lama
lama
أعمدة

ذات: الحاضر والآن

26 فبراير 2020
26 فبراير 2020

لمى دعدوش -

[email protected] -

تصبغ الأزمان أشخاصها بصفاتها وتُطبَع ُفيهم سمات ذاك العصر، ونجد العجل والتعجل أهم صفات الناس في هذا العصر، حتى بتنا نسميه عصر السرعة، ربما بسبب التطور السريع واختلاف الكثير من الأشياء في حياتنا وما حولنا عن سابقتها في ما مضى، فاعتدنا سرعة الوصول وسرعة التفكير وسرعة الحكم، وفي طموحاتنا وأهدافنا القريبة والبعيدة وجدنا أنفسنا نتعامل معها بنفس التعجل والسرعة، نسياناً منا أولاً أن لقانون النمو قيمة أساسية في نجاح الأشياء وفشلها، وثانياً أننا نفقد الكثير من الأشياء المعنوية في تركيز أفكارنا ومشاعرنا على السرعة والعجلة في الحصول على الأشياء المادية والروحية أيضاً، فلكل أجل كتاب بمعنى تقدير ووتوقيت معين كُتِب فيه قدره من الله تعالى، فعندما تتوق لشئ ما في المستقبل وتتشوق إليه وتشعر أنك تريد الوصول لذلك الزمان فوراً، أنت هنا تحرم نفسك لذة الشعور بالآن، ذاك الشعور الذي لن يتكرر، فهذا الوقت وحيد وفريد ولا يعود، ففي لحظات الآن وأوقاته مزايا تنعش الروح وتبهج النفس وتلهِم لكثير من الإبداعات المستقبلية، ناهيك عن المشاعر الآنية التي تبعثها من محبة أو امتنان أو تفكر أو استدراك أو اتعاظ، لعل اللحظة الحاضرة هي أوجب ما يجب الاهتمام به الآن، فهي الجُلّ الحقيقي لما نملك حقيقة وما نستطيع أن نفعل، ولكن يأتي قدرها وقوتها بقدر انفصالنا عن عالمي الماضي والمستقبل لتحق قيمتها بحقٍ في درجات حياتنا.

ستسأل نفسك ماذا أفعل لأصل لذلك؟ عش اللحظة الحاضرة الآن بحب وتناغم وانسجام وقبول، ودع نفسك معها في سياق راحة واستسلام لمقاديرها وتوقيتها وأحوالها، استمتع بها واسمح لها أن تمتعك مهما كانت صغيرة أو كبيرة، قد تكون في دقائق لعب مع طفل بريء طاهر استمددت من طهره وبراءته الكثير في نفسك وروحك، وقد تكون في ساعة تخطيط أو ساعة جلوس في أحد وسائل المواصلات تمشي بك في طريقك، ولكنها حقيقةً تمشي بك وتأخذك في عالم آخر إن سمحت لها أن تتفاعل معك، وفي حال أنها لا تعجبك، تعامل معها برضى وهدوء وراحة، وافتح لها المجال أن تمر أمامك بسلام لا أن تمر فيك بضرر، فالكثير من الأشياء نحددها نحن طبقاً لنمط تفكيرنا واستجاباتنا للأمور.

و أما ما يؤرق نومك ويسلبك الكثير من الأوقات التي إن أردت قد تكون نعمة وبداية خيرات وإلهامات وأفكار، فهو ذاك الأرق المستقبلي وقلق التفكير به، اترك المستقبل لوقته وسعادته وتوقيته وتدبير الله تعالى فيه، كما قد تركك الماضي وتركته سابقا، أعمل ما يجب الآن أن تعمل كسعي واترك أمرا ما سيحدث لله فهو من خلقك وخلقه وقدّر لك ما لك وما سيحدث فيه.

أعط حاضرك ومستقبلك نصيبه منك. لا تحرم (الآن) اهتمامك ولا تحرم نفسك سعادتك بقلق على مستقبل أو حزن على ماضي، تمتع بكل يوم، كل وقت، كل مناسبة مهما كانت بسيطة إلا أن لها قدرا لأنك ستذكرها يوما ما وتكون قد أصبحت ماضياً وتركتك.

عش في الآن، عش حاضرك وأبصر جوانب جميلة في حياتك تستحق أن تبصرها، لا فقط أن تراها ليتفعّل دورها في أيامك الحالية وتؤثر بها مستقبلياً.