أفكار وآراء

الحاجة الماسة لتنويع مصادر الدخل!

11 مارس 2020
11 مارس 2020

عبد الله العليان -

إن الأزمات الاقتصادية، يبدو ليست سهلة، وسلعة النفط، تتعرض بين الفترة والأخرى، إلى تقلبات، وصراعات الدول، تلعب الجانب مهماً في هذا الأمر، ولذلك الحاجة الماسة إلى تنويع مصادر الدخل في مختلف مجالات التنمية، وتحريك الاستثمار المنتج، وكذلك إعطاء جانب السياحة كل الاهتمام والدافعية لتحريك الاستثمار فيه، في محافظات السلطنة،

برزت منذ عدة أيام، قضية انخفاض أسعار النفط مرة أخرى، مما يقرب من نصف الأسعار التي كانت عليها في الشهر المنصرم، وهذه بلا شك ستشكل متاعب جديدة لاقتصاديات أغلب دول المنطقة، التي تعتمد على قيمة هذه السلعة في أغلب ميزانيتها، ولذلك أن هذا الأمر كان يفترض أن يُحسب جيداً، لنتفادى مثل هذه الظروف، التي من الصعب أن تتحكم فيها كل دول العالم النفطية، ومنذ عدة عقود مضت، ومع أزمات تقلبات أسعار النفط عالمياً، التي حصلت في فترات مختلفة في العقود الثلاثة الماضية، بين الحين والآخر في الانخفاض المباغت، أغلبها من خلال المشكلات والتوترات التي جرت في المنطقة، وبعض أسبابها سياسية للصراعات الدولية، والحروب اقتصادية بين الدول الكبرى على وجه الأخص، والتي بلا شك تدفع إلى مثل هذه التقلبات في الأسعار، ونتأثر كدول التي ليس لديها صناعات، واقتصاديات متنوعة، فنقع في أزمات ونتائج هذه التقلبات، ومع كل هذه التجارب في التغيرات والتقلبات في أسعار النفط، لم تدفعنا هذه المشكلات، بشكل جدي إلى مراجعة سياستنا الاقتصادية القائمة، والمعتمدة في أغلبها على النفط فقط، فيما يزيد على 80% من دخلنا ومن احتياجاتنا ومشاريعنا، وغيرها من المطالب الأساسية للتنمية الوطنية، وهذا الجمود على أسعار النفط، من الأخطاء الأساسية، في غياب تنويع مصادر الدخل، لأن النفط من الصعب الاعتماد عليه، لأسباب كثيرة، منها التوترات والحروب والأوبئة كما أشرنا آنفاً، التي قد تسهم في انخفاض الأسعار، أو نضوب هذه السلعة في أي وقت من الأوقات.

وللحق أن جلالة السلطان قابوس ـ طيب الله ثراه ـ تحدث كثيراً عن ضرورة عدم الاعتماد على سلعة النفط، في مناسبات عديدة، وأهمية تنويع مصادر الدخل لاقتصاديات الدولة، من خلال المقومات الكبيرة التي تملكها بلادنا في جوانب عديدة وكبيرة، والتحرك لإيجاد بدائل جديدة لخطط مستقبلية للتنويع الاقتصادي، خاصة في فترة انخفاض أسعار النفط، وجرى على أثرها ركود اقتصادي عالمي، ومما قاله في هذا الصدد، يجب أن نحرص: «على انتهاج سياسة اقتصادية تهدف إلى تحقيق نمو اقتصادي مضطرة وملائم، وتتيح لبلادنا القدرة على مقاومة الآثار السلبية للركود الاقتصادي العالمي الذي تزايد في السنوات الأخيرة على نحو لم يسبق له مثيل في خطورته وانعكاساته البعيدة المدى، حيث اشتدت وطأته على الدول النامية بصفة خاصة، لهذا فإننا قد توخينا إتاحة المرونة الكافية لخططنا الاقتصادية بما يمكننا من معالجة الأمور معالجة عملية في ظل الظروف والأوضاع الاقتصادية الدولية الراهنة، ويمكننا في الوقت نفسه من إنجاز المشاريع الأساسية والحيوية اللازمة لتحقيق التقدم لبلادنا و الرفاه لشعبنا».

وقال ـ طيب الله ثراه ـ في مناسبة أخرى، يجب: «أن نكثف جهودنا لكي نحقق أكبر قدر ممكن من الاكتفاء الذاتي في المنتجات الرئيسية والحيوية لبلادنا، لهذا فإننا قد اتخذنا خطوات لتشجيع ودعم الصناعات المحلية والمشاريع الهادفة إلى استثمار كافة مواردنا، مع تركيز الاهتمام على تأهيل وتدريب قوانا البشرية للاستفادة منها إلى أقصى حد، وذلك كله في إطار خططنا للتنمية الاقتصادية والاجتماعية».

لكن للأسف أن هذه التوجيهات من السلطان الراحل، لم تلق الاهتمام اللازم من الجهات المسؤولة، والتي بلا شك ستحقق لنا الاكتفاء الذي ننشده لمواجهة التغيرات والتقلبات السياسية والاقتصادية المتوقعة، وبعد كل أزمة من الأزمات يجري الحديث عن قضية التنويع الاقتصادي وأهميته وضرورته للتنمية الوطنية، لكن عندما تهدأ الأمور، وتعاود الأسعار في الارتفاع، نعود إلى الجمود والركود مرة أخرى، ونعاود الاعتماد على سلعة النفط وحده، وكأن الأمر مجرد، سحابة صيف مرت وانتهت، ولا داعي للتحرك في هذا الجانب المهم، وترك البدائل الإستراتيجية التي هي الرافد الحقيقي للاقتصاد الوطني، وهذه مسألة مهمة، وتتعلق باحتياجات ومتطلبات، شعب ووطن، ولا يفترض أنها قضايا عادية حسب الظروف، أو نرجع بالضغط على المواطن، وتحميله أعباء الرسوم والضرائب، بسبب هذه السياسات التي للأسف، تساهم في ضعف الاقتصاد الوطني، في ظل الأزمة المالية الحالية بسبب انخفاض أسعار النفط، ومع أن أسعار النفط ارتفعت بشكل كبير، قبل عام 2014، لكننا مع ذلك لم نستفد من هذا الارتفاع الكبير لأسعار النفط في إقامة مشاريع كبيرة وعملاقة، وهي بلا شك سلبية تحتاج إلى مراجعة، وإعادة النظر بصورة جذرية للسياسات، التي أهملت خطط الاكتفاء الذاتي في الظروف المشار إليها، والتي نعاني مما أهملناه أو لم نعطه الأهمية بما يستحق من اهتمام.

والحقيقة أن المواطن، وبالذات أصحاب الدخول الصغيرة والمتوسطة، هم المتضررون، سواء من ارتفاع أسعار النفط أو انخفاضه، ففي زيادة أسعار النفط، فان الدول المستهلكة، ترفع أسعارها في المواد الأساسية التي يحتاجها المواطن، مقابل هذا الارتفاع، والتجار في ضوء هذا الارتفاع، يزداد سعر قيمة هذه السلع، ويتضرر منها المواطن، أيضاـ انخفاض أسعار النفط تلحق ضرراً المواطن، وخصوصاً الدخول المحدودة، لأن الدول المعتمدة على النفط، سوف تواجه مصاعب مالية، بسبب اعتمادها بشكل أساسي على النفط، ومن ثم ـ كالعادة ـ سوف تفرض رسوما جديدة، وضرائب مستحدثة، لمواجهة هذا الانخفاض!

إذن المواطن هو الذي يقع عليه العبء الأكبر، في غياب الاكتفاء الذاتي وعدم وجود نشاط فاعل لصناعات ومشاريع لتنويع مصادر الدخل، الذي يخفف، من صدمات والمشكلات الاقتصادية، وهذا ما نعاني معه منذ أوائل العقد الحالي.

والآن مع اقترابنا مع الخطة الإستراتيجية 2040، من الضروري أن نعد العدة، لنجعل قضية التنويع الاقتصادي، أولوية قصوى، وقد أشار جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم، في خطابه الشهر الماضي، إلى هذا الجانب المهم، وقال بالنص:» سنوجه الحكومة بكافة قطاعاتِها لانتهاج إدارة كفؤة وفاعلة، تضع تحقيق التوازن المالي، وتعزيز التنويع الاقتصادي، واستدامة الاقتصاد الوطني، في أعلى سُلّم أولوياتها، وأن تعمل على تطوير الأنظمة والقوانين ذات الصلة بكل هذهِ الجوانب بمشيئة الله».

إن الأزمات الاقتصادية، يبدو ليست سهلة، وسلعة النفط، تتعرض بين الفترة والأخرى، إلى تقلبات، وصراعات الدول، تلعب الجانب مهماً في هذا الأمر، ولذلك الحاجة الماسة إلى تنويع مصادر الدخل في مختلف مجالات التنمية، وتحريك الاستثمار المنتج، وكذلك إعطاء جانب السياحة كل الاهتمام والدافعية لتحريك الاستثمار فيه، في محافظات السلطنة، وهذه هو الخطوات المهمة، لمواجهة الظروف الاقتصادية الراهنة.