أفكار وآراء

كورونا يختبر وحدة الكوكب في مواجهة أزماته

01 مارس 2020
01 مارس 2020

ديفيد إجنيشس- واشنطن بوست - ترجمة قاسم مكي -

ظل الأطباء يعدون العدة طوال 15 عامًا للحدث الكبير. إنه الجائحة التي ستهز النظام العالمي للصحة العامة كما الزلزال. والآن مع الانتشار السريع لفيروس كورونا ربما أن ذلك الحدث الكبير «يحدث».

قد لا يبدو هذا التفشي الفيروسي شبيهًا بأي شيء آخر شهده معظمنا من قبل. فبعض المدارس ربما تغلق أبوابها وبرامج الأحداث الرياضية قد يتم تعديلها وخطط السفر ستوضع على الرف وبعض العمال قد يُنصحون بالبقاء في بيوتهم والعمل من هناك (باستخدام الإنترنت والبريد الإلكتروني والهاتف- المترجم). وسيكون هنالك ضغط على البنية الأساسية الخاصة بتوصيل الطعام والضروريات الأخرى.

لقد حذر مسؤولو الصحة العامة الأمريكيون يوم الثلاثاء (25 فبراير) من أن انتشار الفيروس في الولايات المتحدة أمرٌ «حتمي». وقالت نانسي ميسونييه، مديرة المركز القومي للتحصين والأمراض التنفسية: إن «المسألة ليست هل سيحدث ذلك (أي انتشار كورونا) ولكن متى سيحدث وكم عدد الناس الذين سيعانون بشدة من المرض في هذا البلد».

أصابت هذه التصريحات وأمثالها الأسواق المالية بالدوار لليوم الثاني على التوالي.

لقد حوصر الأطباء بين واجب تحذير العامة والرغبة في تجنب إحداث حالة من الذعر. فمنظمة الصحة العالمية تحذر من «الإعلام الطبي» الذي تضخم فيه الأخبار السيئة والإشاعات من الخطر. والمعلومات المضللة يمكن أن تنتشر بأسرع من المرض.

في عام 2006 أصدرت الولايات المتحدة أولى خططها لتطبيق «الاستراتيجية الوطنية لجائحة الإنفلونزا» والتي يتم تحديثها بانتظام منذ ذلك التاريخ. احتوت النسخة الأولى من هذه الخطة على التنبيه الصارخ التالي:

- ستقود البلبلة أثناء الجائحة إلى العديد من النتائج التي نخشى منها بما في ذلك بث الذعر وسط الناس والتصرفات غير المتوقعة والأحادية من جانب الحكومات وانعدام الاستقرار في الأسواق والآثار التي يمكن أن تدمر الاقتصاد. ليست هنالك مغالاة في القول بوجوب توافر معلومات متجانسة وصادقة ودقيقة وفورية تستهدف جمهورًا محددًا.

هذا وتعكف جوجل وفيسبوك وتويتر، وهي الجهات الخاصة التي تحرس الفضاء المعلوماتي على تطهيره (من المعلومات الفاسدة). فتويتر تحاول ضمان تقديم «معلومات مقبولة وموثوقة» على هاشتاغ فيروس كورونا. ويزيل فيسبوك المعلومات غير الدقيقة عن المرض. أما محرك جوجل فيمنح دورًا بارزًا للمعلومات المدققة والمحققة في نتائج البحث.

