1445645
1445645
إشراقات

المعلم .. يصحح الأفكار ويبيّن الحقائق ويرشد الحائرين

28 فبراير 2020
28 فبراير 2020

صانع الأجيال -

د. صالح بن سعيد الحوسني -

«المعلم هو من يعد الأجيال لتحمل المسؤوليات الضخمة التي تنتظرهم فأبناء اليوم هم رجال الغد وكيف يرجى من أولئك الرجال تحمل المسؤولية والأمانة الكبيرة من دون أن يكون خلفهم معلم حاذق، وأستاذ ماهر يداوي الأفئدة العطشى بمهارة واقتدار وتمكن فيحيل تلك النفوس الصغيرة إلى عقول كبيرة تعي وخطورة ما ينتظرها من مهام لإكمال البناء والحفاظ على القيم والمكتسبات اللازمة لاستمرار الحضارة».

تمثل المعرفة في عالمنا المعاصر حجر الزاوية لكل من يريد أن يتبوأ منزلة الصدارة والريادة من الأفراد أو المجتمعات، وهذه المعرفة لا تتم غالبا إلا من خلال وسائل التعليم المختلفة؛ ولئن كانت الزعامة فيما مضى لمن كان قوي البنية مفتول العضلات أو كان كثير المال واسع الثراء فإن القوة وعلو المنزلة في عصرنا لمن يمتلك المعرفة، ولذا لا غرابة أن نجد أفرادا من المجتمع يبزون أقرانهم ويكونون في المقدمة على غيرهم إن تسلحوا بالعلم والمعرفة، وكم وجدنا من شعوب بائسة ضعيفة لا يحسب لها حساب ولا يقام لها وزن وما هي إلا أن امتلكت المعرفة حتى أصبحت في مقدمة الشعوب تفوقًا في جميع المجالات، ولذا لا غرابة أن نجد أن شركة واحدة متخصصة في التقنية تزيد مبيعاتها في العام الواحد على أربعمائة مليار دولار والسبب كما ذكرت أنها امتلكت المعرفة.

وهذه المعرفة التي نتحدث عنها مما حثت به شريعتنا الغراء في أول بشارات الوحي على قلب النبي صلى الله عليه وسلم فكانت كلمة إقراء إيذانا بانطلاق رسالة العلم والحضارة؛ وكان النبي الخاتم المعلم العظيم الذي وصفه الله بقوله: (يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا)، وقد جاء وصفه أيضا بأنه معلم للناس كما في قوله تعالى: (هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين)، ومن هنا فإن المعلم هو الذي تسطع على يديه الحضارات وتتهذب من سلوكه الأخلاق وترتقي بهمته القيم وتسمو بعزيمته النفوس كما قال القائل : إن المعلم شعلة قدسية تهدي العقول إلى السبيل الأقوم، ما أشرقت في الكون شمس حضارة إلا وكانت من ضياء معلم، نعم إنه المعلم الذي حوى من المعارف والفنون والمهارات والخصال والأخلاق والقيم ما يمكنه من القيام بنقل تلك المعارف والقيم والأخلاق والمهارات إلى طلابه لتكون لهم رصيدا يستعينون به على بلوغ غاياتهم وأهدافهم بعون الله.

والذي يدفعنا للقول بأن المعلم هو أساس الحضارة ومصنع الأجيال ووقود المجد في أي مجتمع من المجتمعات هي تلك الأدوار التي يضطلع بها والمتمثلة في الآتي:

- المعلم هو المسؤول عن نقل العلوم والمعارف من مصادرها المختلفة إلى عقول طلابه، فقد توجد العلوم في الكتب الكثيرة والدوريات المتنوعة والصحف المنتشرة والتي كتبها المؤلفون على مر العصور والأوقات ولكن تبقى تلك المعلومات جامدة لا حياة فيها حتى تجد معلما ماهرا يتفاعل معها فتتحرك من مكامنها ومستودعاتها ومصادرها فتنتقل إلى عقول الطلاب ونفوسهم وأرواحهم فيدركون حقيقتها ويبصرون أثرها، فتنتعش العقول بالثراء المعرفي وتتحرك النفوس بزخات العلم والمعرفة كانتعاش الأرض بالمطر بعد جفاف وتصحر فيتغير حالها وتزداد اخضرارا وبهجة وفرحا كما قال تعالى: (...وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج).

