1451916
1451916
إشراقات

خطبة الجمعة: «البر» محبة لله وتخليص للقلب من الشوائب

05 مارس 2020
05 مارس 2020

صلاح ثمرته سلامة في الصدر وصلاح في التعاملات -

تشير خطبة الجمعة التي تعدها وزارة الأوقاف والشؤون الدينية لهذا اليوم إلى أن «البر» محبة لله تجد أثرها في إقام الصلاة التي هي صلة بين العبد وربه، تقوى بها العلاقة ويتجدد العهد وتستريح النفس فيخرج الإنسان منها سحابة خير لا ينقطع خيرها؛ فيكون مؤديًا للحق الثاني من حقوق المال طيبةً به نفسه؛ مدركًا تمام الإدراك أن المال مال الله فيكون ممن آتى الزكاة فتطهر نفسه، وينمو ماله وإذا ما أتيت إلى العهد كان ممن لا ينقطع وفاؤه مدركًا أن ذلك العهد عهد مع الله.. وإلى ما جاء في نص الخطبة.

الحمد لله رب العالمين، جعل البر صراط الصادقين، وسبيل المتـقين، وأشهد أن لا إله إلا الله (يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء)، وأشهد أن محمدًا رسول الله، أوفى الأوفياء، وأصفى الأصـفياء، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحـبه البررة الأتقياء.

أما بعد، فاتقوا الله عباد الله؛ فإن التـقوى مفتاح التيسير، والصراط إلى مرضاة العلي الكبير (يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيم).

عباد الله:

إن من جوامع الآيات آية البر، وما أدراك ما آية البر! تلك الآية العظيمة التي بينت منهاج حياة الإنسان، ووضعت طريقة التعامل مع القلب، وذكرت أثر ذلك التعامل وإشارة نجاحه؛ ليتحقق الاطمئنان الذي سعى إليه الأنبياء والمرسلون، والتمسه عباد الله الصالحون قال: (وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي)، فمن جعل هذه الآية منهاج حياته، عَلِمَ عِلْمَ اليقين أن صلاح القلب ثمرته طمأنينة في القلب، وسلامة في الصدر، وراحة في النفس، وصلاح في التعاملات، ونفع للناس، وظهر له أثرها في هدي النبي الكريم (ألا وإن في الجسد مضغةً، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب).

أيها المؤمنون:

تعالوا بنا لنقف وقفة المتدبر لهذه الآية الكريمة؛ فإن فيها من العجائب ما لا تنقضي؛ فالبر هو الصدق وهو التـقوى (أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُون)، وتخبرنا الآية المحكمة أن البر ليس شكلاً من غير مضمون (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ)، بل إن البر تخليص للقلب من الشوائب، وتنقية له من الأمراض، فإن وفق الإنسان إلى التخلية جاءت مرحلة التحلية؛ بحيث يملأ القلب بما لا حياة له إلا به؛ فإن القلب من دونه ميت؛ تلك المادة الضرورية سماها ربنا تبارك وتعالى نورًا، ويتبين لنا المراد إذا ما سمعـنا قول الله جل جلاله: (أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا)، وذلك النور الرباني مادته الإيمان الحقيقي بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين (وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ).

عباد الله:

إنَّ لذلك النور القلبي أثرًا في أقوال الإنسان وأفعاله، وتعاملاته وأحواله؛ فتجد ذلك النور يتجلى رحمةً بالناس، وعونًا لهم، وسعيًا في قضاء حوائجهم، وتلمس احتياجاتهم، يقدم لهم ما يحب؛ تاركًا الشح وراء ظهره؛ ليكون من المفلحين الذين استحقوا ثناء ربهم (وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون)، فتجده يؤتي المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب؛ فكان بذلك خير الناس؛ (فخير الناس أنفعهم للناس)، فأدى بذلك الحق الأول في المال؛ فكان ممن (وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ)، نعم، آتى المال وهو يحبه؛ فغلب نفسه، وقدم مصلحة غيره على رغبته رغبةً فيما عند الله (وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى)، وقد ترتقي نفسه فيكون ممن ينفقون مما يحبون، أولئك الذين وصفهم ذو الجلال والإكرام بقوله: (لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيم)، وفوق هاتين الرتبتين رتبة (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ)، (وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ).

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم، وادعوه يستجب لكم إنه هو البر الكريم.

الحمد لله، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحـبه ومن والاه.

أما بعد، فاتقوا الله عباد الله؛ واعلموا أن البر محبة لله، تجد أثرها في إقام الصلاة، إقام الصلاة التي هي صلة بين العبد وربه، تقوى بها العلاقة، ويتجدد العهد، وتستريح النفس، فيخرج الإنسان منها سحابة خير لا ينقطع خيرها؛ فيكون مؤديًا للحق الثاني من حقوق المال طيبةً به نفسه؛ مدركًا تمام الإدراك أن المال مال الله (وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ)، فيكون ممن آتى الزكاة؛ فتطهر نفسه، وينمو ماله، وإذا ما أتيت إلى العهد كان ممن لا ينقطع وفاؤه؛ مدركًا أن ذلك العهد عهد مع الله، فهؤلاء هم (وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ)، وإذا ما كان شيء يستوجب الصبر، كانوا أشد الناس صبـرًا عند الفقر والحاجة، وتلك هي البأساء، وأعظم الناس مصابرةً في الأمراض والأسقام، وتلك هي الضراء، وأثبت الناس حين البأس في الدفاع عن الأوطان والحفاظ على حرماته، فما كان ليغيب عن قلوبهم (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَاب)، أولئك الذين صدقوا مع قلوبهم في إيمانهم، أولئك الذين ظهر صدقهم في أقوالهم وأفعالهم، أولئك الذين صدقوا في تعاملاتهم ومسؤولياتهم (أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُون).

هذا وصلوا وسلموا على إمام المرسلين، وقائد الغر المحجلين، فقد أمركم الله تعالى بالصلاة والسلام عليه في محكم كتابه حيث قال عز قائلاً عليمًا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).

اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت وسلمت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن المؤمنين والمؤمنات إلى يوم الدين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم اجعل جمعنا هذا جمعًا مرحومًا، واجعل تفرقنا من بعده تفرقًا معصومًا، ولا تدع فينا ولا معنا شقيا ولا محرومًا.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ووحد اللهم صفوفهم، وأجمع كلمتهم على الحق، واكسر شوكة الظالمين، واكتب السلام والأمن لعبادك أجمعين.

اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، لا إله إلا أنت سبحانك بك نستجير، وبرحمتك نستغيث ألا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، ولا أدنى من ذلك ولا أكثر، وأصلح لنا شأننا كله يا مصلح شأن الصالحين.

اللهم ربنا احفظ أوطاننا وأعز سلطاننا وأيده بالحق وأيد به الحق يا رب العالمين، اللهم أسبغ عليه نعمتك، وأيده بنور حكمتك، وسدده بتوفيقك، واحفظه بعين رعايتك.

اللهم أنزل علينا من بركات السماء وأخرج لنا من خيرات الأرض، وبارك لنا في ثمارنا وزروعنا وكل أرزاقنا يا ذا الجلال والإكرام. ربنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار.

اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، المسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعاء.