أفكار وآراء

الجامعة العربية ورئاسة السلطنة

10 مارس 2020
10 مارس 2020

عوض بن سعيد باقوير - صحفي ومحلل سياسي -

تسلمت السلطنة مؤخرا الرئاسة الدورية لمجلس الجامعة العربية وسط تفاؤل كبير لإعادة النظر في عدد من القضايا العربية وإيجاد حلول سياسية واقعية لها أو من خلال إعادة هيكلة الجامعة وإيجاد آليات تدفع بالعمل العربي المشترك إلى الأمام.

ولعل كلمة معالي الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية يوسف بن علوي بن عبد الله في كلمته الافتتاحية عند تسلم رئاسة المجلس الوزاري تعطي إشارات واضحة بأن السلطنة سوف تسخر كل إمكاناتها وخبرتها الدبلوماسية في فتح صفحة جديدة في العلاقات العربية-العربية وضرورة الانتهاء من تلك الخلافات والدفع بالعمل العربي إلى افق جديد يعطي الأمل للأجيال الجديدة وإلى ضرورة فهم المعطيات الجديدة التي يتنافس فيها العالم على صعيد التقنية بشكل خاص.الجامعة العربية تعاني خلال العقدين الأخيرين من ترهل بيروقراطي وفقدان الثقة بين الشعوب العربية وعدم قدرتها على إيجاد حلول للمشكلات والخلافات العربية كما عانت من سطوة بعض أعضائها مما جعلها أسيرة للمزاج السياسي لبعض الدول العربية ومن هنا فإن المنظمة الإقليمية الأقدم دوليا تحتاج إلى معالجة وسلوك سياسي مختلف وتحتاج إلى الصراحة والشفافية وتغليب مصلحة الأمة العربية على المصالح الضيقة.

الدور العماني

السلطنة وكعادتها في الأزمات العربية سوف تبذل جهودها وخبرتها التراكمية على الصعيدين الإقليمي والدولي وفي ظل ما تتمتع به قيادتها السياسية من حكمة وواقعية سياسية على مدى نصف قرن كما أن علاقات السلطنة الجيدة مع كل الدول العربية سوف تعطيها الزخم السياسي الذي من خلاله تستطيع اختراق عدد من الملفات ومن أهمها إصلاح الجامعة العربية على الصعيد الهيكلي وعلى صعيد النظر في تعديل الميثاق أو على الأقل بعض بنوده التي مر عليها عقود.

والسلطنة وهي تترأس المجلس الوزاري للجامعة العربية تدرك الصعوبات والتراكمات على صعيد السلوك السياسي العربي والأزمات التي تكتنف العلاقات العربية ومع ذلك فإن الدبلوماسية العمانية لها القدرة على الحركة واستيعاب تلك التراكمات خاصة وأن العرب يدركون أن الواقع السياسي لهم هو في ادنى حالاته وأن الشعوب العربية تحتاج إلى مرجعية عربية قادرة على الدفاع عن مصالحهم وأن يكون هناك تكتل عربي قوي يسهم في التوصل إلى حلول وإلى الدفع بالمصالح العربية إلى الأمام في عالم يتسم بالمنافسة الشرسة والصراع على المصالح.

إن العرب دولا وشعوبا وجغرافيا لديهم من الممكنات الكثير سواء على صعيد الموارد الطبيعية والمواقع الاستراتيجية والموارد البشرية أيضا ومن الممكن مع النوايا المخلصة والعمل الجاد والبعد عن الخلافات والتحالفات الجانبية أن نشهد نهضة عربية كبيرة ويكون التجمع العربي ندا لأي تجمع إقليمي أو دولي بما في ذلك الاتحاد الأوروبي أو التجمع الآسيوي المعروف باسم الآسيان.

إن المهمة العمانية ليست سهلة وهذا ينطلق من تراكم وخلافات بعضها غير مفهوم كما هو الحال في الأزمة الخليجية أو الخلافات بين بعض الدول العربية وقد أدى ذالك إلى اندلاع حروب أهلية وإقليمية كما هو الحال في اليمن أو ليبيا أو سوريا علاوة على الأزمات السياسية والاقتصادية في لبنان والعراق وحتى السودان.

إن الدبلوماسية العمانية هي الأكثر واقعية ونجاحا خلال نصف قرن وهذا من خلال الوقائع والأحداث وليس من باب العاطفة الوطنية، فالسلطنة أنقذت المنطقة من اندلاع حروب مدمرة حقيقية ولا تزال في واحدة من اخطر المناطق حساسية وهي منطقة الخليج كما تسهم في تهدئة الأوضاع بين عدد من الدول العربية ولعل علاقاتها المتوازنة مع الدول العربية ومع القوى الدولية مكنها من اختراق عدد من الملفات الشائكة وفي مقدمتها التوتر في المنطقة بين إيران والولايات المتحدة وبين ايران وعدد من دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية.

