شريفة_التوبية
شريفة_التوبية
أعمدة

وتر: في حب البلاد

26 فبراير 2020
26 فبراير 2020

شريفة بنت علي التوبية -

حينما أكون في سفر، أشتاق للبلاد، والبلاد بالنسبة لي هو الوطن الكبير عُمان، وحينما أكون في مسقط، أشتاق للبلاد، والبلاد بالنسبة لي في هذه اللحظة هو الوطن الأصغر إزكي، وحينما أكون في إزكي أشتاق للوطن الأم، والذي أرتد إليه ارتداد طفل إلى حضن أمه، وهي إمطي، ولكن البلاد بالنسبة لأولادي أكثر خصوصية، فالبلاد هو بيت الجد والجدة.

والبلاد بالنسبة لنا كعمانيين لها خصوصيتها وجمالها، ومعناها الحنون، فالبلاد تعني العائلة والدفء، فلا شيء لدينا يقارن بالبلاد، ولا حب يسكن قلوبنا كحب البلاد، فيكفي أن تقول البلاد حتى تشعر بأنك لست عابرا وأنك ممتد بجذورك عميقا في أرض الوطن، فمن ليس له بلاد ليس له حياة، إنها ذلك الحنين العذب للأرض والشجر والجبل والساقية، إنها الطفولة المندسّة في ذاكرة المكان، الراكضة في دروب الحارة القديمة، اللاعبة بأراجيحها المعلّقة في شجرة الزام الكبيرة عند صباح الحارة، لذلك مهما عبرنا أو استوطنّا من ديار وأمكنة، تظل البلاد هي الأصل والمرجع، والبداية والنهاية. وفي هذا الوطن الحبيب، تستطيع أن تعرف أبناء البلاد من لهجاتهم، فلكل بلد في عمان لهجته الخاصة، ولعل أكثر الذين يعيشون في المدينة هم أبناء البلاد الذين تركوها بحثاً عن عمل ومورد للرزق، ولكن في نهاية كل أسبوع تجدهم يسابقون الوقت في رحلة العودة إلى البلاد، فتزدحم الشوارع بالعائدين إلى بلادهم مساء كل خميس، محمّلين بالحلم لقضاء إجازة هانئة بين أحضان الطبيعة، حيث البلاد تنتظرهم بشوق، فتمنحهم في يومين من الحب ما عجزت المدينة عن منحهم إياه في خمسة أيام يقضونها في روتين العمل أو التردد على المقاهي وأماكن الترفيه.

ورغم ازدحام المدينة بوجوه البشر، وخلو البلاد إلا من قليلهم، لكن تبقى البلاد الحكاية الأجمل التي نحكيها لأبنائنا، والقصيدة التي ننشدها لهم ونحن نهز سرير الرضيع حتى ينام، أغنية نبدد بها ضجر الحياة، وانتماء يشعرنا بالفخر ونحن نتحدث عنه، فمهما جذبتنا مقاهي المدينة بنكهة قهوتها وعذب موسيقاها، وأغرتنا الماركات المطلّة من واجهات مجمّعاتها التجارية، لكن أفئدتنا تظل معلّقة في شجرة بيذام أو كرمة عنب وسط الحقول، فالطفل الذي تركناه هناك ما زال ينتظر عودتنا إليه، يسابق رفاقه، يلّوح بحصاته الصغيرة لشجرة نبق، فترمي له ثمارها الشهية، وهنا شاب يسابق الخطوة في رحلة بحث عن عمل في شوارع المدينة، وكاتب حالم ما زال يخط الحرف تلو الحرف في حب البلاد ومن سكن البلاد.