إشراقات

النظافة :الذوق الراقي

05 مارس 2020
05 مارس 2020

علي بن سعيد العلياني -

النظافة ذوق راقٍ فليس من الإنسانية الجميلة والراقية أن نخالط الناس وملابسنا بروائح غير محببة كالعرق وروائح السجائر أو أي روائح تسبب الأذى والنفور والبعد، وليس من الإنسانية أن تصل بنا درجة اللامبالاة إلى عدم مراعاة مشاعر الآخرين من حيث العناية بنظافتنا ونظافة أجسامنا لذلك نجد أن الإسلام نأمر بأن نتجهز لصلاة العيدين بلبس الثوب الجديد النظيف والاغتسال والتعطر والتطيب كل هذا من أجل اكتمال الفرحة وتقارب النفوس وأن تكون الألفة والمحبة والوئام سائدًا في هذين اليومين العظيمين كذلك الحث على الاغتسال والتطيب والتعطر لصلاة الجمعة وإن كان سنة لكنه يعبر عن اهتمام الإسلام بباب النظافة اهتمامًا يعبر عن مكانة هذا الجانب الحقيقية في حياة الناس.

النظافة ذوق راقٍ في حياة الشعوب المتقدمة المحبة للعيش في وئام وصحة وعافية، فالنظافة هنا وسيلة من وسائل إدخال البهجة في القلوب بحيث يبعدون الكدر الذي يعطل المصالح ويدخل النفس في دوامة لا تنتهي من المعاناة وبالتالي تجنبًا لحصول الأسوأ كان القرار عند هؤلاء أن لا محيص عن اتباع أسلوب صارم ينتج عنه جو صحي واجتماعي يمحو كل مسببات واحتمالات الفشل والإخفاق بسبب إهمال جانب النظافة أو التعاطي معه على أنه ترف وليس ضرورة.

النظافة ذوق راقٍ بحيث نستطيع أن نوصل رسالة الإنسانية الحقيقية في جو يملؤه التفاعل والعطاء والانسجام بعيدًا عن كل الأسباب التي من الممكن أن تؤخر انطلاقتنا إلى الأمام وإيصال الرسالة بكل معانيها السامية، ولا يمكن أن تتماشى مع الفطرة السليمة إذا كان أحد جوانب الحياة تتصادم معها مهما كانت المحاولات مستميتة وهذا واضح من تعاطي كل الدول والمجتمعات في هذا الجانب فالتعاطي الإيجابي يثمر ثمرا يانعا والتعاطي السلبي يؤدي إلى الانحطاط في دركات التخلف والفقر والعوز والمرض.

النظافة ذوق راقٍ لأنك إنسان والإنسان خليفة الله في أرضه والاستخلاف هنا ليس معناه البناء في جانب والهدم في جوانب أخرى، الاستخلاف هنا معناه أن نكون في مقام يؤهلنا لأداء دورنا في هذه الحياة على أكمل وجه وهذا لا يتأتى إلا بالظهور بمظهر يليق بمقام حامل هذه الرسالة فلا فوضى ولا إهمال وحياة مليئة بالقاذورات والأوساخ والروائح المنتنة بل المظهر الجميل الأنيق الرائع الذي تخالطه رائحة زكية تبهج من حولك وإن الأنانية في هذا الجانب تشبه مثل ركاب السفينة الواحدة الذين إذا أخذوا بمبادئ السلامة والنجاة نجوا جميعا، وإن أهمل البعض وحدثت ثغرة هلكوا جميعا بالغرق. فالنظافة هي التكامل والتعاون والتكاتف.

النظافة ذوق راق عندما يتعلق الأمر بأننا قدوة لأهلنا وأولادنا ومجتمعنا فبدون القدوة لن نجد حراكا وتعاونا فالأولاد ينظرون إلى الأم والأب ويدرسون أسلوب تعاملهم مع ملف النظافة دراسة متعمقة من خلال المعايشة اليومية فإن رأوا منهم إيجابية طبقوها ونعم التطبيق وإن رأوا سلبية طبقوها وهنا تكون الطامة عندما ينشأ الولد على خطأ يدمر به حياته وحياة من حوله وخاصة في جانب النظافة.

النظافة ذوق راق فأنا وأنت كأب وولي أمر يقع على عاتقنا مسؤولية تعويد الأبناء على المحافظة على نظافتهم ونظافة بيئتهم التي يعيشون فيها لأنهم سينقلون هذه التجربة إلى الأجيال التي تأتي بعدهم وهب أنك أو أنني أعطيتهم صورة سيئة في هذا الجاني وأخذوها عنا فإنها ستنقل إلى الأجيال القادمة، وصدق الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام عندما قال: «من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة».

النظافة ذوق راق عندما يتعلق الأمر بالشخصية الجذابة؛ فالمظهر الجميل الأنيق هو أولى المحطات التي تفتح باب القلوب إلى مساحة المحبة والألف والعكس، فالشخصية المنفرة أساس النفور المبدئي وربما يكون نهائيا هو الظهور بمظهر غير جميل أو غير محبب لذلك نجد التوجيه النبوي للذي ترك شعره متفرقاً بدون تردد «أما وجد ما يسكن به شعره» لأن الشعر المتفرق هنا كان مصدر نفور ومنظر غير محبب كذلك كان منظر الملابس المتسخة حيث النداء النبوي لصاحبه «أما وجد هذا ما يغسل به ثوبه» فعدم غسل الثوب بحيث يصبح متسخا كان كافيا لتحريك النفس وضيقها لهذا المنظر غير المحبب.

النظافة ذوق راق وصورة جمالية رائعة. فالطبيعة الخلابة التي لم تمتد إليها أيادي العبث أو التخريب أو التغيير تعتبر متنفسا ومكانا لإخراج كل الشحنات السلبية والضيق والكآبة لأن المنظر الجميل له وقع خاص على النفس ونحن نستطيع أن نجعل من البيئة التي نعيش منها بيئة جميلة تبهج النفس وتريح العين وتسلي الخاطر وذلك من خلال الحفاظ عليها أنيقة نظيفة مرتبة، وهذا مع أنه يريد الجهد والبذل والمثابرة لكنه يجلب كل الخير والنماء والترابط والمحبة وهذا في حد ذاته إنجاز بكل المقاييس.