مراجعة الذات

بعد عقود من المشكلات العربية وظهور الاحتياجات الملحة للشباب والمنافسة التقنية والثورة الصناعية الرابعة والذكاء الاصطناعي فإن العرب أمام مرحلة تتسم بأهمية تغيير المسار والمراجعة الذاتية فالعالم يتقدم حتى في أفريقيا وآسيا وهي المناطق الأقل تنمية وموارد إلى حد كبير ولكن هناك تجمعات إقليمية تفوقت من خلال أدائها المؤسسي على جامعة الدول العربية ومنها منظمة الآسيان التي جاء تأسيسها بعد الجامعة العربية وهي تنطلق من خلال عمل مؤسسي صحيح بعيدا عن المناكفات السياسية وتعطيل العمل والبحث عن الزعامات التي لم يعد لها مكان في عالم اليوم الذي يعتمد على الديناميكية في العمل وسرعة الإنجاز.

ومن هنا فنحن نتحدث الآن عن النمور الآسيوية ذات الاقتصاديات المنتجة والأرقام الكبيرة على صعيد دخل تلك الدول من الصناعات والبرمجيات بعيدا عن الخطب والتصريحات المتكررة.

ومن هنا فإن أمام العرب فرصة لإعادة النظر في سياساتهم والوقوف مع الذات وأن تكون الانطلاقة مع رئاسة السلطنة لمجلس الجامعة العربية، حيث إن السلطنة حريصة على إيجاد نقلة نوعية في العمل العربي المشترك على صعيد الجامعة العربية وقد تمثل ذلك في خطاب تسلم الحكم من قبل جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم عندما قال إن السلطنة سوف تواصل دعمها للجامعة العربية بما يحقق الأهداف الوطنية للشعوب العربية.

وهذا ينطبق على مواقف السلطنة الداعمة للجامعة العربية وضرورة قيامها بدورها القومي وأهمية إيجاد آليات جديدة تتماشى والمتغيرات في عالم اليوم وعلى ضوء ذلك فإن السلطنة سوف تبذل جهودها من خلال رؤية جديدة بحيث ترتقي الجامعة إلى مستوى أفضل من العمل المؤسسي الجاد وإيجاد مرونة في حل الخلافات العربية التي تعد من المعوقات أمام انطلاق العمل العربي المشترك.

العمل العربي

هناك فرص واعدة أمام العمل العربي المشترك ولعل الأولوية الأولى لانطلاق الجامعة العربية هو إيجاد الإصلاح الهيكلي وبعض التعديلات على الميثاق علاوة على حل الخلافات العربية-العربية وإيجاد مقاربات سياسية لحل الأزمات الحالية في اليمن وليبيا وسوريا وأن تكون هناك رؤية عربية تركز على العمل العربي المشترك والحفاظ على مصالح الشعوب العربية وانطلاق المشروعات العربية المشتركة وفي مقدمتها السوق العربية المشتركة وانتقال رؤوس الأموال عربيا من خلال الاستثمارات المشتركة وتطوير التعليم والتناغم مع المستجدات التقنية حتى يصبح للعرب قيمة علمية وفكرية ودور مهم على صعيد الحضارات المتقدمة، فالوضع العربي الحالي هو وضع صعب ومعقد وحزين على إهدار المليارات من الدولارات في الحروب والمناكفات السياسية والاعلامية دون تحقيق شيء.

العرب بحاجة إلى مراجعة شاملة لأوضاعهم السياسية.

ومن هنا يأتي هذا المتغير المهم وفي هذا التوقيت الأصعب وهو رئاسة السلطنة الدورية لمجلس الجامعة.

صحيح ليس هناك عصا سحرية للتحول المنشود بشكل كامل نظرا للتراكمات ولكن على الأقل الإحساس بالمسؤولية والاقتناع الذاتي بضرورة التغيير المنهجي في الفكر والسلوك فمن دون ذلك سيظل العرب مجرد رقم لا قيمة له في المنافسة الدولية وسوف تظل القوى الأخرى تستغل ثرواتهم ومقدراتهم.

ورغم تلك الأزمات العربية فان الفرصة لا تزال موجودة وعلى القيادات العربية أن تدرك المخاطر الحقيقية التي تحيط بالأمن القومي العربي وعلى مقدرات شعوبهم وعلى مستقبل أجيالهم ومن دون الاعتماد على القوة الذاتية فإن النتائج سوف تكون سلبية كما هو حال الأمة العربية حاليا.

السلطنة ومن خلال مسؤوليتها الوطنية والقومية سوف تبذل أقصى جهودها من خلال رؤية واضحة تعتمد على إيجاد فكر مختلف وسلوك واقعي وعمل مؤسسي للجامعة العربية التي أصبحت غير قادرة على العمل الحقيقي في ظل ذلك المناخ السياسي العربي المعقد، ومن هنا فإن القمة العربية القادمة في الجزائر المقرر لها صيف هذا العام وما قبل ذلك من اجتماعات وتنسيق مع رئاسة المجلس الوزاري ينتج عنه مقدمات توحي بالتغيير المنهجي في عمل الجامعة العربية وان تكون هذه المرجعية العربية العتيدة التي تأسست عام 1945 وقبل الأمم المتحدة أن تظل السند الحقيقي لقضايا الأمة ومن خلالها تنطلق الدول العربية في مناخ مستقر وعمل عربي مشترك مثمر حتى تتحقق التطلعات لكل الشعوب العربية ويصبح للعرب مكانة مرموقة بين أمم العالم المتقدمة.