أفكار وآراء

«كورونا».. ماراثون دولي لتحطيم كرة الثلج

03 مارس 2020
03 مارس 2020

فتحي مصطفى -

لم يعد الخوف من الحروب والصراعات المسلحة هو الشيء الوحيد الذي يؤرق أي شعب أو نظام أو حكومة ويقض مضاجعهم، فهناك ما هو أخطر وأشد فتكاً منها، دون إطلاق رصاصة واحدة والتعرض لعقوبات وإدانات دولية، وهو الأوبئة والفيروسات، بصرف النظر عما إذ كان نشرها يحدث ضمن خطط استراتيجية للنيل من أي كيان، أو إحداث أزمات صحية عالمية لترويج أدوية بعينها لتحقيق أرباح خيالية، وهو ما يردده البعض دائما لدى حدوث أي انتشار لفيروسات أو أوبئة، فتارة يتردد أن الصين حاولت إنتاج هذا الفيروس لأغراض ما، ثم انقلب السحر على الساحر، وتارة أخرى يؤكدون اضطلاع الولايات المتحدة الأمريكية في ذلك الأمر، وما هي إلا افتراضات وهمية لا تستند إلى أي أساس علمي أو موضوعي، ولا يوجد ما يؤكد ذلك أو ينفيه.

وحسب تقرير مترجم عن «واشنطن بوست»، أكدت فيه أن ثمة شائعات ومعلومات مضللة انتشرت وسط حالة من النهم الممزوج بالهلع للحصول على أي معلومات أو إجابات حول هذا الفيروس وتداعياته وكيفية الإجابة عليها، وروج البعض إحدى النظريات الهامشية التي انطوت على أن هذه الكارثة ربما كانت نتيجة عرضية لأبحاث تجرى لإنتاج أسلحة بيولوجية، إلا أن الخبراء رفضوا هذه الفرضية، فيقول ريتشارد إيرابت.. أستاذ البيولوجيا الكيميائية بجامعة «روتجرز» أنه لا يوجد أي مؤشر يؤكد أن هذا الفيروس تم إنتاجه هندسياً، مستندا إلى فحص جينوم الفيروس وخصائصه، كما أكد تيم تريفان.. خبير السلامة البيولوجية في «ميريلاند» أن معظم الدول تخلت عن إجراء الأبحاث لإنتاج أسلحة بيولوجية بصورة كبيرة بعد سنوات من العمل أثبتت عدم جدوى ذلك، وأن أغلب الأمراض والأوبئة الجديدة التي انتشرت في العالم هي نتاج الطبيعة، أي بسبب ممارسات الإنسان في حياته اليومية.

ولقد اتجهت الأنظار وقت ظهور الفيروس في الصين إلى سلوكيات الشعب الصيني الغذائية، التي لا تخفى على أحد، ويمكن الرجوع إليها عبر منصة «يوتيوب» على شبكة الانترنت، إذ تحتوي على العديد من الفيديوهات التي تعرض للأسواق هناك، وتستعرض الأطعمة التي يتناولونها بمختلف أنواعها، ما بين الأفاعي وحساء الخفافيش والفئران والقطط والكلاب، والحشرات وغيرها، وهو أسلوب غذائي يعلمه القاصي والداني عنهم، بل وتناولته بعض الأعمال الدرامية أيضا.

ومع انتشار الفيروس وخروجه من الصين، خرجت حملات من الناشطين في بعض الدول رافعين شعارات باللغة الإنجليزية تقول:«China Stop eating everything that moves»، أي يطالبون الصين بالتوقف عن تناول أي شيء يتحرك.

وفي واقع الأمر تبرز تداعيات خطيرة بسبب انتشار فيروس «كورونا» أثرت بدورها على العالم في عدة مجالات، لاسيما الدول التي ظهرت بها إصابات، فلقد قررت المملكة العربية السعودية تعليق دخول غير السعوديين لأداء العمرة أو زيارة المسجد النبوي الشريف، بالإضافة إلى التأشيرات السياحية للأشخاص القادمين من دول تعاني من انتشار الفيروس، وذلك كإجراء وقائي منعاً لتفشي العدوى على الأراضي الحجازية، وأكدت الخارجية السعودية ضمن بيان لها أن هذه القرارات بصورة مؤقتة، إلا أنها لم توضح موعد انتهاء العمل بها، ما يطرح تساؤلا مهما حول مدى تأثر موسم الحج بهذه القرارات.

ولم تسلم أسواق الأسهم والسلع على وجه الخصوص، منذ إعلان الصين عن أول حالة وفاة لديها بسبب الفيروس من التعرض لخسائر كبيرة، حيث استسلمت الأسواق لحالة الرعب المتزايدة التي اجتاحت العالم، والتي نتج عنها فقدان ما يربو من ثلاثة تريليونات دولار، ثم تبع ذلك انتعاش بسيط، وفق سكاي نيوز عربية، ثم تلاها هبوط جديد مع تسارع انتشار الفيروس في كوريا الجنوبية وإيطاليا، وكذلك التحذيرات التي تبعتها من مركز مكافحة الأمراض الأمريكي، لترتفع الخسائر في الأسواق وتصل إلى ستة تريليونات دولار.

