1446222
1446222
إشراقات

القراءة.. تحصّن عقيدة المسلم من التيارات المنحرفة والأفكار المتطرفة

28 فبراير 2020
28 فبراير 2020

تجدد الذاكرة وتهذب الأخلاق وتشحذ العزيمة -

متابعة: سالم الحسيني -

«القراءة ضرورة كالتنفس والإنسان القارئ هو إنسان متجدد، فهي تجدد المرء وتنمي ذاكرته وتهذب أخلاقه، وتشحذ عزيمته، وهي السبيل الأول للحصول على المعرفة، والطريق الأمثل لإدراك الوضع البشري، وإرضاء الذات، وهي سبب من أسباب النهوض الحضاري، فالأمة القارئة تستطيع أن تحمل أمانة الدعوة وأمانة الحضارة، كما أنها تحصّن عقيدة المسلم أمام هذا الكم الهائل من التيارات المنحرفة والأفكار المتطرفة.. ذلك ما أكده الشيخ أحمد بن إسحاق البوسعيدي في محاضرته بجامع الأنوار بالمعبيلة الجنوبية، مؤكدا أنها علاج ناجع لكثير من المشكلات الاجتماعية، حيث المجتمع اذا كان قارئا يكون مجتمعا واعيا تقل فيه الجرائم.

وأوضح أن الذين ينحرفون فكريا وإيمانيا وعقديا عقولهم في كثير من الأحيان خالية من العقيدة الرصينة، ومن الفكر الإسلامي الصحيح، نقرأ المزيد من ذلك في هذه المحاضرة التي ألقاها بجامع الأنوار بالمعبيلة الجنوبية، والتي جاء تحت عنوان: «أهمية القراءة»، وذلك ضمن سلسلة دروسه «لطائف المعارف»، حيث استهل البوسعيدي محاضرته قائلا:

إن الحديث عن القراءة حديث شيّق، ممتع فيه الكثير من الفوائد والفرائد وقد ألفت حول ذلك الكثير من الكتب ومن البحوث وما يتعلق بها، واستفتح هذا اللقاء بسؤال استفتح به الكاتب محمد بن نعيم الفارسي كتابه: «القراء صنعة العظماء».. هل القراءة هواية أم ضرورة؟ يقول البرتو منويل وهو أحد المؤلفين في جانب القراءة وله عدة مؤلفات في هذا المجال: إن القراءة مفتاح للعالم، ويقول: القراءة ضرورة كالتنفس.. نعم ان القراءة هي مفتاح للعالم، فاذا جئنا إلى العالم الافتراضي والعالم الرقمي والعالم المعلوماتي أمام هذا الكم الهائل من العلم والمعرفة فان الإنسان لا يستطيع أن يدخل في خضم هذا العالم الكبير إلا عن طريق القراءة، فالمعلومات في تزايد والمعرفة في نماء، فتجد ان المعرفة تزداد يوما بعد يوم، والبحوث تؤلف برقم فلكي كبير في السنة الواحدة، فتجد المعارف تتكون من كليات ثم من جزئيات، ومن فروع ثم تتحول تلك الفروع إلى كليات وتصبح علما مستقلا، فلكي يدخل الإنسان إلى هذا العالم الافتراضي لابد له من القراءة، مشيرا إلى أن الإنسان يقف أمام المكتبة فيطالع مثلا حديثا نبويا أو يردد بيت شعر، أو يستملح نكتة طريفة، ويعيش تقلب العالم وينظر إلى تصرفاته وانتقال البشرية من طلوع إلى نزول كل هذا لا يدخل الإنسان إليه إلا عن طريق القراءة، أما بالنسبة إلى العالم المشاهد فالإنسان كذلك لا يستطيع أن يعيش فيه وتكون له بصمة في هذا الواقع إلا أن يكون قارئا، وقد قائل احد المفكرين المسلمين قبل مدة من الزمن أن العصور القادمة لا تكون إلا لشخص باحث متمرس في القراءة، أما أولئك الذين يقضون أوقاتهم ويسهرون على الأحاديث الجانبية ليس لهم مكان في العالم القادم، وليبحثوا لهم عن مكان آخر، وإنما المستقبل هو للباحث المجد الذي تكون له بصمة في هذا العالم العلمي الجديد.

وأضاف قائلا: إذن فالقراءة هي مفتاح للعالم وكذلك أيضا القراءة ضرورة كالتنفس لأن الإنسان إن لم يكن قارئا فإن لا يعرف كيف يعيش في المجتمع ويكون يقوم بواجباته وكيف يقوم بدوره كاملا في هذه الحياة، فالإنسان بالقراءة يستطيع أن يبصر كل ذلك ويعرف كيف مقداره وما الأشياء التي يجب عليه ان يقوم بها، وكما قال احدهم: إن الحياة التي تدّعي بأنها حياة، ولا يوجد فيها قراءة تعني فراغا تاما لا تحمل معنى للوجود، مشيرا إلى أن الإنسان القارئ هو إنسان متجدد، وأزعم بأن الإنسان الذي لا يعمل شيئا طول يومه الا انه يخصص ساعة أو ساعتين للقراءة تجدد أن حياته متجددة، ولا يشعر بعمل رتيب كباقي الناس حيث إن القراءة تجدده وتنمي ذاكرته وتهذب أخلاقه، وتشحذ من عزيمته، فإذن القراءة ضرورة لأنها السبيل الأول لحصول المعرفة، فالإنسان لا يستطيع أن يمتلك شيئا من المعرفة الا عن طريق القراءة، وكذلك القراءة ضرورة لأنها الطريق الأمثل لإدراك الوضع البشري، حيث ان وضع الناس الآن وفي السابق يمر بتقلب وخاصة في هذا الزمان نشر بتقلب وتطور سريع وهذا الوضع لا يمكن ان تدركه إلا أن تكون قارئا وخاصة من يقرأ في التاريخ ويقتبس من ذلك السنن الإلهية في تقلب الأمم وأحوالهم فإن هذه السنن تكون جسرا يربط ما بين الماضي والحاضر والمستقبل يعرف كيف الناس يتحولون من نقطة إلى أخرى وهذه من الأمور المهمة.

وقال: وكذلك القراءة ضرورة لأنها السبيل لإرضاء الذات، فأنت لن تعرف ما هي واجباتك وما حقوقك الا عن طريق القراءة، وكذلك ضرورة لأنها السبيل الأمثل لإصلاح الفرد وإصلاح المجتمع فقد انزل الله سبحانه وتعالى قوله: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) ثم بعد ذلك انزل قوله: (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ، قُمْ فَأَنْذِرْ) فقدم الأمر بالقراءة على الأمر بالدعوة والإصلاح، مشيرا إلى أن الداعية لا يستطيع ان يكون داعية ناجحا الا ان يكون قارئا لأن القراءة تطلق له العنان في هذا المجتمع ويعرف ما هي اللغة التي تناسبه، ونحن اليوم في عالم علمي، لا يقبل فيه الا اللغة العلمية، فلا بد من ان يخاطب الناس بلغة عصرهم، وكذلك القراءة ضرورة لأنها اول سبب من أسباب النهوض الحضاري، فلكي تنهض بالمجتمع وتنهض بالأمة لابد ان تكون هذه الأمة أمة قارئة لكي تستطيع ان تحمل أمانة الدعوة وأمانة الحضارة، فالقراءة تعلّم الناس كيف يستطيعون مواكبة الحضارة ويكونون في مقدمة الركب، ولأنها ضرورة أيضا لأننا لا نملك وسيلة للنجاح تكون في الدرجة الأولى الا بالقراءة، فلكي يكون الإنسان ناجحا عليه أن يكون قارئا أو مطالعا، وفتشوا في سير العلماء والعظماء تجدوهم كانوا قارئين في صغرهم، وهذا الكتاب الذي ذكرته آنفا: «القراءة صنعة العظماء» استقصى كثيرا من التراجم وكثيرا من الأخبار التي تتعلق بالمؤلفين وبالروائيين وبالزعماء وبالقياديين يتحدثون عن صغرهم كيف كانوا يعيشون مع الكتاب وكيف كانت صحبتهم مع القراءة، وكذلك القراءة ضرورة لأنها تحصّن العقيدة الإسلامية، وعقيدة المسلم أمام هذا الكم الهائل من التيارات المنحرفة والأفكار المتطرفة، لا يملك الإنسان أمامها إلا ان يكون متحصنا بالقراءة، فهذه الأفكار تأتي للناس بشكل يومي يشاهدونها في التلفاز، والهواتف و الجرائد والمجلات وعلى وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، يشاهدونها أحيانا بدون وعي، وتكون أحيانا الرسائل غير مباشرة فيتلقاها الإنسان ويأخذ بها ثم يعمل بها ولا يدري بذلك، خاصة المعلومات التي تتعلق بالجانب الفكري، او الجانب العقدي، مبينا ان كثيرا من الناس عقولهم خالية من هذه المعلومات، والعقل بطبيعته يستقبل المعلومة الأولى التي تتعلق بذلك الأمر، فاذا جاءك شخص وحدثك بموضوع وعقلك خال من ذلك الموضوع فأنت مباشرة سوف تتقبل مباشرة ذلك الكلام لأن عقلك خال منه، ولهذا فإن الذين ينحرفون فكريا وإيمانيا وعقديا عقولهم في كثير من الأحيان خالية من العقيدة الرصينة، ومن الفكر الإسلامي الصحيح، فعقولهم ليست محصنة تستطيع أن ترد هذه الأفكار التي تؤدي بالإنسان الى الهلاك والعياذ بالله، كما ان القراءة كذلك ضرورة لأنها تعد علاجا ناجعا لكثير من المشكلات الاجتماعية حتى قال بعضهم إن مشكلة القراءة عندنا تعتبر اهم من قضية المخدرات وقضية الطلاق، وغيرها من القضايا التي يواجهها المجتمع، لأن المجتمع اذا كان قارئا تقل فيه هذه الجرائم، فيكون مجتمعا واعيا، واكثر من نادى بذلك الدكتور عبدالكريم بكار في كثير من كتبه.

