Ahmed
Ahmed
أعمدة

نوافذ: أعياد المناسبات

10 مارس 2020
10 مارس 2020

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

ليس هناك دولة على الإطلاق لا تحتفل بمناسبة أو أكثر، وتخصص لذلك يوما، تطلق عليه «عيدا»، ومن الأعياد المسلم لها، وأكثرها شيوعا، هي الأعياد الدينية على وجه الخصوص، حيث لا يوجد مجتمع من المجتمعات، لا يعتنق أفراده دينا معينا، وهذه من الحالات المعايشة في كل بلدان العالم، غنيها وفقيرها على حد سواء، وقد يجمع عدد من الدول على عيد ديني موحد، حيث يحتفل به في نفس اليوم والتأريخ.

ما هو مختلف عليه كثيرا، أو بنسب متفاوته، هي الأعياد الاجتماعية، ومنها: أعياد الزواج، أعياد الميلاد، أعياد الحب، أعياد العمال، أعياد الذكريات لأيام شكلت مفارقة معينة لأصحابها، وكذلك منها الأعياد أو الأيام التي يشترك فيها العالم كله، ومنها: عيد أو يوم المرأة، محو الأمية، البيئة، وغيرها من المسميات التي تتفق عليها مجموعة من الناس، لتحل بينهم عيدا، يحتفلون فيه، أو يتذكرون مناسبتهم التي قطعت؛ من نشأتها الأولى، عمرا ممتدا من السنين، وهذه كله يأتي في إطار المعتاد، والمقبول، ولا يلقى أية اعتراضات، بقدر ما يلقى الترحيب، والابتهاج، وكأن المناسبة تمثل لحظة تحول في حياة هذه المجموعة المحتفلة، حيث تبدأ انطلاقة جديدة، بعد أن أكسبها السرور شيئا من التغيير، وأشعرها بجمال المناسبة.

هل نحتاج حقا إلى لحظة «عيد»؟ ولماذا نحتاجها في الأساس؟ وكيف نحول هذا اليوم في شيء من السرور، بينما آخرين من حولنا لا يشعرون بذلك أكثر من كونهم يرون صورا من احتفالية لا تمثل لهم شيئا مهما يصل إلى أعماقهم فيكسبهم شيئا مما يكسبنا إياه؟

في مختلف هذه المناسبات هناك شعور ملازم لكل من له عيد قادم، أو يوم يعتز به كثيرا، فينزله منزلة العيد، ومنزلة السرور، ومنزلة القدرة على التحرر من واقعه المادي الصرف، إلى واقع آخر مختلف جدا، حيث تلبس النفس ثوبا غير الذي اعتادت عليه طوال الـ (12) شهرا الماضية، وتجد نفسها في مساحة من الاطمئنان غير المعهود، ولذلك هي تأتلف من آخرين يشاركونها ذات الصور الاحتفالية، حيث تمثل اللحظة واقعا مغايرا جدا، يتحرر الفرد من خلاله من كل تجاذبات القيم، في بعض الأحيان؛ حيث يعود إلى فطرته الأولى، ولا يستبعد أن يتنازل عن التزامات العمر، والمكانة، حيث يعطي مكبلات الحركة هذه إجازة في ذلك اليوم.

في الأعياد أو المناسبات التي يتشارك فيها عدد غير قليل؛ قد يصل إلى ملايين الناس، على امتداد دول العالم، تتباين الصور الاحتفالية لذات المناسبة، ففي مكان ما يكون الاحتفال عبارة عن مرح وسرور وابتهاج، وفي دول أخرى يكون الاحتفال عبارة من مسيرات، ومظاهرات، وندوات، مطالبة بحقوق، أو منددة بظلم، وقد تدفع ثمنا باهظا في ذلك، على الرغم من أن العيد عالمي، ومنها - على سبيل المثال - عيد المرأة، أو يوم المرأة، الذي احتفل به في الثامن من الشهر الجاري، ولعله من أكثر الأيام اهتماما وأهمية، وذلك للمعاناة والجور والظلم الذي تعيشه نساء كثيرات في بلدان مختلفة، ومتخلفة، حتى وإن تصدرت مجموعة الدول المتقدمة، وما ينطبق على يوم المرأة، ينطبق على يوم العمال، ويوم البيئة، وغيرها من العناوين التي هي محط جدل وإثارة في بلدانها، وبخصوصيتها المحلية أكثر، أو على مستوى العالم.

أقرأ على وجوه أحفادي عناوين السرور بقرب أعيادهم الميلادية، أو بقرب الأعياد الدينية، حيث يعيشون الابتهاج الحقيقي الصادق، ذلك لأنهم لم تتلوث نفوسهم الطرية بعد بمشاكل الحياة، وقسوتها، وذلك هم يرون أن الحياة هي تلك اللحظات الموقوتة بجمال العيد، وتفاعلات المناسبة، بخلاف - نحن الكبار - الذين تمر عليهم المناسبة تلو الأخرى، دون أن توقظ فيهم شيئا من هذا كله، نظرا لصلابة المجموعات الحاكمة لمشاعرنا، واستحواذها على نصيب الأسد من الطعم.