امتدت التأثيرات السلبية لفيروس «كورونا» إلى إسرائيل حيث أعلنت شركة الطيران الإسرائيلية «العال» ـ عبر فرانس برس ـ عن اعتزامها دراسة طرد ألف موظف من إجمالي العاملين لديها بسبب الخسائر التي تعرضت وستتعرض لها بسبب تفشي الفيروس المستجد، كما اضطرت إلى إلغاء الرحلات الجوية المباشرة التي تتجه من وإلى مناطق ينتشر فيها، كما حظرت على الرعايا الأجانب الدخول إليها في حالة ما إذا كانوا قد سافروا من هذه المناطق. كما اضطر الاتحاد الآسيوي لكرة القدم إلى إرجاء مباريات أندية شباب الأهلي والوحدة الإماراتيين، والتعاون السعودي.

ووسط هذه الحالة التي لا تدعو إلى التفاؤل، يبرز على الساحة الصينية جانب إيجابي لانتشار فيروس كورونا، كشفت عنه وكالة الفضاء الأمريكية «ناسا» حيث قالت إن صورا التقطتها الأقمار الاصطناعية أظهرت أن الإغلاق الذي تسبب به تفشي فيروس «كورونا الجديد» أسهم في تراجع حدة التلوث في الصين بصورة كبيرة وانخفاض مستوياته بشكل هائل، بسبب القيود التي فرضت على عمليات السفر، وما تبعه من إغلاق للشركات الصينية وهو ما أسهم في انخفاض نسب انبعاث ثاني أكسيد النيتروجين بشكل كبير، حسبما ذكر موقع «سكاي نيوز».

وثمة حراك كبير من قبل الدول العربية متمثلا في وزراء الصحة العرب، لاحتواء الأزمة واتقاء أضرار انتشارها، حيث دعا مجلس وزراء الصحة العرب، إلى عقد اجتماع طارئ بصورة استثنائية على مستوى خبراء وزارات الصحة العربية، من أجل مراجعة خطط الاستعداد وتبادل الخبرات حول وسائل مكافحة هذا الفيروس، وسوف ينعقد الاجتماع في الأسبوع الثاني من الشهر الجاري داخل مقر الأمانة العامة للجامعة العربية.

وردا على سؤال تم طرحه على الشيخ أحمد بن حمد آل خليفة، نائب رئيس منظمة الجمارك العالمية، على هامش أعمال الاجتماع رقم (51) لمديري عموم الجمارك لمنطقة شمال إفريقيا والشرق الأدنى والأوسط، حول خطة تحرك منظمة الجمارك العالمية للتعامل مع فيروس كورونا، قال: «إن مسؤولي الجمارك في دول العالم في الخطوط الأمامية على حدود كل دولة بالتعاون مع ممثلي وزارات الصحة والجوازات وباقي الأجهزة المعنية في كل دولة للتعامل مع حركة المسافرين بين الدول، خاصة وأن هؤلاء المسافرين يأتون من مناطق فيها هذا الوباء ولهذا تم اتخاذ خطة عمل وإجراءات احترازية لحماية دولنا من هذا الفيروس، لافتا إلى أن الجهود كبيرة وسيصدر بيان عن الاجتماع يعبر عن رؤية الجمارك يؤكد التزامنا ببذل كل الجهود لمكافحة الفيروس ونأمل أن تمر الأزمة بسلام».

وعلى المستوى المحلي أهابت شرطة عمان السلطانية بالمواطنين والأشقاء من مواطني دول مجلس التعاون بأنه سوف يتم تعليق استخدامهم للبطاقة المدنية التي تتيح لهم التنقل من وإلى السلطنة من خلال المنافذ المختلفة، علماً بأن هذا القرار جاء بصورة مؤقتة ويخضع للتقييم المستمر، وتتخذ السلطنة سياسة الوضوح والشفافية في التعامل مع أي إصابة ظهرت أو مشتبه بها، فلقد أعلنت وزارة الصحة أن عدد الحالات المسجلة في السلطنة بلغ 6 حالات، حتى كتابة هذه السطور، جميعهم في حالة مستقرة صحيا ولم تحدث وفيات وتماثلت حالتين للشفاء.

فإلى أي مدى إذن ستظل «كرة الثلج» تهبط على منحدرها ليكبر حجمها ويزداد ليكبد العالم خسائر أكثر فداحة، ويحصد المزيد من الأرواح، تساؤل يقودنا إلى ضرورة نشر الثقافة الوقائية على مستوى العالم من خلال برامج تلفزيونية هادفة وجادة، وعقد دورات تثقيفية من خلال منظمات المجتمع المدني تشرف عليها وزارات الصحة داخل الدول تحت مظلة منظمة الصحة العالمية، توضح خطورة بعض الممارسات والطقوس التي تمارسها شعوب العالم، سواء في الأطعمة أو عادات الاختلاط بالحيوانات أو غيرها، قد تؤدي إلى فيروسات وأوبئة أخرى أكثر خطورة ربما تصل بنا في يوم من الأيام إلى جائحة تأكل الأخضر واليابس.