Ahmed
Ahmed
أعمدة

نوافذ: وهج المناسبة..

03 مارس 2020
03 مارس 2020

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

مأسورون بكثير من المناسبات، الخاصة والعامة، وفي كل مناسبة يجب أن نكون غير، في أشكالنا، في ملابسنا، في تفاعلاتنا، في تقاربنا أو تباعدنا، فالمناسبة تفرض حضورا غير عادي علينا، أردنا ذلك أو لم نرد، المهم أن تبقى المناسبة بهيلمانها، وبقوتها، وباحتفاليتها، حتى وإن توسط توقيتها حالة حزن ما، فإن ذلك لن يؤثر على بقائها واستمرار مسيرتها إلى النهاية، وليحزن من يحزن، ويسر ويبتهج من يكون وقع المناسبة عليه أكثر، فالحزن حالة عارضة، في ظل توالي المناسبات وتدافعاتها الكثيرة، والمتعددة.

في حالاتنا العادية اليومية، نلبس ما نريد من الثياب، ونكون على الهيئة التي نريد، ويكون وقتنا ممتدًا بلا حدود، ومسخرًا لأشياء كثيرة، ومقتطع منه لأشياء خاصة، وقس على ذلك أمثلة كثيرة، ولكن عندما تحل المناسبة، فإن هناك استنفارًا غير عادي، لكل شيء، وفي كل شيء، فالملابس تختلف، والهيئات تتشكل، والوقت محصور، ولا مجال للذهاب بعيدًا عن محدودية المكان، أو الارتباط بمواعيد أخرى جانبية، وهذا الاستحواذ كله، لا تفرضه التزامات أخرى في حياتنا اليومية إلا المناسبات، ومعنى هذا فالمناسبات هي الأخرى تمارس علينا غواياتها المختلفة، ونقبل ذلك بكل سرور؛ لأن هناك تجددا، وابتهاجا، كما نريد، وكما نتوقع أيضًا.

وحالة الاستنفار هذه لا تقتصر على نوع دون آخر، فالرجل والمرأة يشتركان في ذات التمثيل، وفي ذات الاهتمام، ويظل التمايز فقط في الشكل، حيث تحرص النساء أكثر على المبالغة في التمثيل، امتثالًا لفطرتها المرهفة، التي ترى الأشياء بعين ثالثة؛ ربما؛ بينما الرجل لا يميل كثيرًا إلى البهرجة، لقناعته أن أن لا ضرورة إلى ذلك، وهذا الأمر خاضع أيضا لعوامل كثيرة، تتقدمها التجربة وخبرة الحياة، والعمر المكتسب، وربما تأتي البيئة الاجتماعية لتضيف أبعاد أخرى في إضافة مكملات -ربما- لا تكون في بيئات اجتماعية أخرى.

اللافت في الأمر أكثر هو حالة التكلف المادي، والشحن المعنوي، والذي يستنزف الكثير من الجهد، وقد يفوت أشياء مهمة في حياة الناس اليومية، ولكن لأنها مناسبة، فكل شيء لا يهم في حينها، المهم أن يبقى ألق المناسبة، وتألقها هو الشاهد على الصورة العامة على مستوى الوطن، أو المجتمع الصغير، أو الأسرة، وهي الأصغر في تشكيلات المجتمع والوطن ككل.

يتحمل الأفراد الكثير من التكلفة المادية والمعنوية، ليس فقط انعكاسا لسرور يشعرون به، ولكن لأن هناك تبعات اجتماعية عديدة، تذهب بهم لأن يتجشموا عناء المناسبات، وما تفرضه عليهم من هذه التكاليف، فالمسألة ليس خيارًا، يأخذون به، أو لا يأخذون، وإلا أوقع؛ كل صاحب مناسبة نفسه؛ في إشكاليات كثيرة؛ معظمها؛ معيبة، وسوف توسم في خلقه، وتربيته، وأصالته، ومن هنا يأتي الخوف أكثر، والناس راصدون لكل صغيرة وكبيرة لكل أفراد المناسبة، في لباسهم، وفي استعداداتهم لاستقبال ضيوفهم، وفي مستوى الأكل المقدم لهم، وفي باحة المكان، وتهيئته، وهذه كلها مشاريع معرضة للنقد، والتذمر، وللإساءة أيضًا، وكم سمعنا عن مواقف حصلت فيها مصادمات شعورية، وتلاسنات كلامية، وأدى ذلك كله إلى زعل وعتاب، وربما إلى قطيعة، وهذه من أسوأ المواقف التي يتعرض لها أصحاب المناسبة، إن حصلت، ولو في حالات استثنائية.

لذلك؛ في العادة؛ ترسم خطة للمناسبة؛ أي كان حجمها، وموضوعها، وعلى منفذي الخطة من أفراد الأسرة أن يكونوا حذرين، ومتيقظين لأي صغيرة وكبيرة، حتى لا يقعوا في المحظور الذي لا يرغبه أي أحد، ولا يتوقعه أي أحد، فالناس- بطبيعتهم- تتوغل في نفوسهم الحساسية المفرطة، وهم شديدو المزاج والتقلب، وأتصور من هنا نشأت فكرة الشركات التي تقدم خدماتها لضيوف من عندهم مناسبة ما، حتى تقلل من ضغط المهمة، وتعطي نفسًا جيدًا للمراقبة والمتابعة، وتقليل الأخطاء.