1446521
1446521
عمان اليوم

تطلعات وطنية لبناء دولة حديثة قوية الأركان

26 فبراير 2020
26 فبراير 2020

مرحلة جديدة قوامها الكفاءة والإبداع والابتكار والارتقاء بالعمل المؤسسي -

كتب- نوح بن ياسر المعمري -

تطلعات وطنية انطلقت من خطاب جلالة السلطان هيثم بن طارق-حفظه الله ورعاه- لمواصلة العمل على النمو والازدهار في بناء دولة حديثة قوية الأركان متينة القواعد بأجهزتها ومؤسساتها الإدارية، وجاءت عبارة «عازمون على اتخاذ الإجراءات اللازمة لإعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة» في خطاب جلالة السلطان المعظم لتضيء الحداثة والتجديد واستقراء الطموحات والمتطلبات لتدعم تحقيق مواصلة الأهداف المستقبلية لعمان الحديثة، فالعزم يأتي بالإرادة لرؤية طموحة زاهرة بكل جوانبها للنهضة الحضارية لما فيه مصلحة عامة للوطن والمواطن. وأكد عدد من الخبراء في الشؤون الإدارية والاقتصادية لـ «عمان الاقتصادية» بأن إعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة يكون بحوكمة الأداء والمحاسبة والاستثمار الأفضل للموارد المالية عن طريق ترشيد الإنفاق، فالمحاسبة كنتائج يسهل تقييمها بشكل دوري من خلال متابعة عمل الجهاز الإداري وهذه النتائج بدورها تضمن تحقيق الهدف الحقيقي وهي المصلحة العامة للبلد كما رسمها السلطان المعظم لرفاهية أبنائه المواطنين، موضحين بأن إعادة الهيكلة سوف ترفع الفاعلية والإنتاجية بما يؤدي بشكل مباشر إلى رفع جودة المعيشة وخفض المصاريف العامة بما يتناسب مع الوضع الاقتصادي محليا وإقليميا.

تنافسية الاقتصاد الوطني

قال صالح بن سعيد مسن أكاديمي في اقتصاديات مجلس التعاون لدول الخليج العربي إن الجهاز الإداري للدولة يعد العمود الفقري للتنمية المستدامة فهو عصبها وسياجها الرئيسي ولذلك يشكل تطوير الجهاز الإداري للدولة أحد المحددات الرئيسية للارتقاء بالقدرات التنافسية للاقتصاد الوطني. ولقد دأبت الكثير من الحكومات في العالم على إصلاح وتطوير مؤسساتها الإدارية باستمرار لتواكب المتغيرات العالمية وتستفيد من أساليب الإدارة المعاصرة والنظم المتطورة والتقنيات التكنولوجية الحديثة. إن إشارة الخطاب السامي إلى أهمية إعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة يضع الأسس المتينة لانطلاق الرؤية المستقبلية عمان 2040 على قواعد صلبة لتحقيق أهدافها الطموحة وغاياتها النبيلة للانتقال بعمان إلى مرحلة جديدة قوامها الكفاءة والإبداع والابتكار والارتقاء بالعمل المؤسسي العام إلى أعلى درجات الشفافية والنزاهة والمسؤولية.

لقد شهدت السلطنة خلال الخمسة عقود الماضية تنمية اقتصادية واجتماعية شاملة، رافقها توسع كبير في أنشطة القطاع الحكومي. ولقد كان لتلك المرحلة مقتضياتها وضروراتها حيث كانت الدولة تقوم بمجموعة أدوار اقتصادية واجتماعية وسياسية في آن واحد. ولكن للأسف ظل الجهاز الإداري للدولة يزاد توسعا على مدى السنوات الماضية إلى أن وصل حجم الحكومة في الاقتصاد إلى مستوى يفوق الكثير من المستويات العالمية. مشيرا بأن عدد الوزارات في السلطنة بلغت 28 وزارة بالإضافة إلى عدد كبير من الهيئات والمجالس والشركات الحكومية، نجد أن سويسرا التي تعتبر واحدة من أغنى دول العالم يدير اقتصادها 8 وزراء فقط. في حين تبلغ عدد الوزارات في أمريكا 14 وزارة، وفي ألمانيا 13وزارة، وفرنسا بها 15 وزارة، وأما الصين التي يبلغ تعداد سكانها مليارًا و400 مليون نسمة فتسير أمورهم 18 وزارة فقط.

