1447565
1447565
المنوعات

«صفحات».. مكتبة وبيت قراءة في مسقط.. ونسخة من طابعها في معرض الكتاب

28 فبراير 2020
28 فبراير 2020

«نحبها وليس هدفنا أن تجلب لنا مالا» -

كتبت - بشاير حبراس -

دخلتُ «بيجز» متأخرة بوقت ليس بالقصير مذ أن افتتحتها عبير بنت علي الكلبانية في مدينة السلطان قابوس في مسقط، وفي المرة الأولى المتأخرة التي ذهبت فيها إلى هناك كنت أقول إنه لأمر رائع أن يكون للمرء بيت آخر يذهب إليه، فعبير علي ورفاقها سامر القادري وزوجته جلنار من سوريا والمقيمين في هولندا، حلموا جميعا ببيت يشاركون أنفسهم والجميع فيه فكانت «بيجز» في إسطنبول وأمستردام وهذه المرة في مسقط.

وحدث أن ألتقي بسامر خريج فنون جميلة كما أنه جرافيك ديزاينر الذي جاء هذه المرة من أجل «بيجز» صغيرة أخرى في معرض مسقط الدولي للكتاب، فجلسنا في الركن الذي يشبه تماما «بيجز» في مدينة السلطان قابوس ولابد أنه لا يختلف أيضا عنها في إسطنبول وأمستردام بالجدران الملونة والرفوف الخشبية النابتة من الجدران، والأثاث الدافئ، كل شيء حتى التحفة الصغيرة وأصائص النباتات تقول إنه بيتنا جميعا.

فسألته عن خطوات الرحلة الأولى أن تنشئ مكتبة، فقال: «بدأت عندما خرجنا من سوريا إلى تركيا واكتشفنا أنه ليس بتركيا مكتبة عربية مع أنها دولة إسلامية ويقرأون القرآن، إلى لجوء السوريين إلى تركيا، علاوة على وجود بعض العرب من تونس ومصر والجزائر وغيرها يعيشون هناك. ولأننا دار نشر قررنا أن نفتح مكتبة في إسطنبول، ومن هنا انطلقنا في أن تكون المكتبة واجهة للعرب لتعريف الأتراك بنا، الذين تفاجأت أنهم لا يعرفون عنا شيئا ولا نعرف عنهم مع أن لنا حدودا طويلة مشتركة، فكانت هذه صاعقة بالنسبة لي خاصة أن عاداتهم وطريقة حياتهم تشبهنا كثيرا كسوريين على الأقل.

فقررنا أن نفتح مكتبة، ليس مجرد مكتبة بل أن تكون مركزا ثقافيا يقدم ثقافتنا للآخر، كما أن إسطنبول تضم كل جنسيات العالم المختلفة وكانت فرصة لتقديم ثقافتنا للأوروبي والأمريكي وكل الجنسيات، وما كان يفاجئني أننا العربَ لدينا إمكانات عالية، ورؤوس أموال ضخمة، لكن لم يفكر أحد بافتتاح مكتبة أو شيء ثقافي في الخارج حتى يقدمنا كتاريخ وتراث وعادات وثقافة وموسيقى وفكر».

وتابع: «أنا بصفتي سوري سافرت لأوروبا كثيرا من قبل من أجل المعارض، لكن عندما تعيشين بينهم تكتشفين لأي درجة هم يجهلوننا، وهذه ليست مسؤوليتهم وحدهم بل مسؤوليتنا نحن أيضا كعرب وكرؤوس أموال وكاقتصاديين مسؤولين بتوجيه جزء بسيط من أموالنا لنقدم شيء كهذا، لا كاستثمار فقط بل ربح أيضا، ومن هنا قدمنا «بيجز» التي ترين فيها بشكل يومي بدون مبالغة ١٥ جنسية مختلفة في مكان واحد، يتعرفون ويتحدثون إلى بعضهم البعض ويسمعون الموسيقى ويشاهدون الأفلام مع بعضهم، لأن «بيجز» ليست مكانا للكتاب فقط، الكتاب جزء من الثقافة والخطأ الشائع في عالمنا العربي أننا إذا لم نقرأ يعني أننا غير مثقفين وأنا ضد هذه الفكرة، قد لا يقرأ المرء لكن قد تكون لديه ثقافة من نوع آخر، أحيانا تكون بسيطة كالاستماع إلى موسيقى بسيطة هذه جزء من الثقافة، أحيانا أتذوق لوحة صغيرة هذا جزء من الثقافة، بغض النظر عما إذا كنت أقرأ أم لا، الثقافة كيف أفكر وكيف أعيش وكيف أتصرف هذا كله جزء من الثقافة، وهذا ما تقدمه «بيجز» وهذه فكرتها أن أستمتع بكل شيء صغير حولي، لأجل ذلك هي تضم معارض فنية وسينما ومسرحا وكل يوم فيها فعالية مختلفة فيها كتاب وكتّاب وكل شيء يمكن أن تتخيليه للأطفال وللكبار، ففيها روح جعلتنا نقول للناس إن البيت بيتكم لأنه أصبح مثل بيت لكل الناس.

