Ahmed
Ahmed
أعمدة

نوافذ :العلماء يجتهدون.. والعوام يخمنون

06 مارس 2020
06 مارس 2020

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

تثار بين فترة وأخرى مسألة التدخل البشري في وجود فيروس «كورونا» القاتل، والذي أطلقت عليه منظمة الصحة العالمية اسم (Covid-19) وبين نظرية المؤامرة السياسية التي تتعمد توظيفها بعض الدول لأهداف معلنة وغير معلنة؛ التي يخمنها البعض؛ وبين جهد العلماء للبحث طويلا عن مخرجات لقضايا مرضية عديدة، وبين قلق الحكومات من الانفلات في حالة حدوث كوارث إنسانية؛ كالتي نعيشها اليوم من أثر هذا المرض القاتل، تكثر التعليلات، والتحليلات، والتخمينات، من قبل الجمهور العريض على امتداد الكرة الأرضية، محاولة لإيجاد تفاسير لما يحدث، ويمس الكثير من حياتهم، واستقرارهم، مع التسليم المطلق في الختام، أن هذه رسائل من لدن رب العزة والجلال للبشرية كافة، وأنه مهما بلغت البشرية من الترقي في العلوم والمعارف، ومهما بلغت من التحضر والتقدم، فإن مرجع ذلك كله إلى قوة جبارة تملك السموات والأرض، وتسير أحداثها، ووقائعها، ولا يخرج أي صغيرة وكبيرة عن هذه المشيئة الإلهية الحاكمة، وفي كتابنا المقدس القرآن العظيم الكثير من الآيات التي تؤكد هذه الصورة العامة للحياة، ولا محيد عن ذلك.

في عام 2018م - حسب وكالة رويتر - «أثار العالم الصيني خه جيان كوي - وهو أستاذ مساعد في الجامعة الجنوبية للعلوم والتكنولوجيا بمدينة شنتشن الصينية - عاصفة أخلاقية بعدما أعلن عن أول طفلين معدلين جينيا في العالم قال إنه فخور بعمله، وقال إنه استخدم تكنولوجيا تعرف باسم (كريسبر-كاس9) لتعديل جيني على توأمتين مولودتين، اسميهما «لولو» و «نانا». وأضاف أن التعديل الجيني سيساعد على حماية التوأمتين من الإصابة بفيروس (HIV) المسبب لمرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز)، لكن الحكومة الصينية وعلماء رفضوا العمل، غير أن هناك مخاوف بشأن السلامة وأخلاقيات العمل، حيث قال أكثر من 100 عالم معظمهم في الصين في خطاب مفتوح إن استخدام تكنولوجيا (كريسبر-كاس9) لتعديل جينات الأجنة البشرية محفوف بالمخاطر وغير مبرر. وأضافوا «فُتحت أبواب جهنم»، ووصفوا تعديل الجينات البشرية بأنه «جنوني» ولا أخلاقي». يذكر أن تكنولوجيا (كريسبر-كاس9) تعمل على قطع ونسخ الحامض النووي الوراثي DNA مما يزيد الآمال في إجراء إصلاح جيني للوقاية من الأمراض» - رويتر: آخر تحديث 28/‏‏‏11/‏‏‏2018م -.

وعودة إلى مسألة التخمينات في مختلف هذه المسائل، لعلنا نتذكر في عمر تسعينيات القرن الماضي، عندما أثير مرض الجمرة الخبيثة على أنه مرض معد بيولوجيا، بينما كثير من المعلومات تشير إلى أنه مرض يضرب الثدييات بشكل عام، ويصاب الأفراد الذين يتعاملون معها بصورة مباشرة، ولا يزال العوام يخمنون، ويعللون، حيث تتناثر اليوم عبر وسائل التواصل الاجتماعي هذه الملاسنات غير المحتكمة على منطق علمي، والمفارقة الصادمة عندما يتبنى هذه الأفكار من عندهم قسطا من المعرفة، ويؤمنون بنمطقية نشأت هذه الأمراض، وعلى أنها من صنع البشر.

يبقى الجهد البحثي الذي يقوم به العلماء، هو محطة لوضع أسئلة حائرة؛ وخاصة في العلوم التطبيقية؛ والتي هي المشروع الأمثل لحقيقة الحياة وحيثياتها المختلفة، ولن يهدأ بال العلماء المخلصين من البقاء طويلا أمام بحوثهم العلمية حتى يخرجوا إلى العالم بما ينجزوه من تطبيقات علمية، هي عناوين عريضة لمختلف شؤون الحياة، ولولا هذه الجهد البحثي الذي يقوم به هؤلاء في شتى بقاع العالم، لما وصلت الحياة الإنسانية؛ حتى لحظتها هذه؛ إلى ما وصلت إليه، وهم بذلك ليس فقط يصنعون حياة مثلى للإنسانية، بل يعرضون أنفسهم للهلاك، ولكنها قناعتهم التي يؤمنون بها، ولا يراهنون عليها وفق مبدأ الربح والخسارة، كما يفعل آخرون من دونهم، ولذلك فهم غير منظورين اجتماعيا، ولا تجد أسماءهم ضمن قوائم الأغنياء في العالم، إلا ما ندر، ووفق تحولات فردية استثنائية.