رندة_صادق
رندة_صادق
أعمدة

عطر: من لا يحلم لا يعيش

04 مارس 2020
04 مارس 2020

رندة صادق -

[email protected] -

من منا لا يحلم في نومه وفي يقظته، يبدأ الحلم باكرا قبل ان يكتمل الوعي وينقسم إلى نوعين: حلم أثناء النوم، وحلم الآمال التي هي مجموعة أحلام يحتاجها الإنسان لكي يعيش، مع أنه يدرك أن الحلم كيان متغير يشبه الجنين الذي لا يخرج إلى الحياة إلا حين يكتمل، ومع ذلك سمعنا عن أحلام اكتملت وأخرى لم تكتمل، غالبا معظمها يسقط كلما تقدمنا بالعمر، وقد يتم استبدالها بأحلام أخرى أكثر ملاءمة لتطور الرؤية عند الإنسان وكل المتغيرات النفسية والفكرية له، إن الحلم الذي نراه في نومنا هو:« مجموعةٌ من الصور التي قد تكون غير مترابطة ولا منطق لها» .

ومن المعروف أن أهل العلم اجتهدوا في تفسير تلك الصور ودراستها والبحث بها وربطها باللاوعي وبمخزون الإنسان الذي يكبته أو الذي يخاف منه أو الذي يتمناه، ولقد وجدوا لها دلالات وأكدوا أنها قد تشير إلى أمر من الممكن أن يحدث في عالم الواقع، البعض يعتبرها فأل خير أو نذير شؤم، وهي تؤثر على إحساس الإنسان وتغير من مزاجه، كثيرا ما نسمع أن البعض استيقظ مزعوجا من حلم رآه في نومه، وقد يرى حلما جميلا يمنحه طاقة إيجابية وسعادة تلازم يومه، وهذه الأحلام التي يراها الإنسان بنومه تختلف عن مجموعة الأحلام التي تشكل كل ما يملكه الإنسان في رحلة عمره. حين تبدأ الحواس باكتشاف العالم المحيط بالإنسان، تنشط تلك الأحلام وتنخفض وتيرتها أو ترتفع بحسب التكوين النفسي للأشخاص وحجم العزيمة التي يتمتعون بها، فالموت ليس حين نلفظ أنفاسنا، بل حين نتوقف عن الحلم وعن زرع الأحلام بمن حولنا.

قل لعقلك وانت تخاطبه: لا يمكنني أن أتوقف عن الحلم خوفا من أن تُسجن الروح بين جدران الجسد»، فنتائج ذلك أيها الإنسان سيسكنك الجفاف واليباس ولا تتسرب الفراشات إلى غرفتك، ولن تناديك العصافير مع الضوء، ولن تتوق للركض إلى ذاك الحقل الذي يحتفل بربيع العمر وينتشر فيه الأقحوان الأحمر، ولن تقطف ألوان الطيف أو تعانق تلك الأشجار الباسقة التي تتمايل مبتسمة للسماء، الشمس الأرجوانية وساعات الغسق وبحر ازرق يغريك فتتساءل ما الذي يوجد خلفه؟ نايات وترنيمات وأناشيد لملائكة تعانق البياض في روحك، الله كم تنبض الدنيا حولك بالحياة!

قد تقع منا أحلامنا أو تسرق أو قد يسطو البعض عليها، ومع هذا لا يجب أن ننسحب خلف الحياة ونتقوقع وراء الحظ والنصيب، بل علينا أن ننهض ونبحث عن حلم آخر يرمم جراح الحلم السابق، الأحلام كأولادنا نعطيها من أرواحنا ونعتني بها ونشحنها من خيالنا وندعمها بواقعنا، نصبغها بألوان وأرقام وأسماء ننحتها بصبر وعناية وكأنها آخر ما نقوم به وأول ما نستحقه.

من نحن سوى مجموعة أحلام سيقهرها يوما الرحيل، ومع هذا هي تتوالد لتنتصر على ذاتها وتحقق غايتها في دعم الإنسان، هذا الكائن المحكوم بالزمن المنتهي الصلاحية إن عاجلا أو آجلا. مجموعة الأحلام تشكل مجموعة إنسان لا يستكين ولا يستسلم، كلما سقط فارس التقط الآخر راية المحاولة وخاض رحلته مسكونا بأحلامه. الأحلام دواء الملل وقاتلة الرتابة، وهي التي تعالج خوفنا وتمنحنا الطاقة على التحمل، البعض قد يغالي في الوقوع بسحرها ويخسر واقعه، ومعا هذا هي ضرورة تتمتع بطبيعة جميلة وخطيرة تثير الرغبة في التحدي والإصرار وأكيد المغامرة.

من لا يحلم لا يعيش، ونحن في زمن الحلم، العالم يختنق أمراضا وركودا وحروبا وجنونا، فماذا بقي لنا إلا زوايا الحلم.