أفكار وآراء

الخطاب السامي يرسم الطريق لنهضة لشاملة وجديدة

06 مارس 2020
06 مارس 2020

حسن عبدالله -

لفت نظري في الخطاب السامي لجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله ورعاه - شموله وتدشينه لمرحلة جديدة من العمل الوطني، انطلاقا من واقعية سياسية، وأفكار مباشرة تحمل إرهاصات و«شرارات» تنبئ ربما بتغيير كبير ستشهده السلطنة في المرحلة القادمة.

بدأ جلالة السلطان هيثم عهده في هذا الخطاب بالإشارة إلى حوار مجتمعي شامل وواسع، يفجر من خلاله طاقات أبناء عمان لاسيما الشباب، ويفتح الباب أمام سلطنة جديدة يتساوى فيها الجميع، حاكما ومحكوما، وتتعدد الرؤى والمسارات، استكمالا لما بدأه الآباء المؤسسون الذين خصبوا الأرض ووضعوا البذور، وأصبح لزاما على الأجيال التالية أن تكمل المسيرة ليحصدوا الثمار ويضيفوا إلى ما رسخه الأولون من قيم ومبادئ وإنجازات.

وقد أشار جلالة السلطان هيثم بن طارق إلى ذلك في خطابه السامي عندما قال: «إن العقود الخمسة الماضية شهدت تحولا كبيرا في بناء الدولة العصرية، وتهيئة البنى الأساسية الحديثة والمتطورة في كافة ربوع الوطن، بقيادة باني عمان الحديثة، المغفور له بإذن الله جلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور، طيب الله ثراه، وبجهود المخلصين من أبناء عمان، وإننا ماضون بعون الله على طريق البناء والتنمية، نواصل مسيرة النهضة المباركة، كما أراد لها السلطان الراحل رحمه الله، مستشعرين حجم الأمانة وعظمتها، مؤكدين على أن تظل عمان الغاية الأسمى في كل ما نقدم عليه، وكل ما نسعى لتحقيقه، داعين كافة أبناء الوطن، دون استثناء، إلى صون مكتسبات النهضة المباركة، والمشاركة الفاعلة في إكمال المسيرة الظافرة، متوكلين على الله عز وجل، راجين عونه وتوفيقه».

لقد عرف العالم عمان الحديثة بلدا مسالما يزخر بالتاريخ والحضارة، ويرتبط بعلاقات طيبة مع محيطه الخليجي والعربي والعالمي، وينأى بنفسه عن التدخل في شؤون الغير، ويتعاون مع المؤسسات الدولية في إطار العمل التنموي أو الأممي، وينبغي أن تظل صورة السلطنة هذه على بهائها وإشراقها بل وتزداد رسوخا وثباتا.

لفت نظري أيضا في الخطاب السامي لجلالة لسلطان هيثم تركيزه على قضية التعليم في السلطنة، وهنا لابد من وقفة ضرورية، فقد أشرت في مقالة سابقة إلى أن عمان هبة التعليم الذي لعب دورا كبيرا في تعزيز فهم العمانيين لأنفسهم والعالم المحيط بهم، وساهم في تحسين نوعية حياتهم وأدى إلى مكاسب فردية ومجتمعية كبيرة، وارتقى بالتقدم الاقتصادي والاجتماعي والمساواة الاجتماعية، نتيجة للحراك الذي ينتجه التعليم لأفراد المجتمع.

ومن هنا جاء تخصيص جلالة السلطان هيثم جزءا مهما من خطابه السامي لقضية التعليم التي تتعلق بوجود السلطنة حينما قال: «إن الاهتمام بقطاع التعليم بمختلف أنواعه ومستوياته وتوفير البيئة الداعمة والمحفزة للبحث العلمي والابتكار سوف يكون في سلم أولوياتنا الوطنية، وسنمده بكافة أسباب التمكين باعتباره الأساس الذي من خلاله سيتمكن أبناؤنا من الإسهام في بناء متطلبات المرحلة المقبلة».

ولأن عمان دولة شابة فقد وصف الخطاب السامي الشباب عمان بأنهم «هم ثروة الأمم وموردها الذي لا ينضب، وسواعدها التي تبني، هم حاضر الأمة ومستقبلها، وسوف نحرص على الاستماع لهم وتلمُّس احتياجاتهم واهتماماتهم وتطلعاتهم، ولا شك أنها ستجد العناية التي تستحقها».

لقد رسم الخطاب السامي خارطة طريق شاملة للعمل الوطني في عمان، عندما أشار بوضوح إلى الرؤية المستقبلية «عمان2040» التي ترتكز على ثلاثة محاور «الإنسان والمجتمع»، و«الاقتصاد والتنمية» و«الحوكمة والأداء المؤسسي»، وتستند كذلك عملية إعداد الرؤية المستقبلية عُمان 2040 على عدد من المنطلقات الأساسية تتمثل في: الأولويات الوطنية للسلطنة، وتقرير الموجهات الرئيسية لصياغة الرؤية المستقبلية عُمان 2040، والبرنامج الوطني لتعزيز التنويع الاقتصادي «تنفيذ»، وأهداف التنمية المستدامة 2030 الصادرة من الأمم المتحدة، وخطة التنمية الخمسية التاسعة، والتقارير والمؤشرات الدولية المتعلقة بركائز الرؤية وغيرها من البرامج والخطط التي تؤكد الوعي الخاص باحتياجات الشعب العماني، والتحديات التي تواجهها السلطنة حاضرا ومستقبلا.

ولأن المرأة نصف المجتمع العماني بالفعل فقد شملها الخطاب السامي بالتنويه إلى أهمية مشاركتها في صناعة حاضر البلاد ومستقبلها وبأنها، أي المرأة، دعامة أساسية من دعامات العمل الوطني، ولابد أن تتمتع بحقوقها التي كفلها القانون، وأن تعمل مع الرجل جنباً إلى جنب، في مختلف المجالات خدمة لوطنها ومجتمعها. بحسم لا يحتمل التأويل تحدث الخطاب السامي عن إعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة، وتحديث منظومة التشريعات والقوانين وآليات وبرامج العمل وإعلاء قيمه ومبادئ وتبني أحدث أساليبه، وتبسيط الإجراءات وحوكمة الأداء والنزاهة والمساءلة والمحاسبة، ومراجعة أعمال الشركات الحكومية مراجعة شاملة بهدف تطوير أدائها ورفع كفاءتها وتمكينها من الإسهام الفاعل في المنظومة الاقتصادية، ودراسة آليات صنع القرار الحكومي بهدف تطويرها بما يخدم المصلحة الوطنية العليا، وهو ما يرسم ويشكل رؤية لو تحققت على أرض الواقع فستقود السلطنة إلى نهضة شاملة وجديدة يمكن حينئذ وصفها بـ «السلطنة الثانية» بعد السلطنة الأولى التي دشنها الآباء والأجداد، وحملت الخير والاستقرار للشعب العماني طوال العقود الماضية.