- المعلم هو من يقوم بشرح طرائق المعرفة للأجيال؛ وذلك بحث الطلاب على البحث العلمي والتوسع في مجالاته المختلفة بعد امتلاك الطلاب لتلك الوسائل المعينة على العلم والمعرفة.

- المعلم هو من يمثل القدوة الحسنة لطلابه في جوانب الأخلاق والقيم والمعاني التي تظهر عليه؛ فعين الطالب تقع منهم على هندام المعلم وما يظهر من حاله، وما تقع عليه عينه، وما يتحدث به لسانه، وكذا ما يكون من تعامله مع من حوله، وما يكون من سلوك وخلق للمحيطين به، فإن كان المنطق يختلف عما يبثه بين يدي طلابه كان ذلك التناقض فشلا ذريعا في التعليم وكثيرا ما حذرنا المولى سبحانه وتعالى من ذلك فقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لما تقولون ما تفعلون، كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تعلمون).

- المعلم هو الذي يصحح الأفكار المغلوطة، ويبين الحقائق، ويرشد التائهين، ويجيب على تساؤلات الطلاب الحائرين فتهدا النفوس وتطمئن القلوب، وتتوجه إلى العمل الجاد المثمر.

- المعلم هو من يعد الأجيال لتحمل المسؤوليات الضخمة التي تنتظرهم فأبناء اليوم هم رجال الغد وكيف يرجى من أولئك الرجال تحمل المسؤولية والأمانة الكبيرة من دون أن يكون خلفهم معلم حاذق، وأستاذ ماهر يداوي الأفئدة العطشى بمهارة واقتدار وتمكن فيحيل تلك النفوس الصغيرة إلى عقول كبيرة تعي وخطورة ما ينتظرها من مهام لإكمال البناء والحفاظ على القيم والمكتسبات اللازمة لاستمرار الحضارة.

- المعلم هو ذلك المهندس المبدع الذي يتعامل مع العقول والأمزجة والنفوس المتقلبة، وما أصعب هذه المهنة التي تتطلب إبداعا ومهارة ويقظة ونفسا وصبرا لتحمل تقلبات هذه العقول وضجرها وسرعة وقوعها في السآمة والملل وعدم الانضباط على منهج واحد فتراه ينحت في صخر شديد الصلابة بمسمار الهمة والنشاط بدأب لا يعرف لنفسه تقاعسا وتخاذلا وترددا حتى يبلغ في ذلك غايته، وقديما قالوا المعلم شمعة تحترق لتنير طريق الآخرين.

- والمعلم هو مفجر الإبداع ومعد القادة والعباقرة والصناع المهرة الذين لا غنى لأي أمة تريد السمو والتقدم أن تحرص عليهم حرص الشحيح البخيل على دراهمه ودنانيره، وأنى لأي أمة أن تصنع مثل هؤلاء إلا بواسطة المعلم.

- والمعلم هو من يحفظ لأي أمة تراثها وكنوزها الثمينة وذلك بتعليم الأجيال قيمة ذلك التراث وضرورة الحفاظ عليه، فلا تمتد إليه يد الإهمال والابتذال فيصبح كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف، فيذهب ذلك التاريخ التليد والشرف الرفيع والعز الشامخ بسبب إهمال المعلم.

وإن كان المعلم كما وصفت له من المناقب الكثير، وتعول عليه الأمم والشعوب في بناء حضارتها والمحافظة على مكتسباتها فإنه ولا بد لأي أمة أن تعي مقدار قيمة المعلم، وأن تحرص عليه بما يصلح من شأنه ويرفع من مكانته فبقدر ذلك الاهتمام والعناية تكون الأجيال ويكون رجال المستقبل، فهم مصانع متحركة، وقد قيل: قم للمعلم وفه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا، أريت أشرف أو أجل من الذي يبني ونشئ أنفسا وعقولا..، وإذا أهين المعلم وقل احترام المجتمع له، أو اُنتقصت حقوقه كان ذلك إصابة للمجتمع في مقتل بل هو انهيار لذلك المجتمع وصدق القائل إذ يقول: إن المعلم والطبيب كلاهما لا ينصحان إذا هما لم يكرما، فاصبر لدائك إن أهنت طبيبه واصبر لجهلك إن جفوت معلما، ولذا كان ولا بد من الاهتمام البالغ بالمعلم وفق المعطيات الآتية:

