والعمل على تغيير نمطنا الاستهلاكي قادرة على إيجاد التغيير والحد من المشاكل البيئية التي يتسبب فيها الاستهلاك المفرط وغير العقلاني للموارد. خيارات الشراء التي نتخذها وكيفية استخدامنا لهذه المشتريات والتخلص منها تمكننا من التأثير على النظام بأكمله (من الإنتاج والتصنيع إلى التعبئة والتغليف والتخلص) عن طريق مطالبة سلاسل التوريد بالمزيد من المنتجات والخدمات المستدامة.
من أجل حماية بيئتنا وتوفير ظروف اجتماعية عادلة للأجيال الحالية والمستقبلية، نحتاج إلى التفكير في الطريقة التي ننتج بها ونستهلك السلع والخدمات. الهدف من الاستهلاك المستدام هو زيادة كفاءة الموارد والتجارة العادلة مع المساعدة في تخفيف حدة الفقر وتمكين الجميع من التمتع بنوعية حياة جيدة.
تعزيز الوعي
من جانبها قالت أميرة اليعربية: أبادر عبر حساباتي على شبكات التواصل الاجتماعي amira_alyarubi@) بتعزيز الوعي في حفظ البيئة والتي يعد التسوق المستدام أو الأخضر أحد العناصر المؤدية إلى ذلك، وهو ما يعكس اهتمامنا بالبيئة فأنا استخدم حساباتي كأداة لإرسال رسائل تذكيرية للناس حول أهمية الحفاظ على البيئة كمسؤولية تقع على عاتقهم، وبشكل أساسي اعتمد على إعادة نشر الحملات العالمية الخاصة بإعادة تنظيف البيئة لتشجيع الناس على أن يكونوا جزءًا منها، لأنه للأسف أغلب الناس يعتقدون أن الحفاظ على البيئة هو مسؤولية أي شخص آخر غيرهم، ولكن لكوننا جميعا نعيش على ذات الكوكب فإن الحفاظ على البيئة هو مسؤولية كل فرد فينا.
وتضيف اليعربية: في الإطار الشخصي فإنني أمارس السلوك المستدام في حياتي اليومية، فمثلًا مؤخرا اتبعت نظاما يقلل قدر الإمكان من المخلفات البلاستيكية، حيث استبدلت استخدام عبوات المياه البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد إلى العبوات ذات الاستخدام المتعدد والتي يمكن تكرار استخدامها، كما نستخدم في المنزل الماء المفلتر (Filtered water) بينت لأطفالي ثقافة استخدام علبهم الخاصة وعدم استخدام العلب البلاستيكية، وهذا تغيير بسيط ولكن تأثيره كبير جدًا فإذا ما افترضنا أن الفرد يستهلك في اليوم الواحد حوالي 4 عبوات بلاستيكية فإن معدل استهلاكه السنوي يبلغ حوالي 1344 علبة مياه بلاستيكية، وهنا رسالة أود إيصالها بعدم الاستهانة مطلقًا بالجهد الفردي الصغير لأنه هو الذي يصنع التغيير الكبير في المجمل، وبالإضافة إلى العلب البلاستيكية فإنني استبدلت أيضًا الأكياس البلاستيكية بالقماشية، وأكواب القهوة الورقية، بكوب خاص بي أحمله معي إلى أي مقهى قهوة، وأيضّا فراشي الأسنان البلاستيكية استبدلتها بالفراشي المصنوعة من خشب البامبو وغيرها من الممارسات الخضراء.
إعادة التدوير
وتضيف: في العادة فإن من المفاهيم التي تطرأ على فكرنا عند الحديث عن التسوق المستدام «الأخضر «والحفاظ على البيئة هو إعادة التدوير، ولكن في الحقيقة فإن إعادة التدوير هو خطوة ثالثة أخيرة يمكن اللجوء إليها لتقليل الهدر والتسوق المراعي للبيئة فبحسب قاعدة The 3Rs (reduce, reuse, recycle) :فأولًا لابد من تقليل الاستعمال (يمكن أن أسأل نفسي قبل الشراء هل أحتاج المنتج فعلاً؟ وما هي الكمية التي أحتاجها؟) وثانيًا عبر إعادة استعمال ما قمت بشرائه (كاستخدام العلب الزجاجية بدل رميها)، وثالثًا إعادة التدوير لما هو غير مستهلك، في حال عدم القدرة على إعادة الاستخدام، ولكن للأسف الخطأ الذي يحصل هو قناعة شريحة كبيرة من الناس بأن إعادة التدوير هو الحل الأنجع للاستهلاك الصديق للبيئة والرشيد في ذات الوقت، لأنه في الحقيقة فإن إعادة التدوير تعد عملية تستهلك الكثير من الموارد الطبيعية، وهي ليست صديقة للبيئة ولكنها مخرج نهائي يمكن القيام به لتقليل الضرر.
