أفكار وآراء

في تفكيك الوعي الذكوري

04 مارس 2020
04 مارس 2020

محمد جميل أحمد -

تعبيرات الوعي الذكوري عندنا تتصل، في حقيقتها، بوعي مضلل يعكس جوهرانية مفترضة لا تخلو من سمات تمييزية قاسية فيما يتصل بتعريف علاقته بطرف الأنوثة. بطبيعة الحال، طبقات هذا الوعي وجوهرانيته لها مستويات عديدة في اختراقها للثنائيات كالبداوة والحضارة (وإن كان الأصل البدوي لطبقات الوعي الذكوري هو الملمح الأبرز في تعبيرات الهوية الذكورية في هذا الجزء من العالم المسمى عربياً).

التعبيرات التي تستبطن الذهنية الذكورية لا تزال تنشط وتعكس ثباتاً أركيلوجياً متأتٍ من مرجعية البداوة، وهي في الحقيقة تعبيرات تظل أقوى حتى من الأوامر الدينية حتى، لدى كثيرين، حينما تتعلق بتدبير العلاقات البينية بين الذكر والأنثى، وحينما تنعكس في الصياغات القانونية، حيث نجد أن قوة العرف وضغوطه هي الأكثر تعبيراً عن تصرفات الوعي الذكوري الذي يتجاوز حدوداً كثيرة حيال علاقته بالأنثى وتتواطأ معه تلك الأعراف.

والحقيقة أن ذلك الوعي الذكوري يستمد هيمنته من رؤى غير واعية واستيهامات تجد مرجعياتها في مظان مجازية منفكة عن وعي الواقع كما هو؛ مثل شعر الحماسة والفخر الذي تشتغل مؤثراته في العقل الباطن للوعي الذكوري دون أي ضبط لمعنى وسياق العلاقة الحقيقية بين شطري الذات الإنسانية: الذكر والأنثى.

ذلك أن المرجعية الحقيقية لعلاقات الذكر والأنثى تتأسس في مرجعية الذات الإنسانية التي تشملهما بما يعني أن الهوية الواحدة للعنصرين لابد أن تكون حاملة لخصائصهما في التعبيرات المختلفة والنوعية لكليهما. فحين تتصور المرجعية الشعرية استيهامات غير واقعية للذكر بنفي الخوف عنه تماماً وإسباغ صفات غير واقعية على طبيعته الذكورية سيكون ذلك بالضرورة خصماً عن طبيعة الشطر الثاني من الذات الإنسانية؛ أي الأنثى.

يمكن القول؛ إن طبقات الوعي الذكوري عن نفسه وما يتشكل حوله من استيهامات وفرضيات وقناعات هو الذي يحول حتى اليوم من تدبر سوية علاقات إنسانية بين الذكر والأنثى تعكس مفهوم التكامل والأصل الواحد.

ذلك انه؛ حين نرد الذات الإنسانية إلى أصلها الواحد سينتفي بالضرورة ذلك التعريف الخيالي لصفات الذكورة في حقيقة الأصل الإنساني وطباعه الواحدة (مع اختلافات بينية نسبية في تلك الطباع) ويندرج في مجال واقعي تقتضيه طبيعة التعريف الإنساني ذاته.

وهذا هو ما أشار إليه القرآن الكريم حين شرط عملية التفضيل بين النوعين الإنسانيين بتفضيل متبادل: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ (بَعْضٍ).

فالتفضيل المتبادل الذي نص عليه القرآن الكريم نصاً، هو ما تهدره الذهنية الذكورية في تصورها لذاتها وبالتالي تهدر معه حقوقاً وقيماً تلعب دوراً كبيراً في تشويه نمط العلاقة بين النوعين.

اختبار العلاقة البينية للذكورة والأنوثة في المنطقة العربية في حقيقته وفيما يتصل بالواقع الذي تدل عليه مفردات وأحداث ووقائع كثيرة في حياة الناس، يعكس بلا جدال، طبيعة التخلف التي هي هوية تلك العلاقة حالياً.

فالتعدي والتهاون الذي تسمح به شبكة العلاقات ونظم الإدراك في المجتمع لصالح هيمنة العقلية الذكورية بتحصينها عن أي نقد بمبررات لا عقلانية؛ يتجاوز للأسف حتى الحقل المحدد لتلك العلاقة البينية إلى حقول أخرى كالسياسة مثلاً.

ذلك أنه حين نفكر في السياسة بحسب العقلية الذكورية (التي تشبه في طبيعتها حيال الأنوثة؛ فلسفات الهوية في اشتراطها ذاتاً وموضوعاً لتصورها للعلاقة كما تشترط الصراع هويةً لتلك العلاقة) فسنقع على كوارث حقيقية ودمار.

ويمكن التمثيل لهذه العلاقة بين العقلية الذكورية والسياسة بالتصريح الطريف إبان الحرب بين الولايات المتحدة والعراق في العام 2003 لنائب الرئيس العراقي آنذاك عزة إبراهيم الدوري حين دعا الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش إلى مبارزة صدام حسين بالسيف لإنهاء الحرب! وكان واضحاً ،بطبيعة الحال، أن مثل هذه الرؤية التي تفترضها تلك العقلية الذكورية بحسب هذه الحادثة هي رؤية عدمية لا تتصل بالوعي الحديث لمفهوم السياسة.

إن ظلال وأوهام الرؤية الذكورية حين تنفك عن طبيعتها الإنسانية النسبية، ستترتب عليها بالضرورة كوارث خطيرة في الحياة العامة.