أفكار وآراء

نهضة متجددة ومسيرة متواصلة

29 فبراير 2020
29 فبراير 2020

سالم بن سيف العبدلي/ كاتب ومحلل اقتصادي -

عندما تولى المغفور له بإذن الله تعالى جلالة السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- مقاليد الحكم في البلاد قبل خمسة عقود أي في عام 1970 م كان همه الأساسي الانتقال بالسلطنة من مرحلة التخلف والجهل الذي كان يسود البلاد إلى مرحلة التقدم والنماء والازدهار ورغم صعوبة تلك المرحلة لعدة أسباب أهمها عدم توفر الموارد المالية اللازمة لإحداث النقلة المطلوبة وتحقيق الطموح ووجود العديد من القلاقل الداخلية خاصة في جنوب السلطنة في تلك الفترة إلا أن جلالته وبتوفيق من الله ومن خلال الصفات التي تحلى بها والمتمثلة في الإرادة والعزيمة والتصميم منذ اليوم الأول لتحمله المسؤولية وحتى آخر يوم من حياته رحمه الله وفي أحلك الظروف عندما كان يصارع المرض استطاع أن يوفي بما وعد ويحقق ما أراد.

وهذا ما أكد عليه جلالة السلطان هيثم بن طارق- حفظه الله- في مستهل خطابه السامي الذي ألقاه قبل أيام عندما قال: «إن العقود الخمسة الماضية شهدت تحولا كبيرا في بناء الدولة العصرية، وتهيئة البنى الأساسية الحديثة والمتطورة في كافة ربوع الوطن، بقيادة باني عمان الحديثة، المغفور له بإذن الله جلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور- طيب الله ثراه- وبجهود المخلصين من أبناء عمان الذين نسجل لهم كل التقدير والإجلال على ما بذلوا من أجل رفعة عمان».

وها هو المشهد يكرر والتاريخ يعيد نفسه وإن كانت الظروف قد تغيرت إلا أن الهدف واحد وهو مصلحة عمان وبناء الإنسان العماني ربما ما يميز المرحلة الحالية هو أنها تقوم على أسس راسخة ومتينة بينما المرحلة الأولى والتي يمكن أن نطلق عليها مرحلة النهضة الأولى بدأت من لا شيء، أما اليوم فإننا أصبحنا في دولة المؤسسات والقانون ودولة تملك كل مقومات النهضة والتنمية وبنى أساسية وعصرية شبه مكتملة من هنا كان الخطاب التاريخي لجلالة السلطان هيثم بن طارق- حفظه الله ورعاه- والذي لقي صدى كبيرا ورضا بين المواطنين المتطلعين إلى المجد والعلى قد ركز على رؤية ومنهجية واضحة لمرحلة متجددة من النهضة العمانية.

تضمن الخطاب السامي العديد من المضامين والتطلعات والرؤى للمرحلة القادمة من عمر النهضة المباركة وهي بلا شك مرحلة هامة وحاسمة وتحتاج إلى جهد وتعاون الجميع مثلما كانت المرحلة السابقة وهكذا كانت دعوة جلالته لأبناء عمان الأوفياء كما أطلق عليهم في خطابه المبارك وقد وضع النقاط على الحروف وحدد مسار التنمية والتي توافقت مع أطر ومضامين رؤية عمان 2040 والتي أشرف عليها جلالته مباشرة حيث تضمنت وثيقة الرؤية 64 مؤشرا كميا ونوعيا قابلة للقياس نصفها محلي والآخر دولي، مع تحديد مستهدفات واضحة لعام 2030 وأخرى لعام 2040.

ونظرا لأهمية ما جاء في الخطاب والذي حدد مسار التنمية خلال المرحلة القادمة وهو بمثابة خارطة طريق ومنهاج واضح للمستقبل فإننا سوف نقف معه أكثر من مرة في هذه الزاوية نحاول قراءة ما جاء فيه من مضامين وأهداف، لقد بدأ جلالته- حفظه الله- حديثه بالترحم على فقيد الأمة والوطن والمؤسس الأول لنهضة عمان الحديثة وفاء له على ما قدمه لعمان وشعبها الوفي وستظل ذكراه باقية راسخة في وجداننا جميعا وبصماته سيخلدها التاريخ بأحرف من نور وقد ذكر جلالته العديد من مناقب جلالة المغفور له بإذن الله تعالى التي تحققت على أرض الواقع والتي ستبقى مفاخر وطنية لعمان الغالية حاضرا ومستقبلا ومصدر إلهام للأجيال القادمة يستلهمون منها الإخلاص والتفاني في خدمة الوطن والحفاظ على قيمه ومكتسباته وصون أمنه واستقراره والإسهام في نمائه وازدهاره كما أشار جلالته- حفظه الله ورعاه.

وشكر جلالته كل من وقف مع عمان في محنتها وشاركنا الأحزان من كافة أصقاع المعمورة وذكر جلالته بأن توافد قادة العالم والمسؤولين من المنظمات والهيئات الدولية عكس مكانة السلطان قابوس وأكد جلالة السلطان هيثم- حفظه الله- على مكانة السلطنة التاريخية وتاريخها العريق حيث قال:

«لقد عرف العالم عمان عبر تاريخها العريق والمشرّف، كیانا حضاريا فاعلا، ومؤثرا في نماء المنطقة وازدهارها، واستتباب الأمن والسلام فيها، تتناوب الأجيال، على إعلاء رايتها، وتحرص على أن تظل رسالة عمان للسلام تجوب العالم، حاملة إرثا عظيما، وغاياتٍ سامية، تبني ولا تهدم، وتقرب ولا تباعد، وهذا ما سنحرص على استمراره، معكم وبكم، لنؤدي جميعا بكل عزم وإصرار دورنا الحضاري وأمانتنا التاريخية» وهذا ما أكد عليه جلالة السلطان الراحل أيضا منذ بداية قيام نهضة عمان الحديثة في تناغم تام في التوجهات والغاية والإيمان بالثوابت الراسخة والتي تؤكد على أن حضارة عمان راسخة منذ القدم. وحديثنا مستمر بإذن الله تعالى في الأسبوع القادم.