هويّة
من جانبها تقول دارين مهدي: إن استخدامي لحساباتي على شبكات التواصل الاجتماعي (@dareen_mehdi)، جاء في المقام الأول للتعبير عن نفسي واهتماماتي، وما أقوم به من أنشطة تطوعية، ولأن جزءًا كبيرًا من عملي التطوعي مقترن بجمعية البيئة العمانية، ونظرًا لخلفيتي الدراسية والمهنية فإن الوعي البيئي هو الصبغة التي ظهرت بها حساباتي.
وأضافت: لدي إيمان شديد بنتائج التوعية، حيث أجد أنه من الصعوبة إقناع المجتمع بأي أمر أو نهيهم عن أي سلوك والوقوف فقط عند ذلك الحد، بل لابد من توعيتهم والأمر كذلك في فكرة التسوق المستدام أو الأخضر، فعلى سبيل المثال لو أدركنا أننا يمكن أن نوفر الطاقة بتقليل استهلاك عبوات مياه الشرب ذات الاستخدام الواحد حيث إن الطاقة المستهلكة لصناعة عبوة واحدة تعادل الطاقة المستهلكة لإضاءة بيت كامل في ساعة واحدة، بالتالي تبدأ تتشكل لدينا قناعات حول أهمية ما نقوم به خصوصًا عندما نفكر بالموضوع بشكل عالمي وجماهيري، فعندها سندرك أن كل قراراتنا اللحظية تؤثر على فرص حصول الأجيال القادمة على الموارد البيئية، وتضيف: علينا أيضًا أن نتفكر كيف استطاعت الأجيال السابقة عبر سلوكياتها اليومية في العيش بسلام مع البيئة لتتمكن من حفظ الموارد التي ننعم بها نحن اليوم، وإلى جانب الوعي ينبغي أن تكون هناك تشريعات قانونية تنظم الممارسات للحفاظ على البيئة كمنع استخدام البلاستيك على سبيل المثال.
صديق للبيئة
بينت دارين أن هناك عددا من الممارسات التي يمكن أن يقوم بها المستهلك ليكون صديقًا للبيئة، كاستخدام موارد الطاقة المتجددة، كالطاقة الشمسية على سبيل المثال واستخدام المواصلات العامة أو السيارات الكهربائية وأيضًا الاتجاه نحو الزراعة العضوية المحلية لتقليل نسبة الكربونات الناتجة من الاستيراد الخارجي، وأشارت إلى أنه يمكن أيضًا إعادة استخدام المياه الموجودة في المنزل عبر تكنولوجيا المياه الرمادية والتي تستغل المياه لدرجة كبيرة، ويمكن كذلك إعادة تدوير المخلفات العضوية وتحويلها لسماد طبيعي للنباتات، وغيرها من الممارسات العديدة.
وتضيف دارين أن الإنسان الذي يريد أن يصنع التغيير لن يرتاح إلا بالبحث عن المعلومة ثم تطبيقها، كما تؤكد بشدة على أنه ينبغي علينا أن لا نستهين بخياراتنا، فاستخدامنا للبلاستيك بشكل يومي لابد أن يؤثر على البيئة التي نعيش فيها ولو على الأمد الطويل، ونحن البشر بحكم أننا في قمة الهرم الغذائي فإننا المتأثر الأخير من استخدام البلاستيك الذي سيدخل في تكوين النباتات والحيوانات التي نستهلكها نحن في الأخير.
