أفكار وآراء

الخطاب السامي.. منظور شامل لمرحلة قادمة

04 مارس 2020
04 مارس 2020

رشا عبدالوهاب -

يكشف الخطاب السامي لجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله ورعاه - عن بعض التحديات والآمال والأحلام وتطلعات الأمة، كما أنه يعكس حكمة ومنظور القائد الذي يتحدث عن كل هذه الأمور.

وبعد 40 يوما من الحداد على جلالة السلطان الراحل قابوس بن سعيد - طيب الله ثراه -، تحدث جلالة السلطان هيثم بن طارق في خطابه السامي عن الخطوط العريضة التي سوف تسير عليها السلطنة خلال المرحلة المقبلة، تحدث عن الماضي والحاضر والمستقبل.

فقد حرص جلالة السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله ورعاه- على الحديث عن إرث السلطان قابوس بن سعيد خلال حكمه للسلطنة و«استعراض إنجازاته العظيمة ومآثره الخالدة التي ستبقى مفاخر وطنية لعمان الغالية، حاضرا ومستقبلا ومصدر إلهام للأجيال القادمة»، فالسلطان الراحل باني عمان الحديثة وباعث نهضتها.

وفي العاشر من يناير الماضي، استيقظت السلطنة وأبناؤها على نبأ مفجع بفقد المغفور له بإذن الله جلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور، وشاهد العالم درسا لا يتكرر، واستثنائيا بل ونادرا، في انتقال سلسل وسلمي للسلطة وشفافية غير مسبوقة بتولي جلالة السلطان هيثم بن طارق الحكم.

أرسل هذا الانتقال السلس واختيار السلطان هيثم بن طارق رسالة واضحة إلى العالم، فكثير من الدول دائما ما كانت تعرب عن قلقها من مستقبل الحكم في السلطنة، إلا أن اختيار السلطان هيثم بن طارق لتولي السلطة كشف سياسة السلطنة الحكيمة في كل الأوقات، ورؤيتها الثاقبة لمستقبلها وللمنطقة.

هذه الرسالة لخصها يوسف بن علوي بن عبدالله الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية، خلال تصريحاته على هامش مشاركته في منتدى دافوس الاقتصادي العالمي في يناير الماضي، حيث دعا إلى صياغة رؤية للمستقبل وتقديمها إلى الناس في الشارع، وتسائل: «كيف نريد أن يبدو الشرق الأوسط في غضون 50 أو 60 عاما؟»، فالهاجس الأساسي يتمثل في فكرة التطلع إلى المستقبل.

خلال خطابه، لخص جلالة السلطان هيثم بن طارق رؤية العالم للسلطنة ككيان حضاري فاعل ومؤثر في نماء المنطقة وازدهارها، واستتباب الأمن والسلام فيها، فهي تحمل رسالة للسلام تجوب العالم. وفي الخطاب الكاشف الذي ألقاه يوم الأحد 23 من فبراير الماضي، أبرز جلالة السلطان هيثم بن طارق ملامح المستقبل ورؤيته وطريقته في الحكم في شتى الجوانب سواء السياسية أو الاقتصادية أو المجتمعية أو علاقات السياسة الخارجية.

فيما يخص الشق السياسي، فإرث السلطان قابوس حاضر وبقوة عبر التعهد بالمضي على طريق البناء والتنمية، ومواصلة مسيرة النهضة.

وركز الخطاب على توجيه رسالة إلى الشباب الذين «هم ثروة الأمم وموردها الذي لا ينضب، وسواعدها التي تبنى، فهم حاضر الأمة ومستقبلها، وسوف نحرص على الاستماع لهم وتلمس احيتاجاتهم واهتماماتهم وتطلعاتهم، ولا شك أنها ستجد العناية التي تستحقها».

وتحتفل سلطنة عمان سنويا بيوم الشباب العماني في السادس والعشرين من أكتوبر، وتمثل فئتا الشباب والأطفال، وفقا لنشرة إحصاءات السكان الصادرة عن المركز الوطني لإحصاء والمعلومات في يونيو 2019، الشريحة الأكبر في عمان، وتمثل الفئتان حوالي ثلثي السكان بنسبة 64%، كما يتساوى الهرم السكاني حسب النوع لعام 2018 حيث بلغت نسبة الذكور 50.4% والإناث حوالي 49.6%.

تشمل أهداف الرؤية المستقبلة «عمان 2040» مضاعفة الاستثمار في تدريب الشباب لتطوير مهاراتهم كقوة عاملة تنافسية، ومن المفارقات الطيبة والإيجابية أن السلطان هيثم بن طارق أشرف بنفسه على إعداد وبلورة وصياغة هذه الرؤية.

وفي هذه الإطار، شدد السلطان على ضرورة الاهتمام بقطاع التعليم بمختلف أنواعه ومستوياته وتوفير البيئة الداعمة والمحفزة للبحث العلمي والابتكار.

ومن بين الأولويات الوطنية التي حددتها رؤية عمان 2040 كان التوجه الاستراتيجي بتعليم شامل وتعلم مستدام، وبحث علمي يقود إلى مجتمع معرفي وقدرات وطنية منافسة.

وحدد جلالة السلطان خمسة محاور سيتم العمل عليها من أجل تحقيق الأهداف المستقبلية: أولا اتخاذ الإجراءات اللازمة لإعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة، وثانيا: تحديث منظومة التشريعات والقوانين وآليات وبرامج العمل وإعلاء قيمه ومبادئه وتبنى أحداث أساليبه، وثالثا: تبسيط الإجراءات وحوكمة الأداء والنزاهة والمساءلة والمحاسبة، ورابعا: مراجعة أعمال الشركات الحكومية مراجعة شاملة بهدف تطوير أدائها ورفع كفاءتها وتمكينها من الإسهام الفاعل في المنظومة الاقتصادية، وأخيرا: دراسة آليات صنع القرار الحكومي بهدف تطويرها بما يخدم المصلحة الوطنية العليا.