في الأثناء، تنشر منظمة الصحة العالمية عبارات بسيطة لتكذيب المعلومات غير الصحيحة «الأساطير» عن المرض من شاكلة «هل يمنع الثوم أو زيت السمسم العدوى؟ لا.» أو «هل استلام رسائل بريدية قادمة من الصين آمن؟ نعم.» من جانب آخر، اتخذت السلطات الصحية أغلب الخطوات الصحيحة حتى الآن. فقد تم بسرعة إكمال التسلسل الجيني للفيروس. ويجري تطوير اللقاحات. ويراقب علماء الأوبئة انتشار المرض عن كثب. والأطباء في ووهان بالصين، حيث بدأ الفيروس وضعوا بدقة خارطة للحالات الأولى للإصابة بالمرض ومعدلات الوفاة. لقد حدث انخفاض حاد في عدد الحالات الجديدة. وهذا شيء مشجع. وينبه الأطباء بأن على الناس التركيز على أساسيات الصحة الجيدة مثل: «غسل الأيدي بانتظام إجراء وقائي أفضل من ارتداء قناع الوجه. وأخذ لقاح الإنفلونزا ضروري. وإذا أصيب شخص سيحتاج إلى رعاية معززة في أثناء محاربة نظامه المناعي للفيروس».

لقد حاول مسؤولو الصحة التصدي للوباء بالفحوصات وحظر حركة الناس والمحاجر الصحية.

لكن هذه الإجراءات محدودة الأثر. فبعض المسافرين الذين وصلوا من ووهان كان فحصهم سلبيًا لكن وجد لاحقا أنهم أصيبوا بالعدوى.

ومن غير المعلوم من أين جاء الفيروس في بعض الجيوب التي ظهر فيها المرض في إيران وإيطاليا. فبقدر ما يعلم الأطباء عن المرض الجديد لا يزال هنالك الكثير الذي يصيبهم بالحيرة.

دور السياسة في هذه الأزمة مهم. كانت الصين في البداية بطيئة في رد فعلها لأن المسؤولين هناك أرادوا إخفاء الأخبار السيئة عن المرض. وعلى نحو مشابه لذلك ربما أن السلطات الإيرانية لم تحسب العدد الكامل للإصابات في موضع تفشي العدوى في البداية. وتصريح الرئيس الأمريكي ترامب قبل أسبوعين بأن الفيروس على الأرجح «سيختفي» في أبريل لم يكن موفقا. كما أن تقاطع جائحة الأنفلونزا التي تمثل أزمة صحة عامة مع حملة الانتخابات الرئاسية الأمريكية مثير للقلق.

حتما سينكمش اقتصاد الولايات المتحدة والعالم (من جراء الوباء). وحين يحدث ذلك سيبحث ترامب عن أناس ينحي عليهم باللائمة. وربما أنه أيضا سيجد من المغري اتخاذ خطوات تزيد من فداحة التكلفة الاقتصادية والصحية للأزمة. هذه هي اللحظة التي تبدو فيها نصائح الخبراء ضرورية لتهدئة المخاوف وتطوير علاجات ناجعة.

لكن تفشي الفيروس يأتي في وقت يشهد إضعاف الجسم السياسي للمجتمع في أمريكا والخارج من جانب الساسة الشعبويين وعشَّاق الحرب.

لقد حذر المحللون من «موت الخبرة»، حسب التعبير الذي جاء في كتاب لتوماس نيكولز صدر مؤخرًا. (يرى الكاتب أن العلاقة بين الخبراء والمواطنين في الأنظمة الديمقراطية تتعرض للانهيار بفضل قوى عديدة من بينها الإنترنت التي رغم أنها تتيح المساواة في الحصول على المعرفة إلا أنها تقلص من معاييرها المطلوبة لكي يكون المرء خبيرا - المترجم). فقد كان هنالك رد فعل مضاد لعمليات التحصين وإجراءات الصحة العامة الأخرى حول العالم.

وهاهنا عبارة من أربع كلمات أودُّ أن أسمعها من ترامب وهي «أيها الناس أنصتوا للأطباء».

نحن أحيانا نقول إن الأزمة العالمية (مثل وقوع كارثة طبيعية وبيلة) قد توحِّد العالم وتحُثُّ الناس على توحيد الصفوف. مع فيروس كورونا سيكون لدينا اختبار لهذه المقولة. هذا الوباء يمكن السيطرة عليه بالتعاون العالمي. لكن ستكون هنالك، في الأثناء، مطبات في الطريق.