تبلغ المصروفات الجارية للوزارات المدنية لعام 2019م 4490 مليون ريال عماني؛ تستحوذ الرواتب والأجور على 3500 مليون ريال عماني مشكلة بذلك 76% من إجمالي المصروفات الجارية. وهذا يعني أن النسبة الأكبر من الإيرادات العامة للدولة تذهب للرواتب والأجور وليست للاستثمار وتراكم رأس المال مما يتسبب ذلك في الإضرار بمعايير الاستدامة المالية ويضعف حجم الادخار العام ويبطأ من عملية النمو الاقتصادي. وتؤكد الإحصاءات الرسمية أن عدد العاملين بالجهاز الإداري للدولة يقترب من 174.107 موظفا، في حين يبلغ التعداد العام للعمانيين 2.6 مليون نسمة مما يعني أن هناك موظفا واحدا لكل 14 مواطنا. وفي هذا الشأن تشير الأرقام العالمية إلى أنه يجب يكون هناك موظف واحد فقط لكل 70 مواطنًا؛ أما ألمانيا التي تعتبر واحدة من أكبر الاقتصاديات في العالم فسنجد أن لديها موظفا واحدا فقط لكل 140 مواطنا. وإذا أخذنا هذه المقاييس الدولية في الاعتبار فإن الجهاز الإداري للسلطنة لا يحتاج أكثر من 40 ألف موظف مما يدلل على أن ما يزيد عن 70% من هذا العدد الكبير هي بطالة مقنعة.

كفاءة الخدمة متواضعة

وعلى الرغم من الحجم الكبير للحكومة وارتفاع عدد العاملين في الجهاز الإداري للدولة فإن كفاءة الخدمة متواضعة، وأصبحت الشركات الحكومية أكثر عبئا على موازنة الدولة وأقل إنتاجية مقارنة بمؤسسات القطاع الخاص وذات قيمة مضافة متواضعة للاقتصاد الوطني. وعلى الرغم أن العدد الأكبر من الشركات الحكومية ظلت تسجل خسائر مليونية متراكمة طوال السنوات الماضية دون أن تكون لها أي عوائد اقتصادية تذكر، فقد استمرت الحكومة في دعمها حيث يبلغ الدعم المخصص للشركات الحكومية في شكل دعم تشغيلي لموازنة 2020 في حدود 185 مليون ريال عماني بالإضافة إلى المصروفات الاستثمارية التي تزيد عن 100 مليون ريال عماني لعام 2020.

وتأسيسا على ما تقدم، فان أي نمو أو تطور سواء أكان في التفكير أو التطبيق يستوجب إحداث تغييرات جذرية في هيكلية الجهاز الإداري الحكومي ووضع السياسات الجديدة وجعلها متلائمة مع أولويات المرحلة المقبلة وتطلعات الرؤية المستقبلية 2040. ومن هنا يجب أن تكون منهجية إعادة الهيكلة متكاملة ومترابطة بحيث تتمكن من تشخيص الخلل في ميكانيكية عمل المؤسسات وإصلاحها وفق أحدث النظم والمعايير الدولية للمساهمة في رفع مستوى أدائها والتميز في تحقيق الأهداف المستقبلية للسلطنة والقدرة على الاستجابة السريعة للمتغيرات والأزمات الاقتصادية، مع المحافظة على كسب ثقة المواطنين في تمكين وقدرة الأجهزة الحكومية على تقديم الخدمات بالكفاءة والفاعلية ووفق المعايير المعتمدة. وتشير الكثير من الدراسات الاقتصادية إلى أن عملية إعادة هيكلة الجهاز الإداري ظاهرة صحية لرفع كفاءة الخدمات وتحسين بيئة الأعمال وتسهيل منظومة الإجراءات ورفع تنافسية الاقتصاد الوطني مما يساعد في جذب الاستثمارات الأجنبية والدفع بعجلة التنويع الاقتصادي وخلق استدامة اقتصادية طويلة المدى. وقد تصاعد الاهتمام في كثير من الدول منذ أوائل عقد التسعينيات بإصلاح وتطوير الجهاز الحكومي، وكان هذا الاهتمام نتاجاً لتضافر مجموعة من الظروف والعوامل التي تحركت ونشطت خلال ذلك العقد، أهمها تبنّي عدد متزايد من الدول لبرامج الإصلاح الاقتصادي، والتي تضمنت في كثير منها على عناصر تمس الجهاز الإداري للدولة مثل ترشيد الإنفاق العام، كبح العجز المتراكم للموازنة العامة، وإعادة هيكلة أدوار ووظائف الجهاز الحكومي المتصل بالمشروعات العامة، بما في ذلك مشروعات المرافق والخدمات العامة، وإدارة الكثير من الخدمات الحكومية على أسس تجارية أو شبه تجارية. وفي هذا الإطار يجب علينا التأكيد على أهمية أن تكون عملية إعادة الهيكلة مبنية على منهجية علمية واضحة وأهداف محددة بحيث تحقق عملية إعادة الهيكلة المزيد من الفاعلية والكفاءة، وأن يتم التطوير على ضوء مجموعة من الأهداف المرجوة مثل التخلص من المعوقات الإدارية والتنظيمية والترهل التنظيمي والتداخل في الاختصاصات بين الوزارات والوحدات الحكومية، التأكد من مدى مواكبة الهيكل التنظيمي للأهداف الاستراتيجية للرؤية 2040، زيادة درجات التوافق بين حجم الجهاز الإداري العام وبين متطلبات العمل من جهة والتوجهات المستقبلية نحو أجهزة حكومية أقل عدداً وأكثر تخصصاً من جهة أخرى، تعزيز اللامركزية الإدارية على مستوى الأجهزة الرئيسية وفروعها ووحدات الإدارة المحلية، وتقييم ضمان جودة أداء الخدمات وفقا لمؤشرات أداء محددة (KPIs).

