أفكار وآراء

«الشر... الأوسط» أو «الشرق الأوسط سابقا» !

13 مارس 2020
13 مارس 2020

د. مجدي العفيفي -

(«الشرق شرق، والغرب غرب، ولن يلتقيا» هكذا قال المفكر البريطاني «كبلنج» أوائل القرن الماضي.! قالها الرجل ولا أحد يدري إن كانت نيته حسنة، من حيث إن لكل حضارة خصوصيتها أو من حيث العنصرية والترفع والتكبر، وفي كلتا الحالتين يمثل الصدق عنوانا كبيرا لفهم هذه المقولة، وتميل الكفة إلى الترفع والتكبر.!)

(1)

نعم.. لن يلتقيا.. وشواهد التاريخ ماثلة ومشاهده الراهنة المؤلمة تبرهن على ذلك..

عفوا هذه الإشكالية التي طرحت في بداية القرن الماضي لا تزال مطروحة، ويبدو أنها ستظل.. فالأسباب قائمة والمسببات قاتمة.. لا تزال..!.

هل من قبيل المصادفة أن تظل منطقة الشرق الأوسط في حالة اختراق واحتراق.. واللاسلم واللاسلام.. دماء وأشلاء.. وقتل وتقتيل.. واحتراب دول وشعوب.. مع أنها ملتقى الحضارات الإنسانية، ومهبط الديانات السماوية ومنبع الروحانيات؟!..

هل الشرق الأوسط صار«الشر... الأوسط» بحذف «القاف من كلمة الشرق»..؟

ومع أن الشرق الأوسط هو مشعل النور، إلا النار لا تفارق ثناياه ولا تنطفئ في حناياه.. ومع أنه مصدر الطاقة التي يحاولون البحث عن بديل لها- وهذا مستحيل- إلا أن ما يشهده يفوق الطاقة والاحتمال والتحمل، وما يعانيه من عذابات يفوق عذوبته التي كان يتحلى بها يتجلى منها..

«2»

لقد أخفوا الشرق وطلسموه، واتهموه عبر القرون الاخيرة بالتخلف والرجعية، واللامرجعية، وفي الوقت نفسه نهبوا ثرواته وأخمدوا ثوراته، وقطعوا حواراته، وشوهوا حضاراته، وشوشوا على نهاراته، أو خيَل إليهم ذلك.!

راحوا يلهثون.. في مضمار التاريخ وساحة الجغرافية وكادت أنفاسهم تتقطع ولا تتقاطع..

وراح الغرب يراجع نفسه، وأوهم العالم بلعبة «حوار الحضارات» و«حوار الأديان» و«حوار الثقافات» وغير ذلك.

(3)

إن الذين يؤمنون بأن قوة واحدة في العالم تكفي، أكثرهم لا يعقلون، ولو أنهم عقلوا قليلا لما كتبوا حرفا واحدا أو قالوا كلمة، مما ينشرونه في وسائل الإعلام، التي ينشرون فيها وينتشرون على أسطح فضائياتها ليل نهار، وفي أعماقهم شعار مزقه نزار قباني في إحدى قصائده السياسية المتوحشة:

«نبايع أربابنا في الصباح..

ونأكلهم حين تأتي العشية»

قد تبهرنا الأشياء المؤقتة حين يخرجون لنا من جيوبهم وحقائبهم ما يبهر ثم يقهر..

قد توقظ فينا الدهشة إلى درجة أن يَهم بعضنا بالتنصل من الأصول والتمرد علي الجذور ومحاولة الانتماء لثقافة العولمة، في عصر هيمنة القطب الواحد، وهي تعتمد في انتشارها على التقدم الهائل في تقنية الاتصال، وتتحدث بلغة غواية الصورة كلغة سائدة في ثقافة ما بعد المكتوب وهي سريعة الإغراء والتأثير، ولها منطقها الأخلاقي الخاص الذي لا يتفق بالضرورة مع ما تعارفت عليه الثقافات.

(4)

يبدو أن المساحة الزمنية من أوائل هذا القرن تتماس مع حقبة عشناها أوائل القرن العشرين، وسنعيشها مرة أخرى، وسيتصارع الشرق والغرب حضاريا بشكل أكثر عنفا، فالتجربة الماضية خضناها منقسمين، البعض ارتمى في حضن الغرب ورأى في الحضارة الغربية المثل الأعلى، والبعض الآخر طلب اللجوء إلى التراث واستند على هذا الجدار في مواجهته الحديثة إبان النهضة العربية المعاصرة إذا جاز التعبير، لا هذا ولا ذاك وجد الأمان.

فقد جاءت الحرب العالمية الأولى بكل وحشيتها لتصدم المثقف العربي والإنسان العربي فكيف لأبناء الحضارة الغربية يأكلون بعضهم البعض، مثلهم مثل القطة التي تأكل بنيها، وجاء الرفض أو الإفاقة متوازيا مع الذين حبسوا انفسهم في غرفة القديم، ويجيء الطريق الثالث وهو الطريق الاشتراكي مع منتصف القرن الماضي، في محاولة لتحقيق التوازن والبحث عن هوية جديدة وذاتية محددة.

وها نحن مرة أخرى ندور في الدائرة المغلقة نفسها التي صار سالبها يغلب موجبها ويتولد الاحتراق أكثر من الاشتعال!

(5)

هل هذا هو النظام العالمي الجديد؟

هل يستحق هذا العالم المتحضر أن يتهيأ لدخول حقبة جديدة يفترض فيها انه خطوة جديدة في سبيل الارتقاء بالمسيرة البشرية؟

في هذه الحقبة من الزمن الصعب، أشعر بمدى عظمة القول الإلهي: «وتلك الأيام نداولها بين الناس» وتحولات العصر الحديث قد تداولتها أربعة معسكرات فكرية: الشيوعية، أوالمادية الجدلية في «روسيا» والوجودية «في فرنسا» والتحليلية «في بريطانيا» والبراجماتية «في أمريكا» كل هذه المعسكرات انتهت وقد وتوهمنا ـ جدلاـ انها طويلة العمر..

وقد أثبتت الأيام والتجارب والمغامرات والمقامرات انها مؤقتة، وقد أوهمت الناس، بأنها «الفردوس» فإذا هي «جحيم» تلك المعسكرات تحطمت.. وتناثرت.. والبقية تترنح.

(6)

أين الامبراطوريات الغربية التي تعاقبت على البشرية؟

أين امبراطورية القرن الثامن عشر «الفرنسية» وأين امبراطورية القرن التاسع عشر «البريطانية التي غابت عنها الشمس وغابت هي ايضا»، ومضى القرن العشرون وقد اختفت منه الامبراطورية السوفييتية ما بين غمضة عين وانتباهتها ! وبقيت الأمريكية وتظل الأخيرة تبهر الأنظار وقد حجبت الأخريات، بشكل أو بآخر ثم راحت تنفرد وتستفرد بالعالم المسكين منذ «11 سبتمبر».

ومع ذلك فها هي الدنيا.. شروق وغروب.. ظهور وأفول.. نور ونار.. موت وحياة..

وسبحان الحي الذي لا يموت.