مبادرة بيئتي
من جانبها تقول لين السهلية صاحبة حساب بيئتي (@Beyati) على الانستجرام، وهو حساب متخصص في زيادة الوعي للمحافظة على البيئة في الوطن العربي وخارجه: أنشأت الحساب منذ خمس سنوات تقريبًا، واكتشف العديد من الطرق المختلفة والبسيطة التي يمكن أن يطبقها الأفراد في حياتهم اليومية، وما ساعدني على الاستمرار في نشر الوعي هو سهولة انتشار الفكرة عبر شبكات التواصل الاجتماعي وخصوصًا الانستجرام، كما أني وجدت أن انخفاض الوعي المتعلق بالتسوق المراعي للبيئة والآثار التي تتركه على البيئة كندرة الغذاء والماء ، وتلوث الهواء، والجفاف وارتفاع نسبة الأمراض، بالتالي أصبحت لدي قناعة بأن حماية البيئة ليس خيارًا، بقدر ما هو واجب علينا جميعًا كبشر، وواصلت نشر الوعي عبر الحساب.
تضيف لين أن التسوق المستدام «الأخضر «يمكن القيام به عبر عددٍ من الخطوات كاستخدام أكياس التسوق القابلة لإعادة الاستخدام وتجنب الأكياس البلاستيكية، وتقليل التسوق إلا بقدر الحاجة، ففي كثير من الأحيان نجد أنفسنا نقوم بشراء أشياء لا نحتاج إليها، لذلك يمكن أن نسأل أنفسنا قبل الشراء: هل فعلاً نحتاج هذه المنتجات؟ أو هل نرغب بها فقط؟ علينا بعدها أخذ بعض الوقت للتفكير في المشتريات، كلما طال الوقت الذي تستغرقه للتفكير فيما نريد شراءه، كلما أدركنا أننا لا تحتاج إليها حقًا، ويمكن أيضًا شراء السلع المستعملة من قبل وتعزيز ثقافة شرائها إذ قد يشعر البعض بالعيب أو ربما التردد في شراء الأشياء المستعملة من قبل؛ إلا أنه في الواقع، فإنه من الأفضل للبيئة أن تُعطى تلك العناصر فرصة ثانية بدلاً من رميها علاوة على ذلك فإن السلع المستعملة تكون عادةً أرخص.
ويمكن أيضًا استخدم أشياء قابلة لإعادة الاستخدام مثل : زجاجات المياه، والأواني، والحقائب، وغيرها، ومحاولة اجتناب استخدام الأشياء التي تستعمل لمرة واحدة فقط كالأكياس البلاستيكية، ومصاصات المشروبات، ويمكن أيضًا شراء الأجهزة الكهربائية الأقل استهلاكًا للطاقة لزيادة قوة تأثير الطاقة، وخفض الانبعاثات، وبالإمكان التحقق من الأجهزة عبر ملصق بطاقة الطاقة الموجود على الأجهزة.
منع أكياس التسوق في السلطنة
في ظل جهود السلطنة لمواكبة الظاهرة العالمية في التسوق الأخضر الصديق للبيئة، نفذت وزارة البيئة والشؤون المناخية مؤخرًا لقاءً أوضحت فيه حيثيات مسودة قرار منع استخدام أكياس التسوق أحادية الاستخدام، واستبدالها بأنواع يُعاد استخدامها وتكون صديقة للبيئة، تماشياً مع الجهود الدولية الرامية للحفاظ على صحة الإنسان والبيئة .
وتحاول وزارة البيئة مُواجهة تحديّات خطيرة تتعلق بشكل أساسي بالمحافظة على الصحة العامة، من خطر الأكياس البلاستيكية، والذي يبقى تأثيره كنفايات لمدى طويل غير قابلة للتحلل، إضافة إلى أن صعوبة جمعها وإعادة تدويرها يؤدي لتفاقم حجم هذه المشكلة، والذي توجَّب من خلاله وضع سياسات وإرشادات للمصنعين والموردين لضمان الانتقال الصحيح إلى بدائل أكياس التسوق أحادية الاستخدام.
وأكدت الوزارة على أنه مستقبلا لن يُسمح بتوريد أكياس التسوق أحادية الاستخدام بجميع أنواعها المختلفة، وسوف تكون جميع الإجراءات غير مؤثرة على المصنعين فضلا عن المستهلكين، والذي سيساعد على مواكبة المستجدات والمتغيرات المتلاحقة على مستوى الاتفاقيات العالمية ذات العلاقة.