- التنشئة العلمية المحكمة لمن يراد لهم شغل هذه الوظيفة الكبيرة، فمن غير المناسب أن يتصدر للتعليم من تعلم تعليما هزيلا تنقصه المعرفة اللازمة، والخبرات العلمية الرصينة، وأنى لمعلم هذا حاله أن يوصل رسالة العلم والمعرفة لطلابه ففاقد الشيء لا يعطيه.

- اختيار الأكفاء من المجيدين لشغل هذه الوظيفة فمن العار لأمة تريد بلوغ سلم المجد والتقدم أن تسند مهمة التعليم للكسالى والمهملين لأن هذه المهنة العظيمة يُختار لها العظماء من المتفوقين والمجدين، ويا حبذا أن يتم التنافس لهذه المهمة من أولئك المجيدين ليكون الاختيار محكما ودقيقا.

- إعلاء شأن المعلم في المجتمع بذكر مناقبه، والإشادة بجهوده، أمام الخاص والعام ولاسيما في وسائل الإعلام، ليكون ذلك التقدير وقودا وحافزا لمزيد من العطاء والبذل للمعلمين، وتشجيعا لهم لمواصلة الجهد وتخفيفا لما قد يجدونه من عنت ومشقة وصعوبة فإن التعامل مع العقول والنفوس من أصعب الأشياء.

- تهيئة الجو المناسب والبيئة المشجعة للمعلمين للقيام بأدوارهم المنوطة بهم وخاصة مع تطور وسائل التعليم ودخول التقنية في مجالات التعليم ولئن كان التعليم في الماضي يكون بالطرق البدائية من القلم والدفتر والكتاب إلا أنه وبمرور الوقت تم استحداث وسائل متعددة من نحو السبورة الذكية، والأجهزة اللوحية، ووسائل الذكاء الاصطناعي، والوسيلة التعليمية، والمختبرات والمعامل ونحوها، فلمثل هذه الوسائل دور مضاعف في نقل المعرفة وصنع أجيال تعي بوضوح متطلبات المرحلة المقبلة متسلحة بأحداث ما توصل إليه التعليم من معطيات.

- تقدير المعلم بمنحه ما يستحقه من المقابل المادي الذي يكفل له الحياة الهانئة والراحة النفسية فيتوجه بكليته لرسالته لا يشغل فكره بغير ذلك، ويدخل في ذلك أن تكون للمعلم امتيازات مناسبة تضعه في مكانه اللائق به.

- تكريم المعلمين وخاصة المجيدين منهم فمن شأن هذه الحوافز أن تدفع جميع المنتسبين للسلك التدريسي أن يبذلوا المزيد من الجهد والعطاء في ذلك.

- تهيئة الطلاب منذ نعومة أظافرهم على احترام المعلم والقيام بحقه، والاستماع لنصائحه، ومراعاة آداب السؤال ونحو ذلك من لطائف تتوجه لتقدير المعلم ليكون قائدا وملهما للأجيال.

وبمثل هذه الوسائل ونحوها يكون للمعلم دوره الرائد، ويقبل على عمله بشغف ومحبة وتصل جهودهم إلى غايتها وتؤتي ثمارها اليانعة المباركة بعون الله تعالى.

 

المعلم الناجح -

حمود بن عامر الصوافي -

«النبي صلى الله عليه وسلم يعد المعلم الأول للبشرية وللأمة الإسلامية وقد تميز بخصال وسمات ربانية فاختير؛ ليكون حاملا للواء الحق وناصرا للخير أينما ذهب وحل ولا عجب أن يكون نبراس الناس وقدوة العالمين فهو يختلف عن البشر العاديين لا لأنه ليس من جنسهم بل لأن صدقه وحركته وتحمله أهلته لأن يعطى هذه المنزلة ويكون مبلغا للبشرية فكان النبي- صلى الله عليه وسلم- قدوتنا في كل تحركاتنا وأحوالنا وقد أُمرنا بذلك في كثير من الآيات القرآنية لذا علينا أن نستفيد من طريقته في عرض المعلومة وتوجيه الكلمة والنصيحة».