وأضاف قائلا: اما اهم القضايا المتعلقة بالقراءة، فالقضية الأولى هي: درجات القراء، مبينا ان القراء ينقسمون إلى أربعة اقسام: قرّاء يقرأون لأجل التسلية وهؤلاء نسبتهم 70%، وهذا الصنف من الناس بهذه النسبة الكبيرة لا يملكون هدفا من القراءة والمطالعة، ولذلك يستسهلونها، مبينا أن القراءة الجيدة تحتاج إلى مزاج جيد لكي يستطيع الإنسان أن يقرأ جيدا، واذا أراد ان يكون قارئا ناجحا لابد ان تكون له أهداف يتطلع إليها لكي يصل إلى تلك الأهداف، فالذي يقرأ بلا هدف في كثير من الأحيان قد يقرأ ربع ساعة أو نصف ساعة ثم يترك الكتاب ويذهب عنه، أما الذي لديه هدف وغاية بعيدة يريد الوصول إليها فتجده مستمرا في القراءة وفي البحث ليل نهار. أما الدرجة الثانية من القراء: فهم الذين يقرأون لجمع المعلومات من مختلف العلوم فتجد عنده خليط من المعلومات، ومثل ذلك الصنف ربما يقرأ لسنوات طويلة ثم لا تجد تغييرا في عقليته، لأنه يقرأ الأشياء البسيطة السهلة، أما الدرجة الثالثة من القراء: فهم الذين يقرأون من اجل توسيع دائرة الفهم وتحسين المحاكمة العقلية عندهم، فهم يبحثون عن الكتاب الذي ينمي تفكيرهم، مشيرا إلى أن الكتاب الجيد هو الذي يرتقي بالتفكير، وينمي الإيمان ويزيد من سعة الفهم. أما الدرجة الرابعة من القرّاء هذه أفضل الدرجات، فهم الذين يقرأون لأجل الكتاب ولأجل التأليف، كالذي يقرأ لأجل ان يؤلف بحثا، او يؤلف خطبة او يشارك في ندوة، لأن هذا الرجل يعرف ما الذي يريد ان يقرأه، ويطالعه، فتجد هذا الانسان مثلا يقف امام موسوعة كبيرة، وهو لا يريد منها الا الجزء المعيّن منها، ثم بعد مدة يكون هذا الشخص متخصصا في ذلك الجانب الذي كتب فيه، فهو يعرف من الذي كتب فيه، ويعرف القضايا المتداولة في ذلك الموضوع، وما الذي له وما الذي عليه.