هذه المحاور الخمسة تصب في صالح تطوير العمل الحكومي ودفع الاقتصاد الوطني إلى الإمام بقوة.

على الصعيد الاقتصادي، حدد السلطان هيثم بن طارق مجموعة من الأهداف والأولويات في خطابه، عبر توجيه أمثل للموارد المالية لخفض المديونية وزيادة الدخل، ففي رؤية عمان 2040 تأتي ركيزة تحقيق الثروة من خلال اقتصاد متنوع لا يعتمد على النفط، ففي موازنة 2020 التي أعلنتها وزارة المالية، كان أحد أبرز الأهداف الاقتصادية تتمثل في رفع مساهمة الإيرادات غير النفطية، ورفع مساهمات القطاعات الخمسة المستهدفة في الخطة الخمسية التاسعة، وهي القطاعات التالية: الخدمات اللوجستية، الصناعات التحويلية، السياحة، الثروة السمكية والتعدين.

وبما أن التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي هما الحاضر والمستقبل، فقد ركز السلطان هيثم على أهمية التكنولوجيا و»أهمية قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وقطاع ريادة الأعمال لاسيما المشاريع التي تقوم على الابتكار والذكاء الصناعي والتقنيات المتقدمة، وتدريب الشباب وتمكينهم للاستفادة من الفرص التي يتيحها هذا القطاع الحيوي»، موضحا أنه «لبنة أساسية في منظومة الاقتصاد الوطني».

وفي المستقبل، لا يمكن الحياة بدون تكنولوجيا، فهي ستكون الحل لكافة أنواع المشكلات في العالم ولتحسين حياة الناس واقتصادهم وتعليمهم، فهي واحدة من ركائز التنمية الأساسية.

وفيما يخص التوظيف وسياسة التعمين، فقد أكد السلطان هيثم بن طارق على إيلاء الاهتمام والرعاية والدعم لتطوير إطار وطني للتشغيل «باعتباره ركيزة أساسية من ركائز الاقتصاد الوطني»، متعهدا بتحسين بيئة التوظيف في القطاعين العام والخاص ومراجعة نظم التوظيف في القطاع الحكومي وتطويره.

نجحت السلطنة في رفع معدلات التعمين في منشآت القطاع الخاص والعام، وتقييد استقدام القوى العاملة غير العمانية في بعض المهن، إلا أنه معدل التعمين مازال في حاجة إلى زيادة، فقد بلغ متوسطه في القطاع الخاص حوالي 13%، وهو ما يعنى أنه ما زال يحتاج إلى المزيد من العمل لرفع هذه النسبة، خصوصا في القطاعات التي تشهد معدلات تعمين منخفضة.

وفيما يخص دور الفرد في المجتمع، فإن الجميع يحمل على عاتقه مسئولية، وهو ما أكده السلطان حيث أشار إلى أن «بناء الأمم وتطورها مسئولية عامة يلتزم بها الجميع ولا يستثنى أحد من القيام بدوره فيها».

وقد سعت عمان محور «الإنسان والمجتمع» في رؤية 2040، إلى صب الاهتمام على ثلاث ركائز: تعزيز الرفاه الاجتماعي عبر إرساء مبدأ العدالة والمساواة، والمحافظة على الهوية والتراث العماني، وتطوير الكفاءات والقدرات الوطنية عبر بناء قدرات المواطنين وإعدادهم بقدر عال من الكفاءة العلمية والعملية لمواجهة التحديات والمتغيرات العالمية.

هكذا صك السلطان هيثم في خطابه الأول مصطلح «شراكة المواطنين» في صناعة الحاضر والمستقبل كدعامة أساسية من دعامات العمل الوطني.

فيما يخص المرأة العمانية، فقد سعى جلالة السلطان إلى التأكيد على الحرص على تمتع المرأة بحقوقها التي كفلها لها القانون، وشدد على قيمة المساواة في كافة المجالات. وهكذا حدد جلالة السلطان ملامح السياسات الداخلية الكفيلة بصنع مستقبل باهر ومشرق، لكنه لم يترك مضمار السياسة الخارجية، فقد شدد السلطان على السير على نهج السلطان الراحل، فالسلطنة ستظل تحافظ على أن تكون رسالتها السلام.

فدائما ما أشاد العالم بحكمة عمان في سياستها الخارجية، فهي اتخذت منهجا محايدا بين المتخاصمين، وهو ما جعلها واحة للسلام والأمان والمحبة بدون ضغائن. وبفضل هذه السياسات الرصينة للسلطنة، أكد وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو خلال زيارته إلى مسقط في فبراير الماضي على الشراكة القوية بين سلطنة عمان والولايات المتحدة. وتعتبر عمان صوت العقل في المنطقة فيما يخص السياسة الخارجية، فهي وسيط أمين لحل النزاعات. وهكذا فقد شمل خطاب السلطان هيثم بن طارق الأول كافة مناحي رؤية مستقبلية لعمان أكثر قوة وأكثر ازدهارا، فكما أكد فأن «الانتقال بعمان إلى مستوى طموحاتكم وآمالكم في شتى المجالات، سيكون عنوان المرحلة القادمة بإذن الله».