يقف القلم عن الكلام عاجزا لا يستطيع تجاوز العتبة أو اختراق حدوده؛ لأننا بحضرة العلم والعلماء فلا شيء يعلو العلم ولا أمر يتفوق عليه يكفي أن أول أمر من الله تعالى كان علما وأول بذرة بُذرت في هذه الأمة كانت علما يا ترى ما مقدار احترامنا للعلم واهتمامنا به؟ وما مدى احترامنا لمعلمينا وأساتذتنا؟ وهل أدركنا مغزى العلم ووجوب العناية به لنرتقي به عاليا، ونعلو إلى مصاف الدول المتطورة جاهدين.

ها نحن في يوم المعلم نتذكر العلم والعلماء ومعلمنا الأول النبي- صلى الله عليه وسلم- وقد أنزل الله عليه القرآن وأمره بالقراءة يا ترى لماذا القراءة؟ ولماذا النطق بها؟ ولماذا جاءت قبل الأمر بالصلاة والصيام والتقوى؟ وهل تنفع التقوى بلا قراءة وهل يكون إيمان دون علم؟ إنها أول بذور العلم بالقراءة فيكف يكون العلم ما لم نقرأ ونفهم ونعي؟ وكيف لنا أن نتقدم دون قراءة أو معرفة؟ وكيف لنا أن نوصل رسالة الإسلام إلى العالمين دون قراءة أو معرفة وكيف لنا أن نعرف الله تعالى حق المعرفة ونتبع أحكامه وسننه دون قراءة؟ أليس التقدم والتطور والمعرفة لا تمتلك دون قراءة؟ إذن لتكن أول اهتماماتنا ولتكن أهم هدية نقدمها لأساتذتنا العظماء.

نعم القراءة أول بذور العلم والمعرفة ولكن لا يمكن أن تسير وحدها دون فهم أو وعي لما يقرأ فالمجلدات منها الغث والسمين فكيف نميز بينهما؟ وكيف ننتقي؟ لا بد من توجيهات المعلم ولا بد من النظر هنا وهناك وقد قالوا قديما: وبضدها تتميز الأشياء فما عرفت الحق إلا لأن الباطل موجود وما عرفت الصحة إلا لأن المرض موجود وما عرفت الفقر إلا لأن الجوع موجود وما عرفت الحرية إلا لأن السجون كثيرة والمساجين كثر هكذا تتعرف وتتعلم وهكذا تتثقف وتتقدم فاحرص على العلوم جلها صغيرها وكبيرها واحرص على قراءة النص والتعمق فيه فقد أنكر الله تعالى على أولئك الذين لا يعرفون إلا الأمنيات ولا يفطنون ما يعني النص القرآني من معان وأوامر ساميات قال تعالى: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا)، وقال في آية أخرى: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا).

وعَدَّ الله أولئك الذين يقرؤون القرآن ولا يلامس قلوبهم ولا يدخل إلى شغاف ضمائرهم كالحمار يحمل أسفارا فإذا كان العلم لا تستفيد منه ولا تعمل به فما الفائدة منه قال تعالى: «مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ».

لقد لفت القرآن نظرنا إلى هذا الأمر وقرن بين العلم والعمل ليكون مراد الإنسان الخير لا التفاخر والتباهي، فقد كان الأنبياء والصالحون يطوفون على الناس يعلمونهم وينصحونهم ويقدمون لهم الأجمل من الكلام والأحسن من الاعتقاد لينجوا من عذاب الدنيا والآخرة ولا يطلبون من ذلك جزاء ولا شكورا قال تعالى: «قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا»، وقال أيضا:«قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ».