وأضاف: أما القضية الثانية التي أريد أن اطرحها في هذا الجانب هي قضية اختيار الكتاب لأن كثيرا من الناس يجدون صعوبة في اختيار الكتاب، فهناك ما يعرف بالقراءة الاستكشافية فيقف الإنسان أمام الكتاب يطالعه، ينظر في المقدمة، يقرأ بعض الصفحات، يطالع التلخيص ثم يقرر هل هذا الكتاب مناسب له، ام لا. لأن المؤلف أثناء تأليفه للكتاب يقصد شريحة من المجتمع، فمثلا هناك كتاب تم تأليفه للعلماء، وهناك كتاب ألّف لطلبة العلم، وآخر ألّف للأطفال، فليس كل الكتب ألّفت لأجل كل طبقة من الناس، كذلك على مشتري الكتاب ينظر الى تخصص المؤلف، هل هو متخصص في هذا الفن، أم لا؟ لأن الكثير في هذا الزمان يكتبون في غير تخصصاتهم ويعتلون غير منابرهم، ويتعاطون علوما غير متخصصين فيها، مبينا أن اكثر المنابر التي تعتلى الآن هي العلوم الشرعية، فكثير من أولئك يتحدثون بشرع الله سبحانه وتعالى وهم يظنون أن الأمر في غاية السهولة فلا نتعجب عندما نرى كثيرا من الناس يأتون بأفكار غريبة، بل بمواضيع تخرجهم والعياذ بالله من الإسلام، موضحا ان هناك عددا من القراءات فهناك: القراءة التصويرية والقراءة السريعة القراءة الاستكشافية والقراءة المحورية الى غيرها من القراءات، معرفا القراءة المحورية بأنها التي تصور للإنسان جمعا من المعلومات المرتبة والمنظمة ثم بعد ذلك يستطيع يتحدث في هذا العلم وأن يتكلم فيه ببينة وبمعرفة، فقراءة كتاب واحد في علم ما قد يوقع الإنسان في إشكال كبير اذا أراد ان يتحدث عنه، ولذلك فلابد للإنسان ان يقرأ قراءة منظمة وقراءة مرتبة، مشيرا إلى أن موضوع المناعة الفكرية والمناعة الإيمانية التي نحتاجها اليوم هو دور المربين لأن فيلسوف التربية اذا أراد ان يضع خطة تربوية للأجيال فعليه ان ينظر الى هذا المجتمع نظرة شاملة مركبة، ينظر إلى جانبه العلمي وجانبه النفسي وجانبه الاقتصادي ثم بعد ذلك ينظر ما هي النقاط الأهم في هذا المجتمع، وما هي الأشياء التي يريد أن يقدمها، مشيرا إلى أن موضوع العقيدة والحديث عن الالحاد والوقوف ضد هذا التيار الذي بات يدخل في كثير من البيوت اصبح امرا واجبا، ولعله من الأهمية بمكان بحيث يدرس في المدارس، ليوجه الطالب كيف يستطيع أن يقف أمام هذه الشبهات وأمام هذه التيارات الخطيرة.

وقال: اريد هنا أن اذكر القراءة السريعة والقراءة التصويرية التي يصور لها كثيرا، يقول رواد هذه القراءة: ان القراءة السريعة مهمة، فالإنسان اذا استمر لمدة ستين سنة يقرأ في الأسبوع الواحد كتابا، سوف تكون حصيلته من القراءة ثلاثة آلاف كتاب، وهذا العدد يعتبر عددا رمزيا جدا أمام تسارع الحركة العلمية في الوقت المعاصر، اما القراءة التصويرية فهي الأكذوبة الكبرى التي يروج لها وهي أن يقف الإنسان أمام الكتب ويقلب الصفحات وكأنه يريد أن يصورها، وقالوا بأن الإنسان يستطيع أن يقرأ مائة صفحة في الساعة الواحدة فذلك أمر مستحيل، وهذه القراءة الهدف من الترويج لها كسب المال والشهرة.