والبيت مسؤولية عندما تذهبين لبيتك تكونين مسؤولة عنه، فكان تحميل جزء من هذه المسؤولية للناس، أن هذه مسؤوليتكم التي تجب أن تحافظوا عليه لأنه هويتكم وحبكم وشغفكم وما يجب أن تقدموا فيه شيئا ما لذلك هو مفتوح للناس حتى تقدم ما عندها من ثقافة ووجهات نظر.

من هذه النقطة انطلقنا كانت بإسطنبول وأخذت شهرة كبيرة ثم بأمستردام والآن بمسقط وكل هذه الخطوات كانت برفقة عبير علي الكلباني من بداية الرحلة في إسطنبول وحتى مسقط، وكان معنا أشخاص آخرون لكنهم تركوا المسألة لأنها لم تكن ربحية فتركوها، ففضلوا الانسحاب وبقينا عبير وجلنار وأنا على هذا الطريق».

لم أرد أن أقاطعه لكنني سألته عن الهوية التي تميزهم عن غيرهم، فقال: الهوية جزآن، جزء روح المكان والناس المتواجدة فيه، فالناس جزء من هوية المكان وتفاعلها معه لأن هناك أناسا تحب المكان وتصبح جزءا من هويته ثم يطوروها، وهناك هوية الشكل قائمة على فكرة بسيطة جدا، وهي البيت أي أنني لا أريد أن يشعر الناس أنهم داخلون لمكتبة جامدة بدون روح، وإنما أن يشعر الناس أنهم داخلون لبيتهم ومن هذا المنطلق جاءت هوية الشكل، في الشعور بأن المرء داخل لبيته ويتصرف فيه وكأنه بيته بدون حواجز».

وأضاف: «كثير من الأشياء في «بيجز» تستطيعين رؤيتها في بيتك الأثاث والكنبات وكل شيء، فلما نختار المفروشات والألوان نختار ما يناسب البيت ونفكر فيه كأننا نعيش فيه لأجل ذلك يشعر الناس بأنهم مرتاحون للمكان».

فسألته عن الأشخاص الذين يعجبون بكل هذا لكن من أجل التقاط الصور، ثم لا يعودون أدراجهم، فقال: «دائما هناك أشخاص يفعلون ذلك، لكن ليس المهم أن تعود أو لا تعود المهم أنهم جاؤوا ورأوا شيئا جميلا، وقد يقلدونه حتى في بيوتهم وهذا جيد بل هذا بالضبط ما نحاول أن نقدمه».

وواصل: «نحن نفتح «بيجز» في كل مكان وهذا جهد فوق طاقتنا لأنه لدينا شغف فيها، نحن نحبها، وليس هدفنا أن تجلب لنا مالا، لو كانت كذلك سأكون سعيدا جدا، لكن هي لا تخسر على أقل تقدير وإنما تغطي تكاليفها، وعندما فتحتها تطورت بمساعدة الناس، و»بيجز» لا أريد أن أقول كأنها ابننا ولكن نعم هي تشبه شيئا كهذا أحبها كأنها حياتي أعطيها كل وقتي أعمل فيها ١٢ ساعة في اليوم سبعة أيام في الأسبوع، لا تعطيني مالا ولا أعيش منها لكني أعيش من شيء آخر».