تطلعات ومتطلبات التنمية

قال المكرم الشيخ محمد بن عبدالله الحارثي رئيس اللجنة الاقتصادية بمجلس الدولة: لقد قدم الخطاب رؤية واضحة للغاية بما يلائم تطلعات ومتطلبات التنمية وحدد الخطاب الركائز الأساسية للتحديات التي تواجه الاقتصاد الوطني ووضع أساس لمعالجتها، ومنها تبسيط الإجراءات وحوكمة الأداء والمحاسبة والاستثمار الأفضل للموارد المالية عن طريق ترشيد الإنفاق بما يؤدي إلى تحسين مستويات المعيشة للمواطنين ورفع دخولهم وتقليل المديونية العامة، وتطوير إليه صنع القرار والعمل على مراجعة أعمال الشركات الحكومية لتطوير أدائها ورفع كفاءتها وكذلك تحديث النظم الإدارية والمالية والتشريعية للدولة لتتوافق مع التحديات ، اليوم توفرت الإرادة السياسية لإصلاح الاقتصاد العماني وسيبقى التحدي الكبير الآن أمام الحكومة لترجمة تلك الإرادة في برامج للوصول للغايات التي حددها الخطاب تحقيقا للرؤية المستقبلية ، وهو ما يتطلب مشاركة جميع أطياف المجتمع العماني.

وأشار المكرم الشيخ بأنه يمكن اعتبار الخطاب السامي لجلالة السلطان هيثم بن طارق حفظه الله ورعاه بمثابة عناوين عامة لتشخيص دقيق للتحديات الاقتصادية التي تواجه عمان، وخارطة طريق تحدد مسار المرحلة المقبلة، استكمالا لنهضة عمان المباركة، والحرص على توجيه الموارد المالية التوجيه الأمثل بما يضمن خفض الدين العام وزيادة الإيرادات وتسهيل الأعمال، وتحديث منظومة التشريعات والقوانين وتبسيط الإجراءات وحوكمة الأداء والنزاهة، ومراجعة أعمال الشركات الحكومية بهدف تطوير أدائها ورفع كفاءتها وتمكينها من الإسهام الفاعل في المنظومة الاقتصادية.

تحديث منظومة التشريعات

وقال سعيد بن ناصر الراشدي الرئيس التنفيذي لجمعية الصناعيين العمانية يظهر للمتابع بأن الأهداف المرجوة من إعادة الهيكلة للجهاز الإداري للدولة وتحديث منظومة التشريعات والقوانين وبرامج العمل، واضحة تماما لا لبس فيها حيث يذكر السلطان تبسيط الإجراءات وحوكمة الأداء والنزاهة والمسائلة والمحاسبة كنتائج يسهل تقييمها بشكل دوري من خلال متابعة عمل الجهاز الإداري وهذه النتائج بدورها تضمن تحقيق الهدف الحقيقي وهي المصلحة العامة للبلد، كما يراها السلطان لرفاهية أبنائه المواطنين. وبلا شك فأن النتيجة ستظهر جليا في قطاع الصناعة في عمان، والذي نسعى جاهدين فيه للانتقال من المحلية إلى العالمية، لما سيساهم في استقطاب المستثمرين من الخارج للعمل جنبا إلى جنب مع أبناء البلد للنهوض مرة أخرى بالصناعة كعامل مهم وأساسي لرفد البلد وأهله بالدفق المالي والفرص الوظيفية والمنتجات الجيدة وكل ما يجلبه القطاع من خير لأبناء الوطن وهذا لا يتم إلا بمعالجة الجهاز الإداري للدولة. ومما تردد في المسامع بعد اللقاء، فرحة المواطنين باهتمام السلطان بمتابعة الأداء للشركات الحكومية لرفع كفائتها وتطويرها، وذلك بلا شك سيساهم في تحويل العديد من الشركات التي كانت تشكل عبئا ماليا على موازنة الدولة، إلى شركات منتجة وفاعلة وتسهم في رفد البلد بدخل جيد، وخدمات تتناسب مع تطلعات السلطان لمستقبل عمان المشرق.

وربما كان الوقع الأكبر لمتابعي كلمة السلطان، هو العزم على إعادة هيكلة الجهاز الإداري بالسلطنة، فربما هناك الكثير من العتب والكثير من الطموحات الموجهة للجهاز الإداري بفروعه، والذي سيستفيد حتما من إعادة هيكلته لرفع الفاعلية والإنتاجية بما يؤدي بشكل مباشر إلى رفع جودة حياة المواطن العماني وخفض المصاريف العامة بما يتناسب مع الوضع الاقتصادي محليا وإقليميا.