khaseeb
khaseeb
أعمدة

نـبـــــض المجتمع: استمتع باللحظة

04 مارس 2020
04 مارس 2020

خصيب القريني -

لا أدري لماذا كل هذا اللهاث الذي يقوم به كثير من الناس للتخلص من أعمال حياتية يمارسونها لتحقيق ذواتهم، وكأنها عبء عليهم يجب الفكاك منه بأسرع وقت ممكن دون الإحساس بمتعة ممارسة ذلك العمل، سواء تعلق الأمر بموضوعات الدراسة أو العمل أو حتى اللقاءات الاجتماعية، لقد أصبحنا من كثرة ما تركز في ذهننا بأننا نعيش عصر السرعة، نمارس هذه السرعة في كل شيء، مع انه من المفترض أن نكبح جماحها إذا اردنا أن نعيش بهدوء وسلام، خاصة في تلك الأعمال التي قلما تتكرر في حياتنا.

ربما كانت هذه الأفكار تراودني وأنا استذكر أول لقاء لنا كمجموعة طلبة قرروا أن يمتهنوا دراسة التاريخ وذلك في عام 1995 في كلية التربية بولاية صحار، كم كان لقاء جميلا أن تتعرف على أشخاص من ولايات مختلفة عن ولايتك، عن وجوه وأفكار وتطلعات مختلفة في كل شيء، عن بيئات تمتلك تشابها بحد الاختلاف، ولكنه لا يفسد للود قضية، في ذلك اليوم كم كانت الأفكار تسرح بنا في الكيفية التي يمكننا أن ننهي بها اربع سنوات هي فترة مرحلة البكالوريوس الجامعية، كم كان همنا أن ننهي هذه المرحلة بأسرع وقت ممكن، كم كنا نتمنى أن نملك آلة الزمن لتختصر هذه الأربع سنوات في اربع دقائق، فرغم ما كنا نعيش فيه من أجواء أخوية استثنائية، إلا أن كل واحد منا في قرارة نفسه يتمنى نفس الأمنية، من كان يملك منا يا ترى الإحساس بتلك المتعة التي كانت مجموعة تاريخ 95 تمارسها في مطعم الكلية أو حتى في المحلات والكافتريات القريبة من الكلية وقت الاستراحات ما بين المحاضرات، أو في الأماكن الأخرى سوى بصورة جماعية مختلفة عن البقية أو حتى بصورة زمرية، أتمنى أن يكون ولو واحد منهم قد امتلك ناصية ذلك الاستمتاع بحيث كان يتمنى أن تستمر المرحلة فترة أطول مما هو مقرر لها فقط من أجل أن يعيش الشعور بالاستمتاع.

واليوم وبعد مرور ربع قرن على ذلك اللقاء نعود من جديد للقاء قصير نستذكر تلك الأيام وقد مر كل هذا الوقت الذي كنا نعتقد انه لن يمر، لقد مر سريعا فهل استمتعنا به؟ سؤال ربما ينضح توهجا وخبرة في هذه الفترة من العمر، حيث وصلنا لمرحلة يجب علينا أن نشعر ونستمتع بكل عمل حتى ولو كان لقاء لمدة من الساعات لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، إنها خبرة السنين، إنها قناعة الوقت الذي أدركنا كغيرنا متأخرين بعض الشيء انه يحتاج لفهم أعمق وأن نعيشه كما هو دون أن نستعجل مروره، حيث يكمن جماله في أن تعيش لحظاته التي يصعب أن تتكرر مهما حاولت واجتهدت في ذلك، فلو أوجدت المكان والوقت فالأشخاص يصعب إيجادهم وبنفس التصور والشعور الذي كان.

إن قدرتنا على أن نعيش كل جزء من حياتنا باستمتاع هو إحدى النعم التي يجهلها كثير من الناس، فكم من أناس لا يمتلكون ما نملك ولا يعيشون في مستوى معيشتنا، ولكنهم عرفوا كيف يستمتعون بحياتهم وهم بذلك في معايير الغنى أغنى واكثر ترفا منا، فكم ايقنا متأخرين لماذا لم نستمتع بمراحل معينة من حياتنا كان يجب أن نستمتع بها، والعبرة هنا.. هل سنستمع في المرة القادمة؟ أتمنى ذلك.