والنبي صلى الله عليه وسلم يعد المعلم الأول للبشرية وللأمة الإسلامية وقد تميز بخصال وسمات ربانية فاختير؛ ليكون حاملا للواء الحق وناصرا الخير أينما ذهب وحل ولا عجب أن يكون نبراس الناس وقدوة العالمين فهو يختلف عن البشر العاديين لا لأنه آلهة أو ليس من جنسهم بل لأن صدقه وحركته وتحمله أهلته لأن يعطى هذه المنزلة ويكون مبلغا للبشرية فكان النبي صلى الله عليه وسلم قدوتنا في كل تحركاتنا وأحوالنا وقد أُمرنا بذلك في كثير من الآيات القرآنية لذا علينا أن نستفيد من طريقته في عرض المعلومة وتوجيه الكلمة والنصيحة فقد كان ينتقي عبارته بعناية وكلماته بمهارة فيروى أن عمر بن الخطاب وهو حديث العهد بالإسلام ظن أنه صاحب الحظوة عنده صلى الله عليه وسلم فأراد أن يؤكد هذه الحقيقة فقال له من أحب الناس إليك؟ قال عائشة فقال بل أقصد من الرجال فقال أبوها ثم عدّد رجالا لم يكن عمر بينهم فتوقف.

فقد كان صلى الله عليه وسلم من فرط معاملته وحسنها يخال كل واحد من أصحابه أنه مختلف عنهم وصاحب الحظوة والمنزلة عنده.

فقد كان صلى الله عليه وسلم المثل السامي للبشرية جمعاء وإن كان ثمة خطأ وقع فيه أو أمر نسيه نزل الوحي لتقويم ذلك وتحسينه وقد وردت آيات تخطئ النبي- صلى الله عليه وسلم- في مسائل كان الأولى أن يفعلها بطريقة مختلفة منها قوله تعالى: «عَبَسَ وَتَوَلَّى ، أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى، أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى، أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى، فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى، وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى، وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى، وَهُوَ يَخْشَى، فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى ، كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ».

لأنه صلى الله عليه وسلم صار قدوة ينظر إليه المجتمع ويأخذون منه دينهم وما ينفعهم في دنياهم ولعل المعلم اليوم صار أكثر احتياجا إلى منهج النبي صلى الله عليه وسلم وهو كذلك في كل عصر وآن ليس لأن المعلم لا يفعل ذلك ولا يقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم ولكن أحيانا قد تفوته أشياء أو يجهل أمورا يظن عكسها الصواب فمن نظر إلى منهج النبي صلى الله عليه وسلم في تعامله مع الأطفال أو الشبان أو الشيوخ أدرك أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يتبع منهجا واحدا للجميع وإنما يراعي الكل على حسب أسنانهم وقدراتهم وتوجهاتهم كل يعطيه ما ينفعه ويقوى في مجاله فقد أعطى الراية مرة عمرو بن العاص وكان حديث العهد بالإسلام وسمى خالد بن الوليد سيف الله المسلول وقال عن معاذ أعلم الناس بالحلال والحرام وأمر بلالا أن يؤذن فكان مؤذنه صلى الله عليه وسلم وسُمي حسان بشاعره لكونه المدافع باللسان وغيرهم كثير كل استثمر فيه طاقاته وقدراته وما يستطيع فعله وهكذا ينبغي للمعلم أن يكون صلى الله عليه وسلم قدوته فلا ينظر نظرة عابرة للقبيلة أو القرابة وإنما يضع الأمر في موضعه.

كما ينبغي له أن يتحسس كل الطلاب وينظر في مهاراتهم وما يحتاجون إليه من دعم أو مساعدة ليساندوهم ويسهموا في رفع قدراتهم فلا يكتفي المعلم بالسرد والتلقين دون تهيئه الطلاب للفهم أو محاولة الاستنتاج بل يجب أن يدرب الطالب على السؤال والاستفسار ومحاولة فهم ما يلقى إليه من علوم فقد ذهبت مقولات لا أريكم إلا ما أرى مع من ذهبوا وبقي العلم مرفوعة رايته كل يحاول أن يوجه الطلاب الوجهة الصحيحة من خلال زرع العلم وتعويدهم على التأمل والتفكر والاستنتاج والاختراع والبحث في العويص من المسائل ليتأهل الطالب للجامعة فيبدع هناك ويبدأ بالبحث العلمي فتتطور الحياة ويقاوم الإنسان المرض وسوء الأخلاق والمصائب والكوارث والتحديات التي تواجه المجتمع فسلاح المؤمن العلم والمعرفة فهما الكفيلان بنفع البشرية وتخليصها من الشرور، قال تعالى: «قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ».