abdulalrzaq
abdulalrzaq
أعمدة

فيروس الهلع والفزع!

11 مارس 2020
11 مارس 2020

عبدالرزّاق الربيعي -

[email protected] -

مع تفشي فيروس «كورونا» في مناطق عدّة من العالم، انتشر، بالتزامن معه، فيروس من نوع آخر، مدمّر للأعصاب، والمزاج، ولا نبالغ إذا قلنا أنّه لا يقلّ خطورة عن «كورونا»، ذي السمعة السيئة، مع وجود فارق واحد هو أنّ هذا الفيروس لا يدخل المختبرات، ولا يخضع للفحص المجهري، ولا ينتمي للفيروسات التي يتحدّث عنها الأطباء، لأنّه من جنس آخر، وينتمي إلى فصيلة أخرى، ومن ميزاته أنّه يضعف المناعة، ويعكّر المزاج، ويقضي على الشهيّة للطعام، وممارسة أنشطة الحياة المتنوّعة!! مع أنّه لا يهاجم الأجسام، بل يتخصّص في مهاجمة العقول، والنفوس!!

وللتوضيح أكثر، فهذا الفيروس من صنع وسائل التواصل الاجتماعي البارعة في التهويل، وبثّ الخوف، والرعب في النفوس، ولذلك يمكن تسميته بـ«فيروس الهلع والفزع»!!

وقد وجد هذا الفيروس في الإمكانات التي توفّرها منصّات التواصل الاجتماعي، وقنوات الإعلام الجديد بيئة خصبة لينمو، ويكبر، وينتشر بسرعة، ويحرث في مناطق بعيدة عن العلم، والمعرفة، والتطوّر العلمي الذي بلغته البشرية في القرن الحادي والعشرين، فهناك من يروّج أنّ «كورونا» غضب إلهي، رابطا بينه، وبين تعرض منطقة الخليج لهجمات جيوش الجراد مستحضرا الآية الكريمة « فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمّل والضفادع والدم آيات مفصّلات فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين»(133-الأعراف)!

ومن تفتّح وعيه في ستينيات القرن الماضي، مثلنا، يتذكّر، موجات الأمراض، والأوبئة التي مرّت بنا، وانتهت رغم أنّ الطب لم يقطع الأشواط التي قطعها في يومنا هذا، من تطوّر، فكانت يومها تشكّل خطورة، على حياة البشر، كالسل الرئوي، والبلهارسيا، والتيفوئيد، والكوليرا، والجدري، ومع ذلك كانت المفارز الطبية تنتشر في المدارس، وتزور البيوت لتعطي التطعيم المناسب ضدّها، وتقدّم الإرشادات، وتقوم بعزل المصابين بعد الكشف عليهم، وإعطائهم العلاج اللازم..

وكــــــــــلّ ذلك كان يتمّ بهدوء، ورويّـــــــة، وحكمة، من حيث إنّ الهلع عند الأزمات يعقّد الأوضــــــــــاع بشكل أكبر، ويسبّب الإرباك، للمرضى، والمسعفين، والكوادر الطبّيّة التي تحتاج إلى التركيز في عملها لتصل إلى النتائج المرجـــوّة، ولابدّ لنا أن نؤكّد في هذه المساحة، أنّنا لا نقلّل من خـــــطورة الفيروس، ولا نقصد الاستخفاف به، والتهاون معه، بل ننبّه إلى ضرورة ضبط الأعصاب، وعدم الانجرار وراء الشائعات، والتهويل الذي يسبّب الهلع، والهرج، والمرج، وتجنّب المبالغات، التي قـــــــد يكون من نتائجها إحداث حالة من الشلل التي تعرقــــل سير عــــــــــــمل الكوادر الطبّيّة، وتجعلهم غير قادرين على أداء أعمالهم، والتأثير على الأفراد نفسيّا، فيهملون الوظائف المناطة بهم في الحياة، فيتركون أعمالهم، ومشاريعهم !!

ولنا في حديث الرسول صــــــلى الله عليه وسلم «إن قامت الساعة، وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع ألا تَقوم حتى يَغرِسَها، فليَغرِسْها» قدوة، ومثال يُحتذى به على مواصلة الحياة تحت أصعب الظروف، وأقساها.

وبدلا من الرضوخ للهلع والفزع، والترويج لهما، علينا المساهمة في التوعية، ونشر الإرشادات الصحيّة، والالتزام بها، ومتابعة ما يصدر من وزارة الصحّة من بيانات، وتعليمات ينبغي التقيّد بها، وكذلك تقارير منظّمة الصحّة العالميّة التي تنشرها بشكل يومي لنعرف ما يدور في ما حولنا من مناطق فنتجنّب السفر إليها، إلّا للضرورات القصوى، والتقيّد بالتعليمات الصادرة من الجهات المسؤولة لتجنّب الإصابة به، والمساهمة في نشر ثقافة الحجر الصحّي، وتجنب الأماكن المكتظة التي تشكّل بيئة مناسبة لانتقال الفيروسات، من حيث إنّ «الوقاية خير من العلاج»، وبذلك نكون قد أعطينا الأزمة حجمها الطبيعي، لأننا سنكون بمواجهة فيروس